وزارة المال لـ"الثنائيّ"... لا رابح ولا مهزوم في عهد جوزاف عون؟
الإيدز: من حائط مسدود إلى آمال كبيرة
في العام 2020، أعلن عن شفاء مريضة مصابة بنقص المناعة البشرية بعد عملية زرع نخاع العظم.. تلك المريضة كانت الأولى في فرنسا ومعها ارتفع عدد المتعافين إلى 8 في العالم. ومهدت الحالة الطريق لعصر جديد من العلاج ضد الإيدز، على الرغم من عدم إمكانية تعميم الحل في الوقت الحالي على نطاق واسع.
شفاء المريضة أعلن بعد عملية زرع نخاع العظم الخيفي في عام 2020، وفقًا لبيان صحفي صادر عن المساعدة العامة- مستشفيات مرسيليا (AP-HM)، الجمعة في 17 يناير. ومثلت تلك الحالة النجاح الأول من هذا النوع في فرنسا والثامن على مستوى العالم. وتجدر الإشارة إلى أن الحالة كانت قيد المتابعة منذ عام 1999، حيث أصيبت المريضة بسرطان الدم الحاد قبل بضع سنوات. وتلقت ضمن علاجها، ما يسمى بعملية زرع الخلايا الجذعية المكونة للدم. ويتعلق ذلك بإنتاج خطوط خلايا الدم الرئيسية الثلاثة في الجسم (خلايا الدم الحمراء وخلايا الدم البيضاء والصفائح الدموي) وهذا ما سمح بتجديد نظام دم المريضة وبالتالي علاج السرطان.
الفحوصات الأخيرة أكدت أيضًا عدم وجود مستودعات أو مخابىء فيروسية، مما يدل على التعافي (المحتمل) من عدوى فيروس نقص المناعة البشرية. ويثير هذا التعافي الجديد الذي يشكل ظاهرة نادرة، الآمال في حلول علاجية للمصابين الآخرين المصابين.
لكن المنظور العلاجي يبقى مع ذلك، محدودًا للغاية حتى الساعة ويصعب تطبيقه على عدد أكبر من المرضى. فما هي العوامل التي سمحت بشفاء تلك المريضة؟
إمكانية التعميم
يتطلب فهم هذا الإنجاز العلمي بشكل أفضل، تتبع القصة مع الاهتمام بشكل خاص بالتفاصيل. وبعد عشرين عامًا من الإدارة الفعالة لمرض الإيدز بفضل العلاج المضاد للفيروسات القهقرية، أصيبت المريضة بسرطان الدم النخاعي الحاد.
ففي الواقع، الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية تزيد من خطر حدوث مضاعفات معدية وأورام لدى الأفراد الذين يعانون من ضعف المناعة. ثم أُوصي بإجراء عملية زرع نخاع عظمي، باعتبارها الخيار العلاجي الوحيد المحتمل للسرطان بعد فشل العلاجات الدوائية.
ومن ثم، تلقت المريضة طعمًا خيفيًا من متبرع يحمل طفرة جينية موثقة: CCR5-Δ32. وتمنع هذه الأخيرة فيروس نقص المناعة البشرية من دخول الخلايا المناعية. ويمكن ربط هذه الآلية الرئيسية حسب العديد من الدراسات، بالتعافي من العدوى. وبعد عملية الزرع، استمرت المريضة بتلقي العلاج المضاد للفيروسات القهقرية لمدة ثلاث سنوات، حتى أظهرت الاختبارات فائقة الحساسية الغياب التام للفيروس، مما يشير إلى “الهدأة الوظيفية الكاملة”. وفي هذه الحالة يُصبح المرض غير نشط أو غير قابل للكشف من الناحية الوظيفية، على الرغم من عدم شفاء المريض تمامًا.
وينبغي التأكيد مجدداً على استحالة تعميم هذه الاستراتيجية بأي حال من الأحوال. وعلى العكس من ذلك، تمثل تحديًا طبيًا كبيرًا، يتطلب تحديد متبرع متوافق من الناحية المناعية من أجل منع الرفض. بالإضافة إلى ذلك، وبما أنّ أقل من 1% من السكان لديهم الطفرة الوقائية ضد فيروس نقص المناعة البشرية، فإنّ احتمال العثور على متبرع متوافق يحمل هذه الطفرة منخفض للغاية. وبالتالي يبقى إنجاز ونجاح مثل هذه عملية الزرع ظاهرة نادرة.
توسيع مروحة المانحين
ومنذ توثيق أول حالة شفاء في برلين عام 2007 مع تيموثي راي براون، جذبت زراعة الخلايا الجذعية اهتمامًا كبيرًا كخيار محتمل للقضاء على فيروس نقص المناعة البشرية (HIV). في معظم الحالات، كان المتبرعون يحملون نسختين من طفرة CCR5-Δ32، واحدة موروثة من الأم والأخرى من الأب، وهؤلاء الأفراد يُعرفون بأنهم متماثلو الزيغوت (homozygotes).
ومع ذلك، فقد أثارت الحالة السابعة من الهدأة، التي تم التعرف عليها في يوليو 2024، تساؤلات حول هذا التوجه، حيث كان المتبرع يحمل نسخة واحدة فقط من الطفرة المذكورة. وفقًا للبيانات الإحصائية في شمال أوروبا، تبلغ احتمالية العثور على شخص يحمل نسخة واحدة من CCR5-Δ32 حوالي 16%، مقابل 1% فقط لحاملي النسختين.
تشير هذه الحالة إلى إمكانية توسيع مروحة عدد المتبرعين المحتملين، حيث يمكن تحقيق هدأة من عدوى فيروس نقص المناعة البشرية حتى مع شكل أقل وضوحًا من المقاومة الطبيعية للفيروس. وتُضاف هذه الإنجازات العلاجية إلى الحالات السابقة، مثل آدم كاستيليجو، مريض لندن، ومارك فرانك في دوسلدورف، الذين أوقفوا جميعًا علاجهم المضاد للفيروسات القهقرية دون أي انتكاسة.
تفاعل معقد
ويسلط ظهور حالات شفاء، بما في ذلك حالة مريضة مرسيليا، الضوء على الأهمية المحتملة لطفرة CCR5-Δ32 . ومع ذلك، يربط الباحثون التراجع الوظيفي لفيروس نقص المناعة البشرية بعدة عوامل محتملة. كما يبدو أنّ القابلية الفردية لخلايا الدم البيضاء (وخصوصاً الخلايا الليمفاوية التائية)، وحجم المستودع الفيروسي، والاستجابة المناعية المحددة لكل مريض تلعب دورًا حاسمًا.
لذلك، من المحتمل أنّ النتائج لا ترتبط فقط بالطفرة، بل بالتفاعل المعقد بين العناصر المناعية المختلفة للمريض وخصائص الطُعم. كما يستدعي الواقع دراسات إضافية لفهم أفضل لآليات التراجع، خاصة في الحالات التي لم يكن لدى المتبرعين الطفرة CCR5-Δ32.
وعلى سبيل المثال، أفاد باحثون في فبراير 2022، عن حالة مريضة إيجابية لفيروس نقص المناعة البشرية من نيويورك، كانت تعاني من سرطان الدم، وتلقت زراعة خلايا دموية من الحبل السري تحتوي على طفرة CCR5-Δ32 بالإضافة إلى خلايا جذعية بالغة دون هذه الطفرة. وبعد ثلاث سنوات، لم تظهر المريضة، التي تمثل الحالة الثالثة عالميًا للتراجع، أي أثر للفيروس بعد توقفها عن العلاج المضاد للفيروسات القهقرية. ونُشرت النتائج في مارس 2023 (هسو وآخرين في مجلة Cell).
هذه الملاحظة ذات أهمية خاصة لأنّ زراعة الخلايا الجذعية المأخوذة من الحبل السري لا تتطلب توافقًا تامًا مع المستقبل، مما يجعلها أكثر سهولة من زراعة الخلايا الجذعية المأخوذة من نخاع العظم.
التلاعب الجيني
يعيد هذا التقدم إحياء الأمل في الشفاء لنحو أربعين مليون شخص يعيشون مع هذا المرض حول العالم، وفقًا لأرقام منظمة الصحة العالمية. ويتفق العلماء على أنّ هناك على الأرجح عدة عوامل تلعب دورًا، وأنّ فهمًا أعمق للآليات الأساسية أمر ضروري لتطبيق هذه الاكتشافات على نطاق أوسع.
ومع ذلك، نظرًا لأنّ فرصة العثور على متبرع متوافق يحمل طفرة CCR5-Δ32 لا تزال نادرة، ذهب بعض الباحثين إلى أبعد من ذلك من خلال تعديل الخلايا الجذعية للمتبرعين وراثيًا لإدخال هذه الطفرة. واستخدمت “المقصات الجزيئية”، المعروفة باسم CRISPR/Cas9، بنجاح لإدخال التعديل في الخلايا الجذعية.
ويوضح تقرير دراسة سريرية (شو وآخرون، سبتمبر 2019 في مجلةThe New England Journal of Medicine)، حالة مريض مصاب بفيروس HIV-1 ويعاني من سرطان الدم الليمفاوي الحاد، الذي تلقى زراعة نخاع عظمي معدلة وراثيًا باستخدام CRISPR/Cas9 . واندمجت خلايا المتبرع بشكل جيد، وشهدت حالة المريض تراجعاً كاملاً لسرطان الدم لمدة تسعة عشر شهرًا بعد الزراعة، خلال هذه الفترة استمرت الخلايا المعدلة. ولم يلحظ أي آثار جانبية مرتبطة بالتعديل الوراثي.
ومع ذلك، افتقرت تلك الطريقة للفعالية الكافية لعلاج فيروس HIV. ومن يدري؟ ربما تحمل السنوات القادمة نتائج أفضل وآمالاً أكبر..
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|