إقتصاد

المنطقة وثرواتها في مهب الاطماع الإسرائيلية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

دفعت اكتشافات النفط والغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، المنطقة الى دائرة الضوء واستقطبت الاهتمام الدولي بثرواتها المكنونة منذ بداية الالفية الثالثة. وقد ترافقت هذه الاكتشافات مع اعلان دائرة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2010، عن وجود احتياطات من النفط والغاز بكميات واعدة في هذا الحوض. وقد رفعت هذه الدائرة في العام 2021، من تقديراتها لاحتياطات الغاز الطبيعي في الحوض الشرقي، لتبلغ قُرابة الـ 494 تريليون قدم مكعب، بينما خفضت تقديراتها للنفط لتعادل 3,7 مليار برميل.

وقد جاءت هذه الاكتشافات لتُضيف أزمةً جديدة على أزمات المنطقة، تتمثل في التنافس على ثروات النفط والغاز التي يزخر بها الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط والسيطرة عليها، واعادت الى الواجهة النزاعات بين الدول المطلة عليه. وقد شكل النزاع العربي الإسرائيلي باكورة هذه النزاعات الجيوسياسية التي أعاقت المُضي قُدُماً في التنقيب عن نفظ وغاز هذا الساحل، لا سيما الساحلين الللبناني والفلسطيني.

فالاطماع الإسرائيلية في الأراضي والمياه اللبنانية سابقة لاكتشافات النفط والغاز في الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، لا بل تعود الى تاريخ قيام الكيان على ارض فلسطين السليبة. وقد حالت الاطماع الإسرائيلية في ثروة لبنان من النفط والغاز دون إتمام اعمال التنقيب في الرقعة رقم أربعة، حيث تم وقف اعمال الحفر قبل الوصول الى العمق الذي تنص عليه اتفاقية الاستكشاف والإنتاج، بهدف الضغط على لبنان للموافقة على ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية مع الكيان الإسرائيلي.

وخلال حرب إسناد غزة، لم يكتفِ وزير طاقة العدو بالإجحاف بحقوق لبنان الذي سببه اتفاق ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية، ليطالب بإلغاء الاتفاقية وتعديلها للاستيلاء على مساحات إضافية من المنطقته الاقتصادية الخالصة اللبنانية التي كان من المُفترض أن يحدها الخط 29 لا الخط 23. هذا الاتفاق الذي تسبب بخسارة لبنان مساحة 1430 كلم مربع لصالح إسرائيل، مع العلم أن عدم اعتماد خط امتداد الحدود البرية تسبب بخسارة 3800 كلم مربع إضافية مع ما يُمكن أن تختزنه هذه المساحات من موارد من النفط والغاز.  

في المقابل، لم تنتظر إسرائيل عملية طوفان الأقصى التي انطلقت في السابع من تشرين اول 2023، لتمنع تطوير حقل "غزة مارين" على الرغم من مرور اكثر من عقدين من الزمن على اكتشافه. وهي كانت قد اشترطت للسماح بتطوير هذا الحقل، أن تصل إمداداته إلى عسقلان أولاً لتلبية حاجاتها من الغاز وبأسعار أدنى من معدلاتها العالمية. ليُشكّل إيقاف تطوير حقل "غزة مارين" اول نزاع مباشر على احتياطات الغاز على مستوى شرق المتوسط، وليس بين إسرائيل والفلسطينيين وحسب.

والوضع ليس افضل حالاً بين تركيا وقبرص اليونانية المتنازعتين اصلاً على تقسيم قبرص، والذي تجدد مع اكتشاف موارد من النفط والغاز قُبالة الساحل القبرصي، ليشمل النزاع ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، حيث ادعت تركيا أن المنطقة الاقتصادية الخالصة القبرصية تابعة لها. كما أقدمت تركيا وفي خطوة غير مسبوقة، على الإعلان عن ترسيم حدود بحرية جديدة بينها وبين ليبيا، الامر الذي استنكرته كل من مصر وكذلك اليونان التي يمر الترسيم بمحاذاة مياهها على مقربة من جزيرة كريت.

