الصحافة

مشروع ترامب للشّرق الأوسط: ألغاز ملغومة..

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عندما استولِدت إسرائيل عام 1948، كانت الولايات المتحدة أوّل من اعترف بها دولة. ولكنّ العلاقات الأميركية – الإسرائيلية لم تكن سمناً وعسلاً. كانت لإسرائيل اليد الطولى للحصول على ما تريد من مال وسلاح بقوّة اللوبي الصهيوني – الأميركي. ولا تزال حتّى اليوم. إلّا أنّ ذلك لا يعني أنّ العلاقات الإسرائيلية – الأميركية كانت في أحسن أحوالها. مرّت هذه العلاقات في ظروف سيّئة جداً، وخاصة في عهود بنيامين نتنياهو الذي يُعتبر أكثر الإسرائيليين السياسيين تداولاً على رئاسة الحكومة.

أوّل خلاف أميركي – إسرائيلي وقع في عام 1956، أي بعد ثماني سنوات من قيام إسرائيل. في ذلك الوقت شاركت إسرائيل مع فرنسا وبريطانيا في شنّ عدوان على مصر بعدما أمّم الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر قناة السويس. ووصلت القوات الإسرائيلية إلى ضفاف القناة.

يومها غضب الرئيس الأميركي الجنرال دوايت آيزنهاور لأنّ الحرب شُنّت من وراء ظهر الولايات المتحدة. فرض آيزنهاور على القوى الثلاث، بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، سحب قوّاتها العسكرية من مصر وإلّا… لم تتحمّل أيّ من الدول الثلاث تبعات التهديد الأميركي، فبادرت إلى الانسحاب. اعتبرت إسرائيل ذلك طعنة لطموحاتها التوسّعية في المنطقة. وكانت طعنة مؤلمة لأنّها جاءت على يد الصديق المؤسّس للدولة اليهودية.

انفجر خلاف ثانٍ بين إسرائيل والولايات المتحدة عام 1991. يومها كان في البيت الأبيض الرئيس جورج بوش الأب الذي هدّد بتجميد المساعدات والقروض المالية المخصّصة في الميزانية الأميركية لإسرائيل. وذهب إلى أبعد من ذلك عندما هدّد أيضاً بإعادة النظر في مبدأ تقديم المساعدات، وذلك على خلفيّة الخلاف على دور إسرائيل في الحرب التي شنّتها الولايات المتحدة على العراق.

الرّئيس الأقوى: اللّوبي الصّهيونيّ الأميركيّ

انفجر أيضاً خلاف ثالث بين إسرائيل والرئيس الأميركي باراك أوباما عام 2015. يومها اتّهم أوباما رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّه “يدمّر الثقة الأميركية بإسرائيل”. كان أوباما حريصاً على عقد الاتّفاق النووي مع إيران، وكان نتنياهو يعارض هذا الاتّفاق ويطالب بمنع ايران، ليس من التسلّح النووي فقط، بل حتى من دخول الصناعة النووية السلمية.

يُنقل عن الرئيس بيل كلنتون أنّه وصف نتنياهو، وكان رئيساً للحكومة الإسرائيلية، بـ”ابن الزانية”، لأنّه رفض اقتراحات كلينتون لمبادئ تسوية مقترحة لحلّ قضية الصراع العربي – الإسرائيلي. وقال كلينتون: “من هو ابن الزانية هذا حتّى يعطّل ما نقرّره نحن في واشنطن؟ من هو رئيس الدولة الكبرى في العالم، أنا أم هو؟”.

 

لقد كشفت الوقائع السياسية أنّ الرئيس الأقوى في العالم لم يكن كلينتون ولا نتنياهو، بل اللوبي الصهيوني الأميركي.

حتى خلال حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على غزة ردّاً على عمليّة “السابع من أكتوبر” التي قامت بها حركة حماس، لم تسلم العلاقات بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونتنياهو من الصدام الحادّ. صحيح أنّ الولايات المتحدة فتحت مخازنها من الأسلحة والذخيرة لتسليح القوات الإسرائيلية من دون حساب، وصحيح أنّها استنفرت قوّاتها البحرية (قطع من الأسطولين السادس والسابع) لدعم إسرائيل والدفاع عنها عند الحاجة، إلّا أنّ ذلك كلّه لم يؤثّر على القرار الإسرائيلي الذي كان نتنياهو يحرص على اتّخاذه منفرداً… ثمّ يفرضه على واشنطن. ولقد أدّى ذلك إلى توتّر العلاقات بين بايدن ونتنياهو، إلّا أنّ اللوبي الصهيوني الأميركي كان دائماً قادراً على احتواء هذا التوتّر.

ترامب – نتنياهو: حلف قديم

الآن يعود الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فكيف سيتعامل نتنياهو معه؟

سبق للرئيس الأميركي القديم الجديد أن قدّم لإسرائيل:

– اعترافاً أميركياً بالقدس عاصمة لإسرائيل.

– نقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب.

– اعترافاً أميركياً “بحقّ” إسرائيل باحتلال جزء من مرتفعات الجولان.

– إطلاق مشروع “الطريق الإبراهيمي” لنقل العلاقات بين إسرائيل والدول العربية من المقاطعة إلى الاعتراف والتكامل.

الآن يحمل ترامب مشروع حلّ شامل للصراع العربي – الإسرائيلي… يبدو أنّه انطلق من وقف الحرب على غزة. وبموجب هذا المشروع توسّع اتّفاقات السلام والاعتراف بين إسرائيل وبقيّة الدول العربية على أساس إقامة كيان فلسطيني فوق جزء من الأرض الفلسطينية المحتلّة.

وافق نتنياهو على المشروع، لكنّه يريد أن يقوم هذا الكيان فوق أرض دولة عربية لأنّ إسرائيل “صغيرة إلى حدّ الاختناق بمن فيها”.

لا يبدو أنّ الرئيس الأميركي يجد غضاضة في ذلك. فهو نفسه يتطلّع إلى التوسّع شمالاً بضمّ كندا إلى الولايات المتحدة وبشراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك وباسترجاع (؟) قناة باناما من الدولة الباناميّة. سبق له أيضاً أن ذرف الدموع تعاطفاً مع إسرائيل المختنقة في مساحة صغيرة من الأرض، بينما تترامى الصحاري العربية غير المسكونة شمالاً وجنوباً.

ضبابيّة تحيط بالتّسوية الشّاملة

لم تتبلور بعد طبيعة المشروع الجديد الذي تحمله إدارة الرئيس الأميركي الجديد للشرق الأوسط. كلّ ما هو معلن حتّى الآن هو أنّ هناك مشروعاً لتسوية عربية – إسرائيلية شاملة. المفهوم العربي لهذا المشروع يقول إنّه يقوم على المزاوجة بين الحقّ الفلسطيني والاعتراف بإسرائيل.

لكن ما هو حجم هذا الحقّ؟ وما هي حدوده؟ وأين ستتمّ ترجمته؟ وكيف؟ ومع من؟ تلك أسئلة تدّعي إدارة الرئيس ترامب أنّها وحدها تملك الإجابات عليها لأنّها وحدها القادرة على فرض هذه الإجابات.

إنّها في الحسابات الأخيرة اللغة السياسية الوحيدة التي يجيدها الرئيس ترامب. فهل يفهم الآخرون هذه اللغة؟

محمد السماك-اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا