هل قرار "حزب الله" الذهاب إلى الدولة أم لا؟
اكتسبت المواقف الإيرانية المستمرة عن دعم "المقاومة"، بما في ذلك إعلان السفير الإيراني في بيروت مجتبى أماني من الضاحية الجنوبية قبل أيام، وهو السفير الذي أصيب بانفجار البيجر مع عناصر كثر من "حزب الله" أنه "لو كانت إيران تريد الانسحاب من دعم المقاومة لما استمرّت في ذلك 45 عاماً" طابعاً يتصل بما تفسره مصادر سياسية عدة بعدم وجود قرار لدى إيران أو لدى الحزب بالذهاب إلى الدولة اللبنانية أو الانخراط فيها.
وشكّلت المواقف المعلنة من الأمين العام للحزب نعيم قاسم في استمرار تأكيده المعادلات السابقة نفسها على رغم التغييرات الجذرية التي لحقت بالحزب كما بالمنطقة وما حملته الأحداث في سوريا من انعكاسات سلبية عليه، بالإضافة إلى "الانتفاضة " السياسية والتهديدية لما صاحب إخضاع الطائرات الإيرانية للتفتيش في مطار بيروت إثباتاً لمنطق عدم وجود قرار بالذهاب إلى الدولة. وتالياً، فإن كلام نعيم قاسم لجهة دعوته الدولة "لإثبات نفسها" كان محصوراً وفق هذه التفسيرات في خانة تحميل الدولة مسؤولية التصدي لإسرائيل في جنوب الليطاني وليس لفرض سلطتها على كل الأراضي اللبنانية وعلى كل المستويات، في الوقت الذي تتذرع إسرائيل وتتحدث عن احتمال بقاء قواتها في لبنان أبعد من مهلة الستين يوماً التي تنتهي في 27 الشهر الجاري بعدم تسلم الجيش اللبناني مراكز الحزب في جنوب الليطاني ومماطلته في تفكيك مراكز الحزب ومصادرة سلاحه.
وهو أمر يخشى منه في ضوء تهديدات الحزب المتجددة أخيراً على لسان الشيخ قاسم بأن الحزب قد لا يصبر حتى انتهاء هذه المهلة مع ما يمكن أن يستدرج ذلك من حرب إسرائيلية متجددة على الحزب تبدأ من تهديد جلسة انتخاب رئيس للجمهورية يوم الخميس المقبل، ولو أنها غير حاسمة في انتخاب الرئيس العتيد، أو في حرب تحصل بعد انتخابه وتؤدي إلى إضعافه قبل أن يبدأ عهده. ومع أن تهديدات الحزب لا يراها مراقبون كثر قابلة للترجمة لاعتبارات متعددة لا مجال لذكرها في هذا السياق، إلا أنها قد تشكل ذرائع كافية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لاستكمال ما كان بدأه في لبنان أو لاستمرار وجود القوات الإسرائيلية في الجنوب. فيما يفسر البعض عدم قرار الحزب بالذهاب إلى الدولة حتى الآن، لأن لا دولة حتى الآن فعلياً، ولا أحد سيكون قادراً على دفع الحزب في هذا الاتجاه إذا لم يُنتخب رئيس وتؤلَّف حكومة فاعلة فيما اعتاد التفلت من الدولة وسلطتها ما يزيد على عقود حتى الآن، لا سيما أن الحزب الرافض الإقرار حتى الآن بالمتغيرات الجذرية التي طاولت واقعه، سيعي ذلك بعد وقت قصير.
هذه المخاوف لا تُثار من باب التحفيز على وجوب انتخاب رئيس جديد للجمهورية على رغم أهميتها، لا سيما في ظل حوافز لا تقل أهمية تصب في الإطار نفسه من استمرار وجود مخاطر من التحولات السورية الهائلة إلى الوضع اللبناني المنهار والمحتاج بقوة إلى إعادة ترميم، من دون القدرة على ذلك إذا لم تتأمن إعادة بناء المؤسسات السياسية بدءاً من انتخاب رئيس. وزيارة الوفد السعودي إلى لبنان برئاسة الأمير يزيد بن محمد بن فهد الفرحان فتحت باب الأمل باحتمال انتخاب رئيس للجمهورية في الموعد المحدد في 9 الجاري ولكن سرعان ما تراجع بقوة على خلفية تداول معلومات بأنه حمل في جعبته احتمالين لرئاسة الجمهورية أحدهما هو قائد الجيش العماد جوزف عون. تعددت الروايات في هذا الإطار بين نفي أن يكون الوفد السعودي تحدث بالأسماء وبين تأكيده دعم انتخاب جوزف عون والذي اكتسب أهمية لا سيما بعد استقبال الأخير في الرياض.
إحدى الروايات تتحدث عن رفض حاسم للثنائي الشيعي لانتخاب قائد الجيش بالذريعة نفسها التي يسوّقها رئيس مجلس النواب نبيه بري حول حاجة عون إلى تعديل دستوري. إلا أن الرواية الأكثر تداولاً أن تغييراً طرأ على المسار الانتخابي ربطاً بتغيير لحق بموقف حزب "القوات اللبنانية" من انتخاب قائد الجيش، وفق ما سرى من معطيات عن رسالة حملها النائب بيار بو عاصي إلى المملكة السعودية قبل أيام. ومع أن "القوات" نفت ذلك حول زيارة بو عاصي، إلا أنها لم تبدد ما تقوله مرجعيات رسمية. فهذه الأخيرة تتحدث بقوة عن تحول في موقف "القوات" ساهم عن قصد أو غير قصد في تقوية موقف بري في هذا الإطار، لا سيما أن الأخير يوحي بدوره من أنه لا يمكن انتخاب رئيس من دون موافقة قواتية بحيث لا يمكن الإتيان برئيس غصباً عنها، ولكن لا رئيس لها بمعنى رفض انتخاب رئيسها سمير جعجع، وفق ما ينقل زوار بري.
كل المعطيات التي يتم تداولها تصب في خانة التشاؤم واستبعاد أن تؤدي جلسة الخميس المقبل إلى انتخاب الرئيس العتيد. وحده النائب غسان سكاف خرج عن هذا الانطباع واعداً بعد خروجه من بكركي يوم السبت الماضي بعد لقائه البطريرك بشارة الراعي بانتخاب الرئيس العتيد، ما كفل له على الأرجح اتصالات انهالت عليه من كل صوب استيضاحاً لأي معطيات يملكها في هذا الاتجاه. إذ اإنه ليس خافياً أن أداء بري محير جداً حتى بالنسبة إلى زواره ومتصلين به إزاء وعود يلبي بها شكلاً تعهداته للخارج بانعقاد جلسة الخميس ومواصلتها حتى انتخاب الرئيس العتيد بجلسات متتالية، إنما من دون الثقة بدفعه في اتجاه انتخاب رئيس فعلاً. فيما أن التعويل على احتمال حصول عملية الانتخاب مبنية في الواقع على قوة الدفع الخارجي السعودي بداية لا سيما أن المملكة السعودية ابتعدت طويلا عن لبنان ولم تنخرط في أي وساطة منذ أعوام طويلة في الوقت الذي لا يعتقد انها قد تفعل لو أنها تشك بأنها قد لا تنجح. ثم ما قد يدعم هذا التوجه من مساع أميركية على ضوء وصول الموفد الأميركي آموس هوكشتين مساء الاثنين إلى بيروت وما قد يحمله من رسائل في اتجاه اتفاق وقف النار كما في اتجاه الرئاسة اللبنانية.
ينقل عن بري قوله للوفد السعودي إنه عليكم أن تغيروا الاسم لكي نمشي بانتخاب رئيس جديد، في إشارة إلى اسم قائد الجيش ورفضه من الثنائي الشيعي، فيما أن إعلان مسؤول الارتباط في الحزب وفيق صفا بأن لا فيتو من الحزب على جوزف عون لا يغير من الواقع المتداول خلف الأبواب المغلقة. وهو ما يفيد بأن الأيام الأخيرة أدت عملانياً إلى تلاقي مصالح قوى عدة لجهة استبعاد دعم انتخاب العماد جوزف عون، ما يفتح المجال أمام بروز أسماء أخرى قد تتطلب وقتاً إضافياً للاتفاق عليها في الوقت الذي تردد أن الوفد السعودي حمل كذلك اسم الوزير السابق ومدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي الدكتور جهاد أزعور كاسم آخر محتمل معروف من الخارج ويحظى بثقته كذلك، ويملك من العلاقات الدولية ما يسمح له بأن يقود عملية إعادة لبنان إلى موقعه الخارجي، لا سيما بعد تبلغه من موفد جعجع عدم دعم الأخير انتخاب قائد الجيش. ومع أن لا أسماء مرشحين بارزة أخرى تحظى حتى الآن بإمكانها أن تحصل على نسبة الأصوات الكافية لانتخاب أحد أصحابها، فإن الخشية الكبيرة من حسابات ومصالح وربما بازارات تفتح على خلفية تطيير حظوظ أزعور أيضاً. والأيام القليلة المقبلة مفتوحة حتى الآن على سيناريوات متعددة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|