الصحافة

الشّيعة أمام الامتحان: السّلاح ليس ضمانة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هشام عليوان - اساس ميديا
شيعة لبنان، في وضع هو الأدقّ، منذ تأسيس لبنان. والثنائي الشيعي أمام الامتحان الأصعب، بعدما أصبحت السرديّة السياسية والأيديولوجية، ومعها الاستراتيجية العسكرية والأمنيّة، في موضع تساؤل، إن لم يكن المطلوب مراجعة نقديّة شاملة.

شيء ما قد تغيّر في الدواخل، وإن لم يتمظهر بعد، في مداه الأعمق والأوسع. “مقاومة إسرائيل” كانت السردية الرسمية والشعبية، وهي أيديولوجية في عمقها، واستراتيجية في ظاهرها. ولتسويقها لدى عموم اللبنانيين، كان التركيز على الجدوى العمليّة للمقاومة.

في الحرب، اهتزّ هذا الجانب بقوّة. لكنّ الوقع الأشدّ كان خسارة سوريا، بالطريقة التي وقعت، وبالنتائج التي تحصّلت. وانعكس الميدان في السياسة، فكان الدفع العربي والدولي من أجل إعادة تكوين الدولة في لبنان من بوّابة القصر الجمهوري. و”أمر اليوم”: احتكار الدولة للسلاح. ومخرج المقاومة: استراتيجية دفاعية قيد البحث.

لبنان صغيرٌ في مساحته، كبيرٌ بشعبه وتنوّعه. والمدهش أنّه مزدحمٌ بزعامات ذات جاذبية شعبية عارمة، وخاصة خلال الخمسين سنة الماضية. وهذا الواقع غير متناسب طبعاً مع حجم السكّان، ولا الهامش الجغرافي الضيّق الواقع فيه، ولا مجمل الإنتاج القومي. وربّما كان التنافس بين الطوائف ككتل سكّانية ذات ثقافات مختلفة، أكبر حافز على تصدير زعامات قويّة في كلّ طائفة، وإلّا اعتبرت نفسها مغبونة أو مهضومة الحقوق بإزاء الطوائف الأخرى.

النظام اللبناني يحمي حقوق الأفراد عبر الاعتراف بحقوق الطوائف. ولا بدّ من زعيم يمثّل السردية التاريخية والراهنة لكلّ طائفة، ويمتلك القوّة والجرأة للدفاع عن مصالح طائفته وتبرير تطلّعاتها، ولا سيما حماية حصّتها في الدولة ومؤسّساتها. كما لا مفرّ من أن يكون ذا “كاريزما” شخصية، يُعجِب أبناء طائفته أوّلاً، ويُباهون به الطوائف الأخرى.

هذه المقدّمة ضرورية لقراءة المشهد الشيعي بعد الحرب المدمّرة التي لم يسبق لها مثيل، والتي أدّت إلى خسارة كبيرة، بفقدان شخصية تمتلك كلّ المواصفات المنوّه عنها آنفاً، الأمين العامّ السابق لـ”الحزب”، السيّد حسن نصرالله. ولهذه الشخصية مكانة كبيرة جداً في قلوب مناصريه. وحضوره كما غيابه له تأثير هائل في الوجدان الشيعي. والمعضلة الآن أنّ بيئة المقاومة غير قادرة على الخروج قريباً من هول ما حدث. لا نصر من دون نصرالله، ولا حتى هزيمة لو نجا من الغارة الإسرائيلية.

لا أحد يعوّض غياب نصرالله

كانت لدى الشيعة، بخلاف الطوائف الأخرى، ثنائية فريدة، مكوّنة من زعيمين استثنائيَّين، تنافسا، ثمّ اتّفقا، فشكّلا ثنائيّاً ملتحماً ومنسجماً في الغالبية العظمى من القضايا، هما السيّد حسن نصرالله، ودولة الرئيس، رئيس حركة “أمل”، نبيه برّي، ومن دون أن يكون حضور أحدهما كافياً لوحده لتمثيل الطائفة في الدولة والمجتمع.

لكنّ ما أصاب الشيعة في هذه الحرب هو زلزال بأتمّ المعنى وأكمله، فلا أحد يعوّض غياب نصرالله، لا داخل “الحزب” ولا خارجه، ليس افتقاراً إلى قامات سياسية ودينية وازنة، بل لأنّ سيرة الرجل، وتاريخه، وتراكم قوّته المعنوية، هي ما جعلته ما كان عليه. ومن الصعب العثور على خليفة بالمواصفات نفسها، فالرجل هو الأسلوب، كما يقال.

فقدان نصرالله لا يؤثّر فقط في معادلة الثنائي، بل ينعكس على الشيعة، كطائفة ككلّ: على “الحزب” أوّلاً، وينعكس على حركة “أمل” أيضاً التي هي خلاصة جهود السيّد موسى الصدر في الستّينيات والسبعينيات من القرن الماضي. الخلل الذي يصيب أحد ركنَيْ الثنائي، ولو كان مرحليّاً، يُلقي بعبء كبير على الركن الثاني، فيما كانت إسرائيل في حربها الأخيرة تستهدف إضعاف الثنائي الشيعي، لا “الحزب” فقط.

ما الرؤيا البديلة؟

ما هي الرؤية التي سيطلع بها قادة الشيعة في مرحلة ما بعد نصرالله، إثر التغيّرات الهائلة التي ضربت المنطقة، انطلاقاً من غزة فلبنان وسوريا، وهي انتكاسة كبيرة لمشروع إيران في المنطقة؟ وهل بمقدور “الحزب” بقيادته الجديدة المضيّ بالأمور كأنّ شيئاً لم يكن، وقد تبيّن عدم ملاءمة الاستراتيجيات المعتمَدة في المجالات السياسية والعسكرية والأمنيّة والاقتصادية؟

عندما يسود منطق الدولة، تنتفي الحاجة إلى زعماء طوائف، كي يبرّروا وجودها وقوّتها أمام الآخرين. التنافس والتصارع يؤسّسان ويمهّدان لزعامات تاريخية. وفي الحرب الأهلية تكرّس هذا الاتّجاه. يكونون فرصة وحاجة خلال الأزمات. لكن مع استقرار الأحوال، يصير الاحتكام إلى القواعد التي تنظّم المجتمع هو الوسيلة الفضلى.
لم يعد مستساغاً تكرار الكلام عن قرار الحرب والسلام في لبنان، ومن يملكه. التجربة المريرة لمحور المقاومة ووحدة الساحات أقفلت الرهانات، ولم تنهِ مقتضيات مقاومة المشروع الإسرائيلي. بات ضرورياً قراءة الأساليب والوسائل والتحالفات، وعدم تكرار ما سبقت تجربته وانكشف عدم تلاؤمه مع التطوّرات التكنولوجيّة الهائلة. لبنان بجغرافيّته الديمغرافية، وتنوّعاته الطائفية، وجبهته الضيّقة مع فلسطين المحتلّة، غير قادر وحده على تحمّل أعباء الصراع مع إسرائيل.
السلاح ليس ضمانة الشيعة في لبنان. هم طائفة كبيرة. ولا خطر يهدّدها في الداخل إطلاقاً. لان هناك من يعتقد أن موقعها في النظام غير متناسب مع حجمها ونفوذها، فلا تستطيع تعويضه بقوّة السلاح، أو بإجراءات تعطيلية للنظام نفسه، كما كان يجري منذ أكثر من ثلاثين سنة.
حان الوقت لوضع كلّ النقاط على الحروف، ووضع استراتيجية وطنية ترسم دور لبنان في المنطقة، وتشخيص المخاطر وكيفية توقّيها ومواجهتها.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا