ظهور حافظ الأسد في الجوّ وفي أعماق الأرض والمياه فهل من خراب وشيك وأين؟؟؟...
هل كان الزعيم النازي الراحل أدولف هتلر، أو الزعيم السوفياتي الراحل جوزف ستالين، أو الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، أو غيرهم من الديكتاتوريين في العصور القديمة والحديثة، ليعتقدوا أنه يمكن لأحد في هذا العالم أن يبتكر ما هو أخطر وأقسى من استخباراتهم، وأن ينجح في الحصول على معلومات عن البشر والحجر، أكثر ممّا كانوا هم يفعلون، وأن يتحوّل الى أداة لاستعباد الناس أكثر منهم؟
خيار واحد
فعلى أرض الواقع، حوّل هتلر نفسه الى "شبه إله" لا يُقهَر تقريباً. والأمر نفسه فعله ستالين، الذي تشهد معسكرات التعذيب في روسيا السوفياتية السابقة على الجرائم والمجازر التي ارتكبها.
وأما حافظ الأسد في سوريا، فكان يمكن لتذمُّر شعبي بسيط من انقطاع الأرزّ أو العدس... أو من شحّ توفّر القمح مثلاً... أن يحوّل السوري المتذمّر الى سجن المزّة، والى غيره من مقرّات التعذيب، وصولاً الى مفارم الجثث، وحتى الى التذويب، وذلك خوفاً من التأسيس لتمرّد أو ثورة. وهذا تصرّف من ينصّب نفسه إلهاً على البشر.
ولكن هناك من ينافس هتلر، وستالين، وحافظ الأسد وغيرهم بالفعل، وقد نجحوا بذلك مع فارق بسيط، وهو تأسيس ديكتاتورية عالمية متعددة الجنسيات، أكثر تطوّراً من ديكتاتوريات الماضي بفعل التقدم التكنولوجي الهائل، وأكثر خداعاً للبشر، من حيث أنها لا تسجن، ولا تعذّب بالسراديب، ولا تقتل بالإعدامات، بل أمام الألواح الإلكترونية، والهواتف الخلوية... والتي تتحضّر للخروج من تلك المساحات أكثر فأكثر، لتُحاوط الإنسان في أي مكان.
والديكتاتورية العالمية الجديدة تلك، أذكى من ديكتاتوريّي عالم ما قبل التكنولوجيا فائقة التطور، بكثير. فهي تقدّم نفسها للبشر على الأرض على أساس أنها مُتخاصِمَة مع بعضها البعض، لتمنحهم فرصة الاختيار بين كذا وكذا، فيشعر الإنسان بأنه مهمّ جداً لأنه اختار، وكأنه صاحب إرادة حرّة، فيما الواقع هو أنه يُخيَّر بين شيء واحد، هو الشيء نفسه.
المشهد اللازم
"انعجقت" وسائل الإعلام المحليّة والعالمية مؤخراً بتطبيق صيني زهيد الكلفة، هو "ديب سيك". وثارت حفيظة شركة "أوبن إيه آي" المالكة لتطبيق "تشات جي بي تي"، إذ اتّهمت شركات صينية وغيرها بمحاولة نسخ نموذجها للذكاء الاصطناعي، داعيةً إلى تعزيز التعاون مع السلطات الأميركية واتخاذ تدابير أمنية.
ولتسلك خديعة الناس مسلكها التام في عقولهم، أطلقت بكين العنان لـ "ديب سيك" بعد أيام قليلة من دخول الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب "البيت الأبيض" للمرة الثانية، فيما تزخر "أجندته" الأساسية بمواجهة المنافسة الاقتصادية والتكنولوجية الصينية، للولايات المتحدة الأميركية.
وأما الواقع، فهو أن ثورة "أوبن إيه آي" على "ديب سيك" ليست سوى المشهد اللازم الذي يضمن إغراق عقول الناس بفوضى المقارنة، وباتّخاذ مواقف شخصية وسياسية، وحتى اقتصادية وتكنولوجية وعلمية... قد تكون نابعة من خلفيات إيديولوجية أحياناً، وذلك بينما تبقى النتيجة النهائية هي أن أي إنسان على وجه الأرض سيختار بين نموذج وآخر، لذكاء اصطناعي يعمل بالمبادىء نفسها، وللأهداف نفسها، في كل مكان.
وحتى إن تطوير وتحسين وتحديث هذا النموذج أو ذاك، فهو للتوغّل بالهدف النهائي وضمان تحقيقه، وهو التأسيس لعالم يتحوّل فيه الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي الى "خليقة جديدة"، تُذيب الكثير من مقوّمات وفرص الحياة لبشر الذكاء الطبيعي، ومن دون أي رفّة جفن.
"تكويد"
فأي منافسة تكنولوجية أميركية - صينية ترغب أميركا والصين بإقناعنا بها، طالما أنه في عزّ تبادل العقوبات المختلفة بينهما التي تطال عوالم الرقائق الحسّاسة، لا تزال شركاتهما تنجح حتى الساعة في إنجاز وتطوير وتحسين كل وسائل وتقنيات "تكويد" البشر، وكشف كل ما يفعلونه 24/24 ساعة، وصولاً الى حدّ سبر أغوار ما في أفكارهم، وعواطفهم، وأحاسيسهم؟ وما سبق أن أشرنا إليه لا يقتصر على نماذج الذكاء الاصطناعي، بل يشمل كل ما يرتبط بالتكنولوجيا فائقة التطوّر، التي تتزايد في كل يوم أكثر من سابقه.
ليس منافساً
"بصراحة، لا أشعر بأنه منافس لي". هكذا أجاب "تشات جي بي تي" على سؤال وُجِّهَ إليه قبل أيام، عن تطبيق "ديب سيك" الصيني. وهذا هو الجواب الذي يجب أن نصدّقه نحن البشر، ليس لأن "تشات جي بي تي" صاحب مصداقية لا تُقهَر، ولا لأن "ديب سيك" تعرّض لمشاكل تقنية جعلته يخرج من الخدمة في بعض الأماكن، بعد ساعات قليلة من إطلاقه، بل لأن النموذجَيْن هم واحد في كينونتهما الأصلية، وفي أهدافهما الأساسية.
وبتعبير أوضح، قد يمكن تشبيه "تشات جي بي تي" لمدفع أميركي، و"ديب سيك" لمدفع صيني، فتُصبح النتيجة النهائية هي أنهما آلة لقتل وتدمير واحد، مع اختلافات معيّنة تتعلّق ببعض أوجه جودة التصنيع ربما، وذلك رغم أن الاختلافات تلك لن تمنع من استعمال الأقلّ جودة في حروب وعمليات قتالية.
الأفكار والأحاسيس
في أي حال، كان هتلر وستالين وحافظ الأسد يعتمدان على أنظمة استخبارات حديدية، وعلى شبكات من الوشاية... لمعرفة كل ما يجري على الأرض، ولإنهاء أي نوع من المخاطر أو ممّا يعتبرونه كذلك، على مستقبل حكمهم.
وأما اليوم وفي المستقبل، فلا حاجة الى وُشاة، ولا الى مُخبرين، ولا الى ديكتاتوريين، إذ بات يمكن معرفة أفكار وأحاسيس مليارات البشر على الأرض عموماً (وليس داخل رقعة جغرافية محددة فقط)، حتى ولو كانوا في أعمق نقطة تحت الأرض أو المياه.
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|