الصحافة

تفكيك "الحزب"… سنوات من الجهد الاستخباراتي الإسرائيلي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في 27 سبتمبر (أيلول) الماضي، وبينما كان أمين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، مختبئاً داخل معقل للحزب على عمق 40 قدماً تحت الأرض، حثَّه مُساعدوه على الذهاب إلى مكان أكثر أماناً، إلا أنه تجاهل هذا، وفق معلومات استخباراتية جمعتها إسرائيل، وشاركتها لاحقاً مع حلفاء غربيين. وجاء رفض نصر الله، بناءً على اعتقاده أن إسرائيل لا تسعى إلى إشعال حرب شاملة. إلا أن ما خفي عنه حينها أن وكالات التجسس الإسرائيلية كانت تتعقب كل تحركاته، وكانت تفعل ذلك لسنوات.

وبعد فترة وجيزة من نصيحة مساعديه، أسقطت طائرات «إف-15» الإسرائيلية آلاف الأرطال من المتفجرات، فدمّرت المخبأ ليُدفن تحته نصر الله وعدد من كبار قادة «حزب الله». وفي اليوم التالي، عُثر على جثة نصر الله مع جنرال إيراني كبير متمركز في لبنان. وتُوفي الرجلان اختناقاً، وفقاً لمعلومات استخباراتية وعدة أشخاص مطّلعين على الأمر.

وكان مقتل زعيم «حزب الله» المخيف، الذي قادَ لعقودٍ الميليشيا اللبنانية في حربها ضد إسرائيل، تتويجاً لحملة هجومية استمرت أسبوعين. وجمعت الحملة بين تكنولوجيا سرية متقدمة جداً وقوة عسكرية غاشمة، بما في ذلك التفجير عن بُعد لمتفجرات مخبّأة داخل آلاف أجهزة النداء واللاسلكي، التي يستخدمها أعضاء «حزب الله»، بجانب قصف جوي مدمر استهدف آلاف الصواريخ والقذائف القادرة على ضرب إسرائيل.

وجاءت الحملة نتاجاً لعقدين من العمل الاستخباراتي المنهجي، استعداداً لحرب شاملة توقَّع كثيرون حدوثها في نهاية المطاف.

ويكشف تحقيقٌ، أجرته صحيفة «نيويورك تايمز»، استناداً إلى مقابلات مع أكثر من عشرين مسؤولاً إسرائيلياً وأميركياً وأوروبياً حالياً وسابقاً، رفضوا كشف هوياتهم بسبب مناقشتهم عمليات سرية، عن مدى اختراق الجواسيس الإسرائيليين للجماعة اللبنانية. لقد جنَّدوا أشخاصاً لزرع أجهزة تنصت في مخابئ «حزب الله»، وتتبعوا الاجتماعات بين أحد كبار القادة وعشيقاته الأربع، وكانوا يحظون برؤية شبه دائمة لتحركات قادة الميليشيا المسلَّحة.

إنها قصة اختراقات، كما حدث في عام 2012 عندما سرقت الوحدة 8200 الإسرائيلية – التي تُعادل وكالة الأمن الوطني بالولايات المتحدة – كنزاً من المعلومات؛ بينها تفاصيل عن مخابئ القادة السرية، وترسانة الصواريخ والقذائف لدى الجماعة.

ومع ذلك كانت هناك تعثرات كذلك، مثلما حدث أواخر عام 2023، عندما شكَّ أحد فنيِّي «حزب الله» في البطاريات الموجودة بأجهزة الاتصال اللاسلكية.

وكانت هناك محاولات للإنقاذ، كما حدث في سبتمبر الماضي، عندما جمعت الوحدة 8200 معلومات استخباراتية تفيد بأن عملاء «حزب الله» كانوا قلقين بما يكفي بشأن أجهزة الاتصال اللاسلكية، لدرجة أنهم أرسلوا بعضها إلى إيران، للتفتيش.

وفي خِضم مخاوف من كشف العملية، أقنع كبار مسؤولي الاستخبارات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإعطاء الأمر بتفجيرها، ما أدى إلى تحريك الحملة التي بلغت ذروتها باغتيال نصر الله.

كان قضاء تل أبيب على «حزب الله» بمثابة انتصار كبير لبلدٍ عانى، قبل عام واحد، أكبر فشل استخباراتي في تاريخه، عندما غزاه مقاتلون بقيادة جماعة «حماس»، في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وقتلوا أكثر من 1200 شخص، وأَسَروا 250 رهينة.

كانت الحملة ضد «حزب الله»، وهي جزء من حرب أوسع نطاقاً أسفرت عن مقتل الآلاف في لبنان، ونزوح أكثر من مليون شخص، سبباً في إضعاف أحد أكبر خصوم إسرائيل، بجانب توجيه ضربة لاستراتيجية إيران الإقليمية، المتمثلة في تسليح وتمويل جماعات شِبه عسكرية تسعى لتدمير إسرائيل. وكان مِن شأن إضعاف المحور الذي تقوده طهران أن أُعيد تشكيل الديناميكيات في الشرق الأوسط، ما أسهم في سقوط نظام الأسد في سوريا.

وهنا يبدو التناقض بين نهجيْ إسرائيل تجاه «حزب الله» و«حماس»، صارخاً ومدمراً. ويكشف التركيز الاستخباراتي المكثف على الميليشيا اللبنانية عن اعتقاد قادة تل أبيب أن «حزب الله» يشكل التهديد الأعظم لإسرائيل. ومع ذلك فإن «حماس» داخل قطاع غزة، الجماعة التي اعتقدت الاستخبارات الإسرائيلية أنها لا تملك الرغبة ولا القدرة على مهاجمة إسرائيل، هي التي شنت هجوماً مفاجئاً باغت إسرائيل بأكملها.

كانت إسرائيل في مواجهة مع نصر الله وكبار قادته في «حزب الله» لعقود، وخلصت تقييمات الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن الأمر سيستغرق سنوات، وربما أكثر من عقد، حتى تتمكن الجماعة من إعادة بناء نفسها بعد مقتل قياداتها، خاصة أن مجموعة القادة الحاليين تملك خبرة قتالية أقل بكثير من الجيل السابق.

الدافع المركزي

ومع ذلك تظل الحقيقة أن القادة الجدد، مثل جيل المؤسسين، يتحركون بدافع مبدأ مركزي محفز: الصراع مع إسرائيل.

بهذا الصدد، عبَّر العميد شيمون شابيرا، السكرتير العسكري السابق لنتنياهو، ومؤلف كتاب «حزب الله: بين إيران ولبنان»، عن اعتقاده بأنه «لا يمكن لـ(حزب الله) أن يستمر في الحصول على الدعم والتمويل من إيران، دون أن يكون في حرب ضد إسرائيل. هذا تحديداً سبب وجوده».

وأضاف: «سيُعيدون تسليح أنفسهم، وإعادة بناء قوتهم. إنها مسألة وقت فقط».

بناء المصادر

خلقت حرب 2006 حالة تأزم دموي بين إسرائيل و«حزب الله». من جهتها، انسحبت إسرائيل من لبنان بعد 34 يوماً من القتال، والذي بدأ بعد أن اختطفت الميليشيا اللبنانية جنديين إسرائيليين وقتلتهما. وكانت الحرب، التي لم تحقق أهداف إسرائيل، بمثابة إذلال، ما أجبر تل أبيب على تشكيل لجنة تحقيق، ودفع جنرالات كبار نحو الاستقالة، علاوة على محاسبة مسؤولين داخل جهاز الأمن الإسرائيلي بخصوص مدى جودة المعلومات الاستخباراتية.

إلا أن العمليات التي جرت في أثناء الحرب، والتي اعتمدت على جهود جمع المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية، شكلت الأساس للنهج اللاحق للبلاد. ووفق ثلاثة مسؤولين إسرائيليين سابقين، زرعت إحدى العمليات أجهزة تعقُّب على صواريخ «فجر» المملوكة لـ«حزب الله»، ما أتاح لتل أبيب معلومات عن الذخائر المخبَّأة داخل القواعد العسكرية السرية، ومرافق التخزين المدنية والمنازل الخاصة. وفي حرب 2006، قصفت القوات الجوية الإسرائيلية المواقع، مما أدى إلى تدمير الصواريخ.

وعبر السنوات التي أعقبت الحرب، أظهر نصر الله ثقته في قدرة الجماعة على الفوز في صراع آخر ضد إسرائيل، مشبهاً إسرائيل ببيت العنكبوت، وأنها قد تبدو مصدر تهديد من بعيد، لكن يمكن تجاهلها بسهولة.

ومع إعادة بناء «حزب الله» قدراته، وسَّع «الموساد»؛ جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، شبكة من المصادر البشرية داخل الميليشيا، وفقاً لعشرة مسؤولين أميركيين وإسرائيليين حاليين وسابقين.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا