هل انتهت الحرب في لبنان؟.. هذا ما كشفته وسائل إعلام إسرائيلية
ماذا يعني عدم انسحاب إسرائيل في 27 كانون الثاني؟
يوماً بعد يوم، تتبلور الحقائق في أعين اللبنانيين: مسألة الانسحاب الإسرائيلي دخلت في المجهول. وللمرّة الأولى منذ 24 عاماً، عاد الجنوب منطقة خاضعة للاحتلال.
يصعب إدراك الملابسات والغموض غير المبرَّر الذي يحوط بالتنفيذ المفترض لاتفاق وقف النار. والأخطر هو أنّ الطرفين المعنيين يتعايشان مع هذا الغموض وكأنّهما موافقان عليه. وتتزايد المخاوف من أن تكون إسرائيل مستفيدة من عدم حماسة «حزب الله» للتخلّي عن سلاحه، لكي تبرّر استمرار احتلالها، فيما «الحزب» نفسه يحاول كسب الوقت، لعل ظروفاً ومعطيات تطرأ في لبنان أو سوريا أو سواهما، وتسمح له باستعادة بعض قدراته التي تزعزعت نتيجة الحرب. وتؤكّد ذلك مواقف متلاحقة صدرت عن «الحزب» وطهران، وكان آخرها إعلان المتحدث باسم «الحرس الثوري» الايراني علي محمد نائيني أنّ «الحزب» «أعاد بناء نفسه بسرعة، واسترجع قوته، وبدأ تنفيذ عمليات أكثر دقة وعمقاً وتحطيماً للعدو. وهو بعمليته الأخيرة أجبر ثلث سكانه على دخول الملاجئ، وتمكَّن بقوته المقدّرة بـ 15 ألف مقاتل من شل حركة الجيش الإسرائيلي المزود أحدث المعدات».
هذا الموقف تريد منه طهران طبعاً إظهار قوة «الحزب». لكن إسرائيل ستتمسك به وتستغله في شكل معاكس، إذ تعتبره اعترافاً رسمياً وصريحاً بأنّ «الحزب» ما زال يحتفظ بقدرته على تعريض أمن الشمال للخطر. وهي ستتخذ من هذا الاعتراف ذريعة لمواصلة عملياتها القتالية داخل الأراضي اللبنانية، استناداً إلى مفهومها لبند «الحق في الدفاع عن النفس» الوارد في اتفاق وقف النار. وهذا المفهوم يحظى بتأييد واشنطن ودعمها.
في أي حال، لا ينقص إسرائيل الذرائع. فهي لم تتوقف في أي لحظة عن انتهاك الاتفاق، قصفاً ونسفاً للمساكن وسائر البنى التحتية. وبدلاً من الانسحاب تدريجاً نحو الحدود، هي تتعمّد توسيع دائرة احتلالها، فتطلق العنان لآلياتها لكي تتوغل في مناطق جديدة. وهي تمنع السكان من العودة إلى قراهم، وتستهدفهم بالنار أحياناً. كما تعلن تنفيذ عمليات التفجير لما تدَّعي أنّه أنفاق قتالية ومستودعات للسلاح والذخائر. ولم تتوقف عن تصفية كوادر «حزب الله» لا في الجنوب فحسب، بل أيضاً في البقاع.
وفي الواقع، تستغل إسرائيل وضعية الارتباك أو الغموض التي تميز تعاطي الجانب اللبناني مع الاتفاق. فحتى اليوم، هو يتجنّب تقديم تفاصيل وافية حول الخطوات التي نفّذها أو سينفّذها في الجنوب وخارجه. وليس واضحاً إذا كانت لجنة الإشراف على التنفيذ تتلقّى منه التقارير في هذا الشأن. ولكن يبدو أنّ هذه اللجنة برئاستها الأميركية، والتي لم تجتمع حتى اليوم سوى مرتين، تلتزم الصمت الكامل، تاركة طرفي النزاع يتصرفان على الأرض، من دون أي تدخّل يُذكر من جانبها. وبهذا الصمت، هي توحي بأنّها موافقة على ما تفعله إسرائيل بل تمنحها الفرصة للتمادي فيه قدر ما تشاء. وهذا ما يثير المخاوف من الوضع الذي سينشأ بعد انتهاء مهلة الـ60 يوماً.
وفي اعتقاد الخبراء في الشأن العسكري، أنّ الإهمال المتمادي من الجانبين في التزام بنود الاتفاق، بعد تجاوز منتصف مهلة الشهرين، يعني أنّ الاتفاق ذاهب حتماً إلى الفشل الكامل. ويرى هؤلاء أنّ لبنان يتّجه إلى أحد احتمالين:
1- استئناف الحرب على مداها. وهذا أمر يُرعب لبنان وترفضه القوى الدولية، وفي مقدمها واشنطن التي ستكون قد انتقلت فيها الإدارة قبل أسبوع واحد من جو بايدن إلى دونالد ترامب.
2- تمديد مهلة الـ60 يوماً لمنح الطرفين فرصة أخرى. وهذا هو الاحتمال الأرجح. وثمة من يعتقد أنّ الوسيط الأميركي عاموس هوكشتاين راعي الاتفاق، ربما يتولّى تسويق هذه الفكرة في زيارته المقبلة لبيروت، في موازاة مهمته الرامية إلى تأمين انتخاب رئيس للجمهورية. ومن شأن هذا التمديد أن يؤجّل اصطدام الطرفين بالحائط المسدود، وأن يمنح الوسطاء بعض الوقت للتدخّل.
لكن الواضح هو أنّ إسرائيل بدأت تعدّ العدة للبقاء فترات أطول في الجنوب. وهي أظهرت ذلك في الساعات الأخيرة من خلال تمديد بقاء سكان الشمال خارج منطقتهم لـ3 أشهر إضافية، والتلويح علناً بعدم الانسحاب من لبنان بذريعة أنّ «الحزب» لم يلتزم الاتفاق. وفي زيارته للجنوب، قبل يومين، أطلق رئيس أركانها هرتسي هاليفي تحذيراً ينطوي على كثير من الأهداف المبطنة، إذ قال: «انتصرنا عسكرياً على «الحزب»، لكن الانتصار الحقيقي بعيد المدى ويعني الكثير من الناس الذين يعيشون هنا، والكثير من السياحة والمطاعم والمقاهي. وهذا هو الانتصار المستدام». وهذا الكلام يثير المخاوف من نية إسرائيل البقاء في تلك المنطقة المدمّرة والمحروقة إلى أن يتحول الشمال واحة ازدهار اقتصادي. وهذه الذريعة يمكن أن لا تتحقق لسنوات وسنوات، وخلالها تُبقي إسرائيل على احتلالها حتى يصبح أمراً واقعاً.
لذلك، الأسابيع الأربعة المتبقية حتى 27 كانون الثاني حساسة جداً. وعلى الجانب اللبناني، أي «حزب الله» والحكومة تقع مسؤولية إزالة أدنى الذرائع، ودفع إسرائيل بأي شكل إلى التزام الاتفاق والخروج من لبنان. فالمرحلة حافلة بالتعقيدات على مستوى الشرق الأوسط ككل، وإسرائيل تبحث عن السبل لتكريس احتلالاتها والتوسع، من غزة والضفة الغربية إلى لبنان وسوريا وربما الأردن... والآتي أعظم.
طوني عيسى-الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|