"يمهل ولا يهمل".. . منشور لسيرين عبد النور يحدث ضجة: من تقصد؟
طائفة مُحبَطة
في علم النفس، الإحباط هو استجابة عاطفية للمُعارضة. ثمة مَن يعارضك، أنت المدجّج بـ"الأنا"، فتشعر أنك تُعامَل كضعيف أو عاجز، ويمتزج إحباطك بالغضب والمرارة وخيبة الأمل. خلطة كلاسيكية. يُحبَط مَن يتصوّر أن ثمة ما/مَن يعيق تحقيق إرادته أو هدفه، ويكفي أن الإرادة إرادته هو، والهدف هدفه هو الأسمى، لتحمرّ عيناه من كل ما يحيطه. الإحباط عارم. خَطِر حين ينشب، وأحياناً مؤذٍ بالفعل، لصاحبه كما لمتلقيه.
للجماعة أيضاً "جسد" و"نفْس" و"ذِهن". فكم بالحريّ حين تكون مؤطرة في قالب هوياتي صلد، يُعرِّف كل مَن وما يحتويه بداخله. وكم بالحريّ حين تُرصّ الجماعة خلف زعامة هي التي تربّي الذوات، بكل ما للتربية من معني. قيادات تحوّلت إلى مؤسسات، حلّت طويلاً محل الدولة، وابتلعت مُواطَنة أفرادها في الانتماء إليها والولاء لرموزها؟ هكذا لا يعود علم النفس غريباً عن السياسة والاجتماع، بل يمسي شكلاً من أشكال ممارستهما وتفسيرهما، وفَهم "الجماهير" من دون تفهمهم بالضرورة.
وفي علم النفس، هناك نوعان من الإحباط: داخلي وخارجي. قد ينشأ الإحباط الداخلي من التحديات مانِعة رغبات ودوافع واحتياجات أقرب إلى الغريزة. صراع أهداف متنافسة، تتداخل مع بعضها البعض، وهو مصدر داخلي للضيق. أما الأسباب الخارجية، فقد تتضمن ظروفاً خارجة عن سيطرة الفرد/الجماعة، خارجة عن حدودهم التي ظنوها أمّتهم مترامية الأطراف. وتعامُل الأفراد/الجماعة مع الإحباط يتمظهر في طرق متعددة، غالباً في سلوك عدواني وغضب وعنف. النتيجة الأكثر مباشرة وشيوعاً للإحباط هي الميل إلى العدوانية، نتيجة عدم إشباع آمال كان أصحابها قد ظنّوها لُقمة سائغة ومستدامة، فيندلع الغضب ويرسو الاكتئاب ويطفو فقدان الثقة.
يرجّح علماء نفس ألا يكون الإحباط سوى الطبقة العليا من الشعور. قشرة، تمور تحتها مشاعر أخرى أكثر أصالة. فيُعدّ الغضب شريكاً مخلصاً للإحباط، قد يتمثل في تمنّي تكسير غسالة معطلة، أو رمي جهاز الكومبيوتر المجمّد من النافذة. وهناك القلق أو الخوف المستترَين بالإحباط، ذلك أن الاعتراف بهذا الأخير أكثر يُسراً من ذينك العقربَين، وما يقهرك حقاً هو أنك تبحث عن طمأنينة أو يقين تراهما الآن مُستحيلَين.
ولا يُنسى الحزن، لا سيما ذاك المتأتي عن اليأس. فأنت تريد تغيير موقف ما، أو ربما تريد تغيير أجزاء من نفسك/جماعتك، من الرأس أو الكعب، لكن هذا لا يحدث، بل يضيف إلى "الإحباط" حِداداً مديداً على أشياء مفقودة أو أشخاص مُفتَقَدين. وأخيراً، الذَّنْب، المُنطوي عادةً على رغبة في إيجاد حل لشيء لم تسامح نفسك/جماعتك عليه بعد، وقد لا يبدو الغفران مُتاحاً أصلاً، لأن البديل هو الضياع الذي يعيدك، ويعيدنا جميعاً معك، إلى المربع الأول حيث القلق والخوف.
الرقعة اللبنانية ملأى بالمربعات الأولى. مرة يُحبَط المسيحيون، غداة انتهاء الحرب الأهلية التي أعلنتهم مغلوبين ومقصيين من السلطة... إلا مَن نصّبته المخابرات السورية وما مَثَّل عشيرته. فقاطعوا الحياة السياسية وانكفأوا قلقين، غاضبين، يقاومون الحزن بما اتفق من نضال يزوبع في فنجان. ومرة يُحبط السنّة، بعد اغتيال رفيق الحريري، فيغرقون في الحداد، ويضيعون بلا بوصلة ولا قيادة شاملة، ويُبعَدون أو يبتعد ورثتهم عن مراكز القرار وصناعته.
والآن الشيعة مُحبَطون بمُصاب "الثنائي" الذي لطالما مثّلهم سياسياً واجتماعياً وخدماتياً، ومن خلفه الدول والأنظمة التي رعَته وقوّته. فيتوهون في خوف عميق وغضب صادح حتى بات الهتاف الوحيد الذي تستطيعه حناجرهم خارج أمكنتهم، هو اسم الطائفة، أسماؤهم الموحّدة في اسمها، التعريف الوحيد الممكن حينما ينتفي التعريف الوحيد نفسه.
البلد برمّته مُحبَط، بخوفه وقلقه وحزنه ويأسه وذُنوبه. بلد بأكمله مُحبَط فرادى، وفراداه هي جماعاته، إذ لا أفراد، وإن وُجدوا، فهُم بلا أسماء إلا اسم طائفة تلمّهم، مهما كانت مهشّمة. لكن هناك فرقاً واحداً بين إحباطات الطوائف. فارق بديهي مزدوج، إنما ليس بسيطاً البتة. السلاح والأموال. وهي، وإن صودِرت وقُطعت طرقها وشحّت إمداداتها، يبقى شبحها حياً، تماماً مثل ذراع أو ساق مبتورة يظل صاحبها يشعر بها، بل وتراوده أحياناً رغبة مُلحّة في حكّها. مستحيل طبعاً. إلا أن ذلك لا يمنع أن بإمكانه، كمُحبَط مَوتور، تكسير البيت على رؤوس ساكنيه الذين يُحبطون بدورهم، ويخافون ويقلقون، وتدور الدوائر...
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|