ولجهة استغلال الاكتشافات، كانت إسرائيل في طليعة دول الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط التي استخدمت اكتشافاتها من الغاز لتلبية حاجتها الداخلية وخاصة معامل توليد الطاقة الكهربائية، ومن ثم التوجه نحو التصدير. وفي حين كان يراهن الإسرائيليون على التصدير الى أوروبا، حال ارتفاع تكاليف كل من تطوير حقلي تمار وليفياثان وإقامة خط انابيب الى أوروبا دون تحقيقها. فكان ان توجهت إسرائيل بصادراتها من الغاز الطبيعي إلى الدول العربية المجاورة التي ترتبط معها بمعاهدات سلام، لا سيما منها الأردن ومصر.

وكان الرهان ان يُساعد اكتشاف الغاز الطبيعي في شرق البحر الأبيض المتوسّط على اندماج إسرائيل مع دول الجوار، وأن يعمل كأداة فعّالة لتجذير مسار التطبيع مع جيرانها. لكن اتفاقيات الغاز التي ابرمتها إسرائيل مع كل من مصر والأردن لم تبعث الدفء في اتفاقات السلام فيما بينها ليبقى سلاماً بارداً. بينما لم يحُل اتفاق ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان دون اندلاع حرب الاسناد، ولم يُعطِ أي إشارة حقيقية على تجاوز عقود من العداء بين الطرفين.

والحال مشابهاً في أماكن أخرى من الحوض الشرقي للمتوسط، حيث إن اكتشافات الطاقة فاقمت التوترات بدلاً من أن تخفف حدتها. ولم تؤدِّ اكتشافات الغاز بجوار الساحل القبرصي إلى تقريب قبرص اليونانية وتركيا من بعضهم البعض. على العكس من ذلك، فقد أدت هذه الاكتشافات الى مزيد من الاحتكاكات على الجزيرة القبرصية المقسمة. كما لم تساعد في تنويع مصادر إمدادات الطاقة الى أوروبا، ولا سيما بعد أن توترت علاقاتها مع روسيا إلى حد الانقطاع بسبب الحرب في أوكرانيا.

أما التطورات التي تشهدها المنطقة منذ الإعلان عن وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان في السابع والعشرين من تشرين الثاني 2024، وصولاً الى سقوط نظام آل الأسد في سوريا في الثامن من كانون أول المنصرم والدور التركي في سقوطه، فهي نُنبئ بواقع جديد قد يُعيد الاهتمام الى ثروات الحوض الشرقي للبحر الأبيض ويفتح الطريق الى استغلالها. فلم يكن مجرد تفصيل في حرب إسرائيل على غزة ولبنان، استثناء حقول الغاز قُبالة الساحل الإسرائيلي من صواريخ المقاومة.

فهل تصبح سوريا بحكم موقعها وخط الغاز العربي الذي يصل الى حدودها الشمالية، مركزاً لخطوط نقل الغاز بين شرق المتوسط وأوروبا، خاصةً وأن الرهان على قيام نظام جديد أكثر انفتاحاً على التعاون الإقليمي. وهل من جائزة ترضية لتركيا على دورها في اسقاط نظام آل الأسد، من باب إنشاء خط لأنابيب النفط من سوريا إلى تركيا وربطه بخط الأنابيب الممتد بين العراق وتركيا، والتعاون في مجالي النفط والغاز الطبيعي في المستقبل، بالإضافة الى امكانية تزويد سوريا ولبنان بالكهرباء.

أما بالنسبة للبنان فثمة تساؤل حول إمكانية أن يفتح اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، الباب أمام لبنان لتفعيل اعمال التنقيب عن الغاز وصولاً الى استغلال موارده المتاحة، بعد التعثر الذي واجهته المحاولات السابقة. سيما وأن الوسيط الأميركي الذي كان عرّاب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية هو ذاته مهندس وقف اطلاق النار.

غير أن تمادي العدوان الإسرائيلي في لبنان كما في سوريا يُثير المخاوف من انهيار وقف اطلاق النار، ويُنذر بما لا يُحمد عقباه لا على مستوى اتاحة الفرصة امام لبنان لاستغلال موارده من النفط والغاز، بل تتعداه الى مستقبل المنطقة لا مستقبل لبنان وحسب.

بقلم العميد الدكتور غازي محمود

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا