تيارات جديدة أضعفت "حزب الله" سياسيا بعد أن كان "نجم المرحلة"
تعويضات "بتراب المصاري"... كيف تعود الودائع؟
قد يكون أكثر ما يعني اللبنانيين في مرحلة ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية، هو أن تلحظ حكومة العهد الاولى خطة حل لأزمة المودعين المستمرة منذ العام 2019 تاريخ الأزمة الاقتصادية والنقدية والمصرفية في لبنان.
وفي الانتظار المأمول ألا يكون طويلا بعد اليوم، ثمة من يرفع الصوت ويقترح مقاربات للحل، لاسيما أن بناء جدار الثقة من جديد بالقطاع المصرفي لابد أن يسبقه انطلاق قطار إعادة الودائع إلى أصحابها.
الخبير المصرفي والاقتصادي د.نسيب غبريل قال في حديث إلى «الأنباء» إن «المطلوب بعد الحرب في ملف المودعين هو مقاربة مختلفة جذريا عن الطروحات السابقة منذ خمسة أعوام وحتى اليوم. والحل المنطقي يكمن في ضخ سيولة في المصارف توازي 12 إلى 15% من ودائعها بالعملات الأجنبية، أولا لتمكين المصارف من إعادة تمويل الاقتصاد وتحديدا القطاع الخاص، وثانيا للسماح للمودعين بالتصرف بودائعهم واستخدامها من خلال تحويلات وشيكات وبطاقات الدفع على أن تستخدم في السوق المحلي من ضمن سقوف محددة بالتوازي مع سحب مبالغ نقدية معينة».
وقال غبريل: «إذا نظرنا إلى طريقة عمل المصارف في العالم، ندرك أنها ليست قجة ولا خزنة، هي تستقطب ودائع من الأفراد والشركات ورؤوس أموال من المساهمين وتوظفها في السوق، وتحافظ على نسبة سيولة تبلغ 10 إلى 15% من مجموع ودائعها بالعملات الأجنبية. وبالتالي ما من مصرف في العالم يملك سيولة جاهزة توازي 80 أو 90% من الودائع لإعطائها للمودعين عند الطلب أو الحاجة. ولكن مع محافظة الدولة على حالة من الاستقرار والثقة تجنبا لهلع المواطنين وإقبالهم على سحب كل ودائعهم».
وإذ أشار د.غبريل إلى أن «هذه السيولة تقدر بـ 13 مليارا و500 مليون دولار»، أوضح أن «أحد مصادر تأمين هذا المبلغ قد يكون عبر الاحتياطي السائل لدى مصرف لبنان المقدر أخيرا بـ 10 مليارات و200 مليون دولار والذي هو ليس سوى أموال المودعين، وتحويله أو تحويل معظمه إلى المصارف». وأضاف: «المصدر الثاني للسيولة هو من المساهمين في القطاع المصرفي الراغبين في المشاركة بإعادة رأسملة المصارف التجارية. والمصدر الثالث هو الدولة اللبنانية التي لا يمكن أن تتصرف وكأنها مراقب عن بعيد، أو كأنها غير قادرة، فيما الواقع هو عكس ذلك وثمة أفكار كثيرة في هذا الإطار. أما المصدر الرابع، فهو استخدام احتياطي الذهب لدى مصرف لبنان والبالغة قيمته حتى منتصف الشهر الجاري 25 مليار دولار، ورهن جزء منه مقابل 3 أو 4 مليارات دولار على أن تضاف إلى السيولة المصرفية».
الخبير الاقتصادي والمالي د.محمود جباعي قال من جهته لـ «الأنباء» إنه «صحيح أننا نحتاج إلى مقاربة مختلفة في ملف المودعين، ولكن على الجميع أن يتحمل مسؤولياته، لأن هذه المسؤوليات لا تقع فقط على مصرف لبنان لأن حل أزمة المودعين يتطلب تضافر جهود الدولة ومصرف لبنان والمصارف». وأضاف: «يجب أن نكون واقعيين وشفافين ولا نبيع الناس أوهاما، فالدولة اللبنانية مسؤولة عن هدر أكثر من 65 مليار دولار من الفجوة المالية بسبب سياساتها القائمة على الاستدانة في أماكن عدة. والمصرف المركزي مسؤول بما لديه من موجودات، والمصارف بدورها مسؤولة عن الأزمة لعدم مراعاتها المخاطر واستثمارها الخاطئ بأموال الناس. من هذا المنطلق مقاربة الحل مطلوبة من ثلاثة أطراف هي الدولة والمصارف ومصرف لبنان الذي تولى في الأساس بمفرده المهمة منذ وقوع الأزمة الاقتصادية في العام 2019 وحتى اليوم عبر التعاميم المختلفة الصادرة عنه بشأن المودعين».
وبحسب جباعي، فإن «مصرف لبنان كان يملك 8.5 مليارات دولار عند تسلم د.وسيم منصوري حاكمية البنك المركزي بالإنابة، وقد استطاع مع المجلس المركزي بخطة محكمة للإدارة المالية ومع وزارة المالية أن يرفع احتياطاته بحيث تخطت 10.5 مليارات دولار، وهو استخدم جزءا منها خلال الحرب لزيادة الدفعات التي تلحظها تعاميمه. واليوم هناك حديث عن طريقة معينة للتعاطي مع المودعين في المرحلة المقبلة. وصدر أخيرا قرار ينص على شهر آخر من السحوبات المضاعفة في انتظار خطة من المصرف المركزي لتحسين التعاميم، وهذا كل ما يستطيع فعله بما لديه من أموال».
وردا على سؤال عما إذا كان هذا الأمر يكفي، أجاب: «طبعا لا، لأن السؤال هو أين هي الدولة اللبنانية من وضع خطة تعاف اقتصادي ومالي تلحظ بشكل واضح كيفية إعادة الودائع، لأن الاستثمار في أصول الدولة الذي نتحدث عنه منذ سنوات لم يتم حتى اليوم، علما أن هذا الأمر يدر على الدولة مليارات الدولارات سنويا، ويمكن أن تستخدم جزءا منها لكي ترد أموال المودعين وديونها للمصارف والمصرف المركزي، وهكذا نكون قد أنجزنا حلا كبيرا. والمصارف بدورها يجب أن تكون لديها خطة بكيفية تسييل ممتلكاتها وأصولها وعقاراتها لكي تساهم بمبلغ معين ضمن خطة واضحة لإعادة أموال المودعين. وبرأيي من دون تحديد المسؤوليات وتحملها، لن يكون هناك حل جذري لأزمة المودعين. وأنا من مطالبي المصرف المركزي برفع نسبة السحوبات في التعاميم، لكنه حل مؤقت. أما الحل الجذري وضخ السيولة، فمعنية بهما المصارف بتسييل عقاراتها، والدولة باستثمار أصولها، وهذا يحتاج إلى حكومة جديدة تملك خطة واضحة وسريعة وعلمية ومنطقية لكيفية رد أموال المودعين».
وتعليقا على مطالبة د.جباعي بتسييل ممتلكات المصارف وأصولها لتوفير جزء من السيولة، قال الخبير المصرفي نسيب غبريل: «يسمحولنا، أين هي هذه الأصول؟ المصارف في لبنان باعت خلال الأزمة مصارف تابعة لها في الخارج، وتحديدا في مصر والأردن وتركيا والعراق وسورية، وما تبقى منها لا شيء يذكر، والفروع المصرفية تقلصت بنسبة 36 بالمئة وأقفل 385 فرعا بين أوائل العام 2019 وآخر العام 2023. أما الودائع لدى المصارف المراسلة، فتراجعت بنسبة 63 بالمئة بين بداية 2019 ونهاية أكتوبر الماضي. فيما الودائع بالعملات الأجنبية تراجعت بـ 27 بالمئة في الفترة عينها، والتسليفات المصرفية للقطاع الخاص تراجعت بنسبة 84 بالمئة وعدد موظفي المصارف تراجع بـ 45 بالمئة في 11 الف مصرف، أي من 25 الف موظف إلى 13850 في نهاية 2023. ورأسمال المصارف المجمع تراجع من 21 مليار دولار في بداية 2019 إلى 3 مليارات نهاية اكتوبر الفائت، والمصارف تكبدت خلال الأزمة خسائر بـ 8 مليارات دولار على مراكز القطع المفتوحة بالعملات الأجنبية، وحتى لو باعت المصارف كل ما لديها من أصول وعقارات ومبان وفروع ومراكز أساسية، فإن هذا الأمر غير كاف ولا يؤدي إلى نتيجة».
الأكيد أن جدل مقاربة أزمة الودائع سيحتدم أكثر فأكثر عند وضع خطة جديدة للحل وتوزيع المسؤوليات فيها، ولكن يبقى السؤال عمن يعوض على من راح جنى عمره وتعويض نهاية خدمته «بتراب المصاري»؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|