فليَحكُم "سمير جعجع"…
لا يختلف اللبنانيون فيما بينهم على أن انتخاب رئيس للجمهورية، لم يكن منذ الإستقلال حتى اليوم، إلا وهو خاضع للتجاذبات السياسية الإقليمية - الدولية، ذلك بسبب النظام الطائفي المعمول به في لبنان منذ الاستقلال وارتباطات كل طائفة بالخارج، ولكون طبيعة نشأة الدولة اللبنانية قائمة على شراكة إقليمية – دولية، جعلت من لبنان ميداناً لصراعاتهم وساحة من ساحات خلافاتهم. من هنا حازت عهود معظم رؤساء الجمهوريات منذ بداياتها على توافق إقليمي- دولي، لكنها لا تلبث أن تتدحرج في نهاياتها إلى صراعات دراماتيكية، سواء كانت لأسباب أمنية أو اقتصادية أو سياسية أو حتى دستورية، أخطرها المعادلة التي أرساها الرئيس الراحل بشارة الخوري: "بأن السنوات الثلاث الأولى من كل عهد هي لتثبيت أركانه، تمهيداً للعمل في السنوات الثلاث الأخيرة لتمديد الولاية أو تجديدها". حيث حلّت هذه المعادلة كابوساً يؤرق ولاية كل رؤساء الجمهورية الذين جاؤوا من بعده، ووبالاً ودماراً على لبنان وشعبه مع بداية النهاية لكل عهد.
وعلى الرغم من أن غالبية الرؤساء السابقين قد تميزوا من بعد الاستقلال بخلفية مارونية سياسية، مصدرها إما قيادية حزبية أو قيادية عسكرية أو كلاهما معاً، فإنّ جميعهم قد سقطوا في امتحان بناء الدولة اللبنانية الحديثة التي يحلم بها كل مواطن، سواء من حَكَمَ قبل اتفاق الطائف أو بعده، باستثناء كل من الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب، الذي ساعده في نجاح ولايته الاستقرار السياسي الذي وفرته له آنذاك الجمهورية العربية المتحدة (مصر) أبان حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والرئيسين الشهيدين بشير جميل ورينيه معوض اللذين اغتيلا قبل ممارستهما للسلطة. لذا بغض النظر عن التركيبة السياسية للنظام الطائفي في لبنان، الذي على أساسه جرى انتخابهم، فإن لأسباب فشل عهدهم أسباب عديدة، أبرزها رغبتهم الطاغية في التمديد أو في تغليب مصالحهم العائلية أو الحزبية أو الطائفية على مصالح الشعب.
بدأ الأمر مع بشارة الخوري الذي كان رئيساً للكتلة الدستورية في مجلس النواب، من ثم انتخب رئيساً للجمهورية عام 1943، لكن عهده انتهى باستقالته في العام 1952 من بعد التمديد له ولاية ثانية، ومن بعد تفشي الفساد السياسي والمالي، ربطاً بشقيقه الذي بات يُعرف بـ "السلطان سليم" نظراً لسطوته وسلطته المطلقة. من بعده انتخب كميل شمعون رئيساً سنة 1952، لينتهي عهده أيضاً باضطرابات عُرفت بأحداث 1958، بسبب جنوحه للتجديد فترة رئاسية ثانية، إلا أنه جوبه بالرفض من قبل بعض القوى اللبنانية، ليؤسس بعد انتهاء ولايته حزب الوطنيين الأحرار. حيث تم التوافق على انتخاب قائد الجيش في حينه اللواء فؤاد شهاب الذي رفض التمديد لنفسه ولاية ثانية، فانتُخب خلفاً له في العام 1964 الرئيس الراحل شارل الحلو، وهو أحد مؤسسي حزب الكتائب، لينهي عهده بتوقيع إتفاق "الكارثة والمأساة على لبنان" ألا وهو اتفاق القاهرة في العام 1969، بعد الاصطدام المسلح بين الجيش اللبناني والفصائل الفلسطينية. وفي سنة 1970 انتُخب الرئيس الراحل سليمان فرنجية الأب الروحي للمردة، لينتهي عهده بالحرب الأهلية في العام 1976، فتولى من بعده الرئيس الراحل إلياس سركيس الذي انتهى عهده بالاجتياح الاسرائيلي في العام 1982. أمّا بعد اغتيال الرئيس المنتخب بشير الجميل، فقد تولى رئاسة الجمهورية شقيقه أمين الجميل من حزب الكتائب أيضاً، الذي بدأ عهده بحروب داخلية وانتهى بها، بعد أن تميز عهده بالصفقات المشبوهة.
أما بعد اتفاق الطائف فقد انتخب الرئيس الراحل إلياس الهراوي في زمن "الوصاية السورية - السعودية" (س-س) على لبنان خلفاً للرئيس رينيه معوض، حيث بدأ حكمه بحرب على حكومة العماد ميشال عون في العام 1990 وانتهى عهده بمكافأة سورية عبر تمديد ولايته ثلاث سنوات، عدا عن تورط عائلته بقضايا فساد مالي. لتختار "الوصاية السورية" من بعده العماد إميل لحود في العام 1998 الذي مُدد له "سورياً" أيضاً لثلاث سنوات، ويُؤخذ عليه "العائلية" في التعيينات، حين عيّن كل من صهره وزيراً وإبنه البكر نائباً في البرلمان، انتهى عهده باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وخروج الجيش السوري من لبنان، لتصل الرئاسة على "بساط الريح القطري" إلى ميشال سليمان من خلال اتفاق الدوحة في العام 2008، والذي لم يخلو عهده من الفساد المالي الذي أزكم الأنوف. ومن بعده أوصل تمسك حزب الله بمرشحه العماد ميشال عون، فضلاً عن التوافق بالإكراه على اسمه فيما بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل من جهة وتيار المردة من جهة أخرى إلى سدة الرئاسة في بعبدا. ليؤخذ عليه موضوع صهره النائب جبران باسيل في تماثل وتشابه مع "السلطان سليم"، لينتهي عهده بأكبر أزمة اقتصادية عصفت بالكيان اللبناني منذ نشأته.
من بعد هذه السردية التاريخية المقتضبة، والتي تم من خلالها تجربة حكم الأحزاب المسيحية بقياداته المارونية، بدءاً من الحزب الدستوري مروراً بالأحرار، إلى المردة فالكتائب، إلى حزب الوصاية السوري، وصولاً إلى التيار الوطني الحر، بما فيهم من رؤساء تولوا قيادة الجيش سابقاً، بات واضحاً عجزهم جميعاً على النهوض بالبلاد وبناء دولة المؤسسات، وفشلهم في تطبيق اتفاق الطائف، وانزلاقهم في المطبات الفئوية والعائلية والمالية. باستثناء القوات اللبنانية الحزب المسيحي الوحيد الذي بقي خارج "دوامة قصر بعبدا"، ولم يُقدّم تجربته في رئاسة الجمهورية عنوة عن باقي الأحزاب والشخصيات المسيحية، الذين نجحوا فقط في إدارة شؤون "قصر بعبدا " لا غير . من هذا المنطلق لا بد لنا اليوم من اللجوء إلى الخيار المرّ والجريء، هو خيار أليم وقاس على شريحة واسعة من اللبنانيين… لكن وعلى قاعدة: جرّبنا الكل وبالأخير وقفت على سمير؟
ad
فليُنتخب سمير جعجع رئيساً للجمهورية… وان كنت من المختلفين معه في الفكر والرأي، إلا انه صادقاً مع حلفائه صريحاً مع خصومه، ولديه حالياً أكبر كتلة نيابية في البرلمان. فليترأس البلاد ولنرى، هل يتعظ من تاريخ الذين سبقوه وهو القارىء بامتياز؟ وهل سيُطبق اتفاق الطائف بما فيه إلغاء الطائفية السياسية، أم لا؟ وهل سيسير بالمحاصصة الطائفية والحزبية على غرار من سبقوه، أم سيُطبق مبدأ الكفاءة؟ وهل سيتعاطى بانفتاح وإيجابية مع خصومه السياسيين، أم لا؟ وكيف سيتعامل مع نظام الإخوان في سوريا؟ وكيف سيعالج ملف الاحتلال الاسرائيلي للجنوب اللبناني والقرار 1701؟ وهل سيتجرأ ويعطي أوامره للجيش اللبناني بالتصدي للخروقات الاسرائيلية؟ وهل سيسعى جهده لإعادة إعمار ما هدمته الحرب في المناطق ذات الغالبية الشيعية؟ هي أسئلة كبيرة ننتظر جواباً عليها في يوم إعلانه عن برنامجه الرئاسي. وعلى مبدأ أنّ الفعل بالفعل يجبُر، "فليحكُم الحكيم"، وليحصل على فرصته كما حصل عليها رؤساء باقي الأحزاب المسيحية، وليُنتخب رئيساً للجمهورية، فإما أن يتحرر من سجنه الثاني في معراب، لينتقل إلى بعبدا حراً من طائفته طليقاً عن حزبه، فيؤسس من جديد دولة ديمقراطية مدنية لا طائفية ولا محسوبية فيها، يدخل معها التاريخ من بابه الواسع ، أو أن يقضي في "قصر بعبدا " ست سنوات عهده الميمون أسيراً لأفكار "دنكوشوتية"، سجيناً للمرة الثالثة لكن مع اختلاف الأمكنة.
ان المقالات الواردة ضمن فقرة "بأقلامهم" لا تعبر الا عن راي كاتبها، ولا تلزم كاتبها بأية مسؤولية، كونها لا تعبر عن رأي ليبانون فايلز...
كريستينا شطح
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|