الصحافة

سمير عسّاف: مرشّح لا يعرفه ناخبوه

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مرّت على الرئاسة اللبنانية، قبل الاستقلال كما بعده، صنوف من البشر: المحامي والضابط والوزير والنائب والسفير والإداري والتاجر، الأمير والزعيم والخارج من بيت فقير متواضع، الهادىء والعصبيّ، المفرط في ثقافته وقليلها، ابن الدولة وابن الميليشيا، الثلاثينيّ والثمانينيّ، المتهوّر والمتروّي، والمتحمّس والمتردّد. على مرّ هؤلاء أتى مَن عزم على محاسبة سلفه ولم يفعل لئلّا يُصاب بدوره فيما بعد ما إن يصبح السلف. الذي يتقن كتابة خطبه والذي يُكتب له، رئيس بالتحدّي ورئيس بالتوافق ورئيس بالتنافس، انتُخبوا في مجلس النوّاب بكلمة سرّ أو بالترشّح علناً أو بالفرض أو بوحي ما. ذلك كلّه جعل كلّ انتخابات رئاسية في زمانها استثنائية.. فما هي “استثنائية” سمير عسّاف؟ 

سمير عساف، في منطق مبسّط، أقوى المرشّحين المتداولة أسماؤهم لرئاسة الجمهورية. فيه مكمن قوّة ليس في سواه، وهو أنّ أحداً لم يضع فيتو عليه لأنّ أحداً في لبنان لا يعرف إلّا عن وظيفته في أحد أكبر مصارف بريطانيا HSBC وأنّه خبير كفيّ في الشؤون المصرفية، وفقط. يجبه قائد جوزف عون فيتو مزدوجاً شيعياً ـ مسيحياً، وجهاد أزعور فيتو شيعياً، والياس البيسري فيتو أميركياً. هذا إذا صحّ ما نُسب إلى الموفد الأميركي الخاصّ آموس هوكستين في زيارته الأخيرة لبيروت من أنّه يحبّذ أن لا يؤتى على اسمه بين المرشّحين. وجورج خوري نصف فيتو مسيحي. وحده سمير عساف الاستثناء بين هؤلاء المتقدّمين لم تضع الأقدار بعد موانع في طريقه، لأنّ ناخبيه إمّا لم يعرفوه أو بالكاد بينهم مَن تعرّف إليه أخيراً.

فرنسا… وسابقة 1926

يقيم في لندن. أتى اسمه من باريس التي لم تنجح يوماً، أو لم تُرِد، إلّا في تسمية رئيس واحد للبنان في أيّام انتدابها، عندما أتت بأوّل رؤساء لبنان في الجمهورية الجديدة عام 1926، الأرثوذكسي شارل دبّاس، وأغضبت بطريرك الموارنة الياس الحويّك. كانت السبّاقة إلى مخالفة دستور شاركت في صنعه ومنبثق من دستورها النافذ في الجمهورية الثالثة عام 1870، بتجاهل المادّة 49 فيه وعدم تعديلها والتفرّج على المخالفة لانتخاب رئيس أتى من الوظيفة العامّة ويشغل منصب مدير العدلية، هو شارل دبّاس.

أخيراً بعدما بدا أنّ الاستحقاق الرئاسي يقترب من الهزيع الرابع، المقصود به في إنجيل متّى الربع الأخير من دورة النهار، وآخر المطاف المفترض لانتخاب الرئيس، ظهر سمير عساف في بيروت. عشيّة الميلاد وغداته، جال على المسؤولين والقيادات الموصوفين بالناخبين الكبار واجتمع بهم: نبيه بري والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي وسامي الجميّل وسليمان فرنجية وسمير جعجع وتكتّل الاعتدال الوطني. طلب الاجتماع بوليد جنبلاط المُحجم عن استقبال المرشّحين، فأحاله إلى نجله رئيس الكتلة النيابية تيمور جنبلاط.

ما توخّته جولته على المراجع والقيادات والكتل نقضت ما كان قاله لأشهر خلت. ما إن صير إلى تداول اسمه مرشّحاً اقترح عليه أصدقاء لبنانيون إحاطة نفسه بلوبي يقود حملته وتواصله مع أولئك. وكان جوابه: “إذا أرادوني فليحكوا معي”.

حينما سئل عن سرعة حصوله على مواعيد في أيّام قليلة في أسبوع الأعياد مع تغطية إعلامية لافتة، أجاب سمير عساف أنّه استعان بتدخّل فرنسي ـ سعودي وتوسّطه لديهم.

تلك إشارة إيجابية وضعها بنفسه في خانته حيال تقاطع الدولتين عليه.

صديق باسيل وماكرون… وينتظر ملايين التّقاعد

وحده جبران باسيل تجمعه به علاقة قديمة، وكان اقترح تعيينه حاكماً لمصرف لبنان في عزّ المواجهة بين حكومة حسان دياب ورياض سلامة. قبل تعثّر المسعى داخلياً أوّلاً وإحجام سمير عساف عن العرض المغري، عزا رفضه إلى توقّعه تعويضات كبيرة بملايين الدولارات يتقاضاها بعد سنتين عند إحالته إلى التقاعد من المصرف البريطاني ولا يريد تفويتها لقاء وظيفة الحاكم.

أوّل ما يُنعت به سمير عساف أنّه أكثر مَن خرَّب على قائد الجيش ولا يزال وصوله إلى رئاسة الجمهورية، من خلال حصر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعمه بمستشاره. وذلك بعدما شاع انضمام باريس إلى الولايات المتحدة والسعودية في تأييد جوزف عون.

قادت المصادفة إلى اجتماع إيمانويل ماكرون وسمير عساف في المرّة الأولى. كان الرئيس الفرنسي لا يزال مستشاراً لسلفه فرانسوا هولاند عندما جمعه صديق مشترك بسمير عساف بحجّة تعاونهما في قضايا اقتصادية وماليّة، أخْذاً في الاعتبار خبرة سمير عساف فيها ولاستمزاج رأيه. توطّدت علاقة الرجلين. كلّما حضر من بريطانيا مقرّ عمله في مصرفHSBC  قصد إيمانويل ماكرون الذي أضحى لاحقاً رئيساً لفرنسا عام 2017. تواصلا بتقطّع لانهماك الرئيس الفرنسي بشؤون دولته قبل أن يجعل من سمير عساف مستشاراً غير ذي صفة رسمية. على إثر الانفجار في مرفأ بيروت خابره يدعوه إلى مرافقته في زيارة تضامن مع لبنان في آب 2020، هي الأولى له لهذا البلد. ثمّ كانت الزيارة الثانية الشهر التالي في مئوية لبنان الكبير.

مع اقتراب نهاية ولاية ميشال عون تمهيداً لانقسام داخلي على الرئيس الخلف، شجّع إيمانويل ماكرون مستشاره على الترشّح ما دام يملك خبرة وكفاية وله آراء في الإصلاح والاقتصاد والمال. كان ذا الفضل الأوّل في إدخال فكرة الرئاسة في رأسه. مذّاك راح سمير عساف يتردّد على لبنان، فيما أكثرَ الرئيس الفرنسي، كلّما التقى نظيراً له أو مسؤولاً أوروبياً أو أميركياً أو عربياً معنيّاً بلبنان، من تحدّثه عن مواصفات مرشّحه كأحد الخيارات الملائمة لرئيس لبنان في معرض الكلام عن مستقبل هذا البلد.

حتى ذلك الوقت استفاد سمير عساف من موقعه المصرفي المتقدّم كي ينسج شبكة علاقات مؤثّرة مع أمراء خليجيين بينهم سعوديون قريبون من العائلة الحاكمة لديهم أرصدة في مصرف HSBC، معوّلاً في الوقت نفسه على أربعة من الموظّفين الكبار في المصرف كانوا في عِداد منظّمي الحملة الرئاسية لدونالد ترامب، راحوا أخيراً يردّدون اسمه في محيط الرئيس المنتخب.

ترامب يدخل على الخطّ؟

في احتفال إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام في باريس في كانون الأوّل الفائت، في اللقاء الخاصّ الذي جمع الرئيسين المضيف والضيف بحضور مسعد بولس، لم يتردّد إيمانويل ماكرون أمام دونالد ترامب في الإتيان على ذكر مرشّحه للرئاسة اللبنانية.

كانت تلك المرّة الثانية التي يُذكر فيها الاسم في حوار فرنسي ـ أميركي عالي المستوى. المرّة الأولى على هامش ذاك الاحتفال، أسرّ به إيمانويل ماكرون لمسعد بولس في لقائهما، عارفاً باهتمام المستشار الأميركي ذي الجذور اللبنانية بالاستحقاق المستعصي في مسقطه.

في خلال زياراته الأخيرة لبيروت، في حمأة تصاعد التنافس على انتخابات الرئاسة وتوالي أسماء المرشّحين، قال لصديق سياسي كما لو أنّه مرعوب من الاسم الأكثر تقدّماً بين المرشّحين: “إذا الجنرال (جوزف عون)، أنا على جنب”.

أراحه أن يصل إلى مسمعه أنّ رئيس البرلمان يتحدّث “بدفء” عن أنّه الخيار التالي لما بعد الحيلولة دون انتخاب قائد الجيش.

في الأيّام الأخيرة، على مقربة من جلسة 9 كانون الثاني، شاع انطباع أنّ في جدول أعمال “اللجنة الخماسية” الدولية، ما خلا قطر، انعكاساً لوجهة نظر المجتمعيْن الغربي والعربي، ثلاثة مرشّحين وفق ترتيب عمودي: جوزف عون، سمير عساف، وجهاد أزعور. أمّا قطر فمنذ أشهر بعيدة سمّت الياس البيسري وتمضي في دعمه.

ـ مصادفة جمعته بإيمانويل ماكرون فأضحى مستشاره ثمّ مرشّحه للرئاسة.

ـ لأنّ الرئيس الفرنسي يؤيّده ويشجّعه يُنعت بأنّه أكثر مَن خرَّب على قائد الجيش.

ـ سمير عسّاف لسياسيّ لبناني: “إذا الجنرال (جوزف عون)، أنا على جنب”.

نقولا ناصيف-اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا