"قلوب مليانة"... على خط النار بين "هيئة التحرير" وموالي "حزب الله" في حوض العاصي (فيديو)
"مِش رمّانة... قلوب مليانة"، يصف هذا المثل الشعبي حقيقة الوضع الراهن في قرى حوض نهر العاصي اللبنانية في منطقة ريف القصير السورية.
فإذا كانت الحوادث التي رافقت انهيار نظام الأسد قد أثارت مشاعر حقد مكبوتة بين الأهالي، السوريين من جهة واللبنانيين الذين يؤيدون "حزب الله" من جهة أخرى، إلا أن مهربين من الجانبين يسعون الى استغلالها من أجل تفصيل جزر أمنية على مقاسات جحورهم وأعمالهم غير القانونية.
مشاهد الحوادث الأمنية في حوض العاصي، أظهرت صورة مقلقة في الأيام الأخيرة، بحيث غطّت على كل شيء من إحراق منازل لعدد من اللبنانيين والسلب والنهب، إلى الرصاص والفلتان... هذه الفوضى، تُنسيَ جوهر المشكلة المتمثّل ببقاء مطلوبين ومهربين لبنانيين عالقين ما بين الواقع السوري الجديد وتعذر عودتهم الى الجانب اللبناني من الحدود حيث قد يقعوا في قبضة الأمن اللبناني.
وعلى رغم مبادرات فردية من الأهالي الذين تربطهم أواصر معرفة بفاعليات من الجانبين السوري واللبناني أملاً في إيجاد حلول، غالباً ما تنتهي الأمور إلى حلول موقتة لا تسمن ولا تغني من جوع.
وساطة إنسانية وتقدم ملحوظ
وكان الدكتور علي زعيتر الذي يضطلع بدور الوسيط الانساني بين الجانبين اللبناني والسوري، أحرز تقدماً ملحوظاً، إذ أكد لـ"النهار" التوصل إلى اتفاق مع "هيئة تحرير الشام" يضمن عودة آمنة إلى القرى الحدودية.
جاء ذلك نتيجة اتصالات مثمرة مع قيادة القصير، ممثلةً بالعقيد باسل إدريس، إذ جرى إاستحداث 7 نقاط عسكرية في مواقع استراتيجية، مثل مفترقات المصرية والجنطلية وزيتا وحاويك. ووجه زعيتر عبر تسجيل صوتي، رسالة الى أبناء المنطقة للعودة إلى ديارهم "بطمأنينة وأمان".
لا بد من الإشارة الى أن هذه الحوادث بدأت عندما نزح معظم سكان الطائفة الشيعية من القرى الموجودة في حوض العاصي والبالغ عددها 33 قرية ومزرعة، في 8 كانون الأول (ديسمبر) الجاري ليلة سقوط نظام بشار الأسد. علماً أن هذه القرى يسكنها حوالى 40 ألف لبناني. بينما بقيَ حوالى عشرة في المئة منهم في منازلهم لحماية ممتلكاتهم وأرزاقهم، في حين تعرضت 50 في المئة من المنازل للنهب والحرق والتدمير على يد مسلحين سوريين، بحسب تقديرات استقتها "النهار" من أحد سكان هذه القرى.
أما المسلحون السوريون الذين يثيرون الفوضى ويحرقون ممتلكات اللبنانيين، فهم من الذين يحملون ثأراً يعود إلى أيام النظام السوري ودخول "حزب الله" إلى القصير التي هجروها قسراً عام 2013، فيما استغل لصوص ما يجري وغياب أصحاب المنازل من أجل سرقة محتوياتها.
"يمتهنون التهريب... والتخريب"
وأوضح مصدر محلي أن "هيئة تحرير الشام" أوفدت مندوباً من القصير لعقد اجتماعات مع وجهاء عرب وادي خالد سعياً الى ضبط الأمور.
وعقد اجتماع في حاويك بهدف وضع حد للتجاوزات ومحاولة إعادة الأهالي، غير أنه باء بالفشل جراء تدخل متعمد من بعض يمتهنون التهريب ويسعون الى إقامة "إمارة" خاصة بهم داخل الحدود لممارسة أعمالهم غير القانونية.
وأكد المصدر نفسه استمرار الجهود لإعادة اللبنانيين الذين لم يشاركوا في النزاعات داخل سوريا ولم يقوموا بأي أعمال غير قانونية، ولم يتعاونوا مع "حزب الله".
واعتبر أن "القلق الحقيقي هو من أن أي سوري لديه مشاعر سلبية أو مشاكل مع لبناني، قد يتهمه ظلماً بأنه ينتمي إلى "حزب الله" أو بأنه ارتكب أعمالاً غير قانونية، مما قد يؤدي إلى تصفية حسابات شخصية".
ورأى أن "عودة الأهالي تعتمد على مدى جدية الهيئة في اتخاذ خطوات حقيقية لضمان الأمان، وتقديم وعود ملموسة لتحمل المسؤولية وعدم تعرضهم للخطر".
وأضاف: "شهدنا بالفعل قيام الهيئة بمحاسبة بعض الأشخاص، كما أنهم يطالبون دائماً بعدم السماح بوجود أي فرد مرتبط بـ"حزب الله"، وهو ما تؤكد عليه الهيئة بقوة، والتي حاولت تنظيم الأمور وخصوصاً بعد أن شددت من داخل القصير على محاسبة هؤلاء في ظل الفوضى التي حدثت منذ بداية الثورة".
ولفت الى أن "الهيئة أنشأت سبع نقاط تفتيش، منها في بلدتي زيتا والعقربية، بهدف تقليل عمليات التهريب والسرقات وانتهاك الممتلكات. ولكن هذه الحواجز ليست كافية بسبب المساحات الكبيرة".
وأكد أن "المهربين اللبنانيين نوعان، الأول هم الذين يمارسون التهريب بشكل بسيط ولا يسببون أي مشاكل، بينما النوع الآخر هم اللصوص الذين يخالفون القانون ويمارسون أنشطة غير قانونية وإجرامية، ويتسببون بفوضى في القرى. هؤلاء هم المسؤولون عن الخطف وبعض الجرائم الأخرى، ولا يهتمون ببناء دولة أو تحقيق الأمن، وكانت تستخدم منازلهم لإخفاء المخطوفين من أجل الحصول على فدية وتصنيع المخدرات والاتجار بها".
وأمل مصدر آخر في التخلص من هؤلاء المطلوبين، مشيراً الى "أن هيئة تحرير الشام تعاني من نقص في عدد العناصر اللازمة لإقامة الحواجز وضبط الأمن، كما أنها لم تصل بعد إلى عمق القرى الحدودية التي تتميز باتساعها وأراضيها الشاسعة، مما يجعل ضبط الحدود صعباً".
"يتعاملون بطريقة محترمة"
عندما سألت "النهار" رئيس بلدية القصر الحدودية محمد زعيتر عن سبل تنظيم الأمور في القرى والمزارع الـ33، وهل تتوصل الاجتماعات إلى حلول مفيدة، أجاب: "يوجد تواصل دائم مع الهيئة. وعندما تحدث أي مشكلة، يجري الاتصال بهم مباشرة، وغالباً ما يُنقل اللبنانيون الذين يسببون المشاكل إلى داخل لبنان، نتيجة جهود وجهاء العشائر والعائلات. هم يعملون بجد لضبط الأمور بأقصى جهد لديهم".
وأضاف: "حتى الآن، تتعامل الهيئة بطريقة محترمة، وهذا مهم جداً لضبط الأوضاع. هذه المناوشات تحدث بين المهربين والمسلحين، الذين ينتمون الى مجموعات متنازعة تحمل أحقاداً وصراعات قديمة وترتكب سرقات، وقد فشل النظام السوري سابقاً في السيطرة عليها. لكن الآن، مع وجود دولة جديدة،على المهربين اتباع قراراتها والتصرف وفقاً لقوانينها".
"هيئة تحرير الشام"
في الجانب الآخر من الحدود، أكد مصدر في "هيئة تحرير الشام" لـ"النهار" أن وجود مقاتليها في هذه القرى السورية هدفه "ضمان الأمان والاستقرار في المنطقة. وكما هو معروف، فإن غالب الأهالي اللبنانيين هناك إما يتبعون حزب الله وإما هم مؤيدون لها، وهي شاركت إلى جانب النظام السابق في الهجوم على مدينة القصير. ولم يجر إخراجهم من منازلهم بل هم فروا إلى لبنان. وإن عودتهم مرتبطة بمسائل تتعلق بسلطة الدولة، إذ نرفض وجود أي سلاح خارج سلطة الحكومة السورية، وندعوهم الى تسليم سلاحهم والأسماء المطلوبة، ولا سيما منهم المتورطين في قتل السوريين، وتحديداً في حوادث مدينة القصير".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|