عربي ودولي

المخطّط الإسرائيلي في الضفة الغربية ما بعد "هدنة غزة"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يخفى على أحد حجم ما تُضمره الإدارة الأميركية من انحياز لحكومة الاحتلال الإسرائيلي، وأغلب التحليلات التي تناولت الضغوط التي مارسها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ـــــ قبل استلامه الرسمي للحكم ـــــ على رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو للقبول بهدنة لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، لم تنتبّه إلى أنّ المبعوث الأميركي كما مارس إكراهاً لتحقيق مآربه فإنه أيضاً أقرّ بالتزاماتٍ وتوعّد بأشياء جميعها في صالح الاحتلال وأجندته.

الحقيقة أنّ نتنياهو أدرك بعد خمسة عشر شهراً من الحرب في قطاع غزة أنّ المزيد من الرضوخ إلى "نصائح" إيتمار بن غفير ممثّلاً لحزب "العظمة اليهودي" وكذلك بتسلإيل سموتريش ممثّلاً للصهيونية الدينية، لن يؤدّي إلى تحقيق أيّ إنجاز سياسي أو عسكريّ، غاية الأمر هو مزيد من المذابح التي ترتكب بحقّ الفلسطينيين ما يؤدّي إلى مزيد من تلطيخ صورة "إسرائيل" في العالم، بالإضافة إلى مضاعفة الخسائر الاقتصادية، أما الهدفان المتمثّلان بالقضاء على الفصائل المسلحة الغزيّة وتحرير الأسرى، فلا يمكن تحقيقهما حتى لو استمرّت الحرب عاماً إضافياً.

لذا كان زعيم حزب الليكود عقلانياً إلى الحد الذي دفعه إلى التعاطي الإيجابي مع المبعوث الأميركي، ضارباً عرض الحائط باعتراض وزير الأمن القومي بن غفير الذي ساقه إلى الاستقالة لاحقاً ومعه وزراء حزبه، من دون أن يعني ذلك سقوط الحكومة التي ما زالت تتمتّع بدعم أغلبية أعضاء الكنيست (62 مقعداً)، والسبب ببساطة يرجع إلى عدم استقالة سموتريتش من الحكومة، في تصرّفٍ يعدّه اليمين الإسرائيلي اليوم "طعنة في الظهر".

ما رشح من معلوماتٍ عن تفاصيل ما دار في الغرف المغلقة التي جمعت مبعوث إدارة ترامب ستيف ويتكوف مع نتنياهو، تؤكّد أنّ اليميني الثري "أبا إيفانكا" كان يريد أن يثبت قوته للجميع عبر إرغامه "الأطراف كافة" على وقف الحرب في الملفّ الأكثر سخونة بالعالم حتى قبل أن يتسلّم السلطة رسمياً، وقد نجح ترامب فيما أراده، وتهكّم صراحةً على جو بايدن عندما حاول أن ينسب الفضل لإدارته في المؤتمر الصحافي الذي انعقد بتاريخ 15/1/2025، كآخر مؤتمر رسمي لرئيس الولايات المتحدة السادس والأربعين.

لكن ما من شكّ أنّ هناك جانباً آخر دار في تلك المباحثات تضمّن تطمينات أميركية للقيادة الإسرائيلية بخصوص مشاريعها التوسّعية في مناطق أخرى في فلسطين كالضفة الغربية، كما تضمّن ترتيبات مستقبليّة تتعلّق بتوسيع حيّز التطبيع العربي/الإسرائيلي، ليشمل دولاً خليجية كبرى، كانت توشك أن توقّع مع "تل أبيب" لولا عملية "طوفان الأقصى" التي قلبت الموازين تماماً على مدار الشهور الماضية، وكان لها الفضل في عودة القضية إلى الصدارة بالشارع العربي بعد سنوات من الغياب.

الضفة الغربية.. وما ينتظرها

خلال الأيام القليلة المقبلة تترقّب حكومة الاحتلال قيام واشنطن برفع الحظر الذي فرضته إدارة بايدن على توريد قنابل زنة ألفي رطل إلى "إسرائيل"، وسيكون هذا القرار مُكمّلاً لقرار ترامب برفع العقوبات التي فرضها سلفه على مستوطنين إسرائيليين مُتهمين بشنّ هجمات عنيفة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، هذا بدوره يخدم مخطّطات نتنياهو الساعية إلى تطييب خاطر حلفائه من اليمين المتطرّف، الذين اعتبروا الهدنة في غزة بمثابة "وثيقة استسلام"!

وكان مكتب نتنياهو قد صادق مطلع الشهر الجاري على سلسلة من العمليات العسكرية الإضافية في الضفة الغربية، مستهدفاً القبض على عناصر تابعة للمقاومة الفلسطينية ودفعهم إلى السجون الإسرائيلية، في الوقت الذي توفّر حكومته كامل الدعم والحماية للمجموعات الصهيونية المتطرفة التي تواصل الاعتداء على ممتلكات الفلسطينيين من مركبات ومنشآت تجارية ومنازل سكنية في مناطق مختلفة داخل الضفة وعلى أطرافها.

ويشهد الاستيطان الإسرائيلي ارتفاعاً كبيراً منذ وصول الحكومة اليمينية برئاسة نتنياهو إلى الحكم في كانون الأول/ديسمبر 2022، وقد صادق مجلس التخطيط والبناء الأعلى خلال عام 2023 على مخطّطات بناء أكثر من 12 ألف وحدة سكنية في المستوطنات، وعلى مخطّطات بناء قرابة الـ 10 آلاف وحدة سكنية بعام 2024، في حين قالت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية إنّ المستوطنين، منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023، أقاموا 29 بؤرة استيطانية تركّزت في مدينة الخليل بواقع ثماني بؤر، إضافة إلى القيام بشقّ سبعة طرق لتسهيل تحرّكهم، وربط بؤر بمستوطنات قائمة.

السعي نحو تغيير البنية الديموغرافية داخل الضفة الغربية بالإضافة إلى التوسّع في الاستيطان يبدو أنها من بين أمورٍ عديدة سيمنحها نتنياهو لليمين المتطرّف كنوعٍ من المواساة بعد إحباط مشروع الإبادة الجماعيّة الذي حاولوا تنفيذه في قطاع غزة، وهذا يتناغم مع تأكيد سموتريتش المتكرّر أنّ عام "2025 سيكون عام السيادة في يهودا والسامرة" (الضفة الغربية)، وقد بدأه مبكراً عبر مصادرة نحو 24 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية لصالح التوسّع الاستيطاني الشهر الماضي.

وتُتابع "تل أبيب" تنفيذ مشاريعها الرامية إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية، على أن تشمل تلك المشاريع خططاً لضمّ أجزاء من الأراضي، وتوسيع المستوطنات، وبناء جدار على الحدود مع الأردن، وهو مشروع قديم يتجدّد بين الحين والآخر، ويهدف إلى "تعزيز الأمن ومنع التسلّل"، لكنه يُثير مخاوف بشأن تأثيره على الفلسطينيين المقيمين في تلك المناطق.

وكانت الضفة الغربية قد شهدت تصاعداً ملحوظاً في العمليات العسكرية الإسرائيلية خلال العام الفائت، خاصة في مدن جنين وطولكرم ونابلس. ففي صيف 2024، أطلق "جيش" الاحتلال عملية عسكرية واسعة النطاق في شمال الضفة، مستهدفاً مخيمات جنين وطولكرم وطوباس، واعتبرت العملية هي الأكبر منذ عام 2002، إذ شارك فيها أكثر من ألف جندي، وأسفرت عن مقتل 39 فلسطينياً وإصابة 112 آخرين، ومع نهاية العام، اقتحمت القوات الإسرائيلية مخيم بلاطة في نابلس، كما شهد مخيم الجلزون شمالي رام الله وكذلك بلدات في طولكرم وبيت لحم عمليات مماثلة.

هدوء الأوضاع في الضفة أحد ضمانات صمود هدنة غزة

تشهد الهدنة المبرمة بين الاحتلال وحركات المقاومة داخل قطاع غزة صموداً منذ أن دخلت حيّز التنفيذ يوم الأحد 19/1/2025، وتتضمّن الهدنة خطوات إنسانية متبادلة في المرحلة الأولى، منها الإفراج عن 90 معتقلاً فلسطينياً، وإطلاق حركة حماس سراح ثلاث رهائن إسرائيليات، وانسحاب قوات الاحتلال من مناطق داخل القطاع. لكن رغم هذا الصمود، تثار تساؤلات حول مدى استمرارها، خاصة في ظلّ الضغوط التي يمارسها اليمين الإسرائيلي، وتهديد وزير المالية سموتريتش بالإطاحة بالائتلاف الحكومي إذا لم يتمّ استئناف الحرب بعد انتهاء أول مرحلة بعد ستة أسابيع.

وفقاً لتلك المعطيات، فإنه من المتوقّع أن يصمد الاتفاق في مرحلته الأولى، حيث يحقّق أهدافاً سياسية لنتنياهو، مثل تخفيف الضغط الداخلي الذي يمارسه أهالي الأسرى الإسرائيليين، بالإضافة إلى إرضاء الحلفاء الدوليّين بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، مع ذلك، قد تواجه المراحل اللاحقة تحديات، خاصةً مع عدم تحديد جداول زمنية واضحة لها.

وكان ترامب قد أعرب عن شكوكه بخصوص احتمال صمود اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة خلال مؤتمره الصحافي الأول كرئيس للبلاد، في الوقت الذي تعهّد نتنياهو أمام الإسرائيليين بعدم السماح لغزة بأن تشكّل تهديداً لهم بأيّ صورة، مما يشير إلى موقف حازم قد يؤثّر على استمرارية الهدنة، خاصة مع تشبّث قوات الاحتلال بالبقاء في محور فيلاديلفيا، وإقامة منطقة عازلة بالقرب من الحدود بعمق 700 متر داخل قطاع غزة، وتصل إلى أكثر من كيلومتر في بعض المناطق.

من جهة أخرى ثمّة علاقة وثيقة بين الأوضاع الملتهبة في الضفة الغربية وهدنة غزة، حيث إنّ الديناميكيات السياسية والأمنية بين المنطقتين ترتبط بشكل كبير بسبب الطبيعة الجغرافية والسياسية للصراع، ومن بين النقاط التي توضح طبيعة الترابط:

أولاً، النظرة الإسرائيلية:
تتعامل "إسرائيل" مع الضفة الغربية وغزة باعتبارهما ضمن ملفّ أمني واحد، فأيّ تصعيد لقوات الاحتلال في الضفة قد ينعكس على غزة، وكثيراً ما تستخدم القوات الإسرائيلية سياسة الضغط على إحدى المنطقتين لتقليل التصعيد في الأخرى، أو لتحييد المقاومة في أيٍ من المنطقتين.

ثانياً، استراتيجيات المقاومة:
الفصائل الفلسطينية تنسّق بين الضفة الغربية وغزة بشكل غير مباشر، حيث يمكن أن تستخدم غزة كوسيلة ضغط لردع العدو الإسرائيلي عن التصعيد في الضفة، خاصة إذا كانت هناك انتهاكات كبيرة في القدس أو عمليات عسكرية بالضفة.

ولا يخفى أنّ عملية السابع من أكتوبر، قد جاءت ردّاً على تدنيس المسجد الأقصى، وكذلك ردّاً على التوسّع في إنشاء المستوطنات بالضفة الغربية، ما يعني عمق الصلة في عموم الأراضي الفلسطينية.

ثالثاً، الرأي العام الفلسطيني:
من المؤكّد أنّ اندلاع أيّ أحداث ذات صدى في الضفة، مثل الاقتحامات أو الاعتقالات أو اعتداءات المستوطنين، ستثير الرأي العام في غزة، مما يضع ضغطاً على الفصائل المسلحة في القطاع للردّ.

تحدياتٌ وآمال

يأمل أهالي قطاع غزة أن تصمد الهدنة بالشكل الذي يسمح لهم بالتقاط الأنفاس بعد سقوط عشرات الآلاف بين شهيد وجريح، لكن في الآن ذاته لا يمكن أن تكون التهدئة داخل القطاع مقدّمة لتوسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل الضفة الغربية، وإذا شعرت الفصائل المسلحة في غزة أنّ حكومة الاحتلال تسعى إلى التصعيد ضدّ الفلسطينيين في الضفة، فإنها قد تُهدّد بخرق التهدئة.

وتؤدّي القاهرة والدوحة دوراً في نزع فتيل الأزمة داخل قطاع غزة، وسط مساعٍ من الدول العربية كافة لإمداد الأهالي بما يحتاجونه من مساعدات شتى، لكن تلك الجهود تتأثّر دائماً بما يحدث في الضفة الغربية، خاصة إذا أدّى ذلك إلى احتجاجات فلسطينية واسعة جذبت المشهد برمّته نحو التصعيد الشامل، هذا بدوره يضع اتفاق وقف إطلاق النار أمام تحدّيات واسعة، تفرض بدورها نوعاً من الضغوط على "تل أبيب" كي يتمّ إرغامها على وأدٍ مبكر لمخطّطاتها المُعلنة وغير المعُلنة بخصوص الضفة الغربية.

السيد شبل - الميادين

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا