الصحافة

مشهد الجنوب: حقّاً... ما بيشبهونا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا. ليست بطولة. وليس نضالاً وطنيّاً. وبالتأكيد، ليس "انتصاراً" – اللّهم، إن قصدنا بالكلمة المعنى المتّفق عليه. مشهد الجنوب بعمقه مشهد طلاق قيميّ تامّ مع البيئة الشيعيّة المؤيّدة "للثنائي". لهذه البيئة الحقّ بثقافتها، وبقناعاتها، وبحركتها السياسيّة؛ يبقى أنّ شيئاً بكلّ هذا لا يوحي بإمكانيّة الشراكة معها بظلّ الحكم المركزي الحالي.

أبدأ بما يهمّ قبل أيّ شيء آخر – أو هكذا يفترض على الأقلّ – أعني قيمة حياة الإنسان. الوضع المتوتّر على الأرض كان يعني سلفاً أنّ مزيداً من الضحايا سيقع بمجرّد أن حرّض "الثنائي" جمهوره على التحرّك جنوباً، وهو ما حدث فعلاً. حتّى كتابة هذه السطور، الرقم المتداول هو أكثر من عشرين مواطناً لبنانيّاً جديداً قضوا، فضلاً عن عشرات الجرحى. السؤال البديهي هنا هو التالي: من أجل ماذا؟ جواب "الثنائي" طبعاً هو عودة الجنوبيّين لقراهم.

ولكنّهم كانوا فيها أصلاً قبل توريطهم بحرب الإسناد. ولو كان مورّطوهم يأبهون حقّاً بإبقائهم في أرضهم، لَمَا غامروا بهم أصلاً. وبالحقيقة، دلّت الحرب الأخيرة على أنّ ترسانة "حزب اللّه" المفترضة تهاوت كورق كرتون بمواجهة التفوّق التكنولوجيّ الإسرائيلي. هل يظنّ عاقل أنّ حفنة مدنيّين عزّل سيغيّرون المعادلة لأنّهم توجّهوا بسيّاراتهم إلى قراهم؟ الجواب أن لا طبعاً. لماذا إذاً زجّ "حزب اللّه" و "حركة أمل" جمهورهما بأتون جديد؟ الجواب المباشر هنا

هو حفنة مكاسب تكتيّة من نوع إعادة التلويح بالثلاثيّة البائدة جيش – شعب – مقاومة كمعادلة قادرة وحدها على "التحرير"، وإحراج الثنائي عون-سلام، فضلاً عن إعطاء البيئة المصدومة جرعة معنويّات، والإشارة للسياسيّين"المكوّعين" الذين تكاثروا بالأسابيع الأخيرة أن أعيدوا حساباتكم، نحن هنا. ولكنّ الجواب الحقيقي، والأعمق، هو أنّ "الثنائي" لا يأبه بحياة مناصريه لأنّ كلّ ما سبق لا يعدو كونه حرتقات سياسيّة لا تغيّر شيئاً من حقيقة

الهزيمة الشاملة التي مني بها المحور الشيعي بلبنان والمنطقة. بمعنى آخر، وبوضوح أكبر: الجنوبيّون الذين ماتوا بالأيّام الأخيرة قضوا من أجل سياسات سياسيّة، أي من أجل لا شيء، أيّا كان ضجيج الشعاراتيّة المحيط بموتهم. وهذا أوّل ما ينبغي الانتباه له عند التفكير بمشهد الجنوب، وبـ "الثنائي حزب اللّه – أمل": حياة مؤيّديهم لا تعني لهم الكثير؛ كم بالحريّ حياة مؤيّدي البيئات الأخرى؟

ولم يكن من دون معنى أن يتداول اللبنانيّون بكثافة فيديو سيّدة متقدّمة بالعمر تقول لجنود الجيش اللبناني إنّها لم تكن تريد المغامرة بالعودة إلى الجنوب، لولا التكليف الشرعي. هنا أيضاً، لا مفرّ من طرح السؤال عينه: كيف يمكن إدارة حياة مشتركة وسط حكم مركزي مع بيئة تحرّكها سياسيّاً فتاوى دينيّة؟ للتذكير: التكليف الشرعي يستعمل أيضاً عند كلّ محطّة انتخابيّة ليلزم ناخبين شيعة دينيّاً بالتصويت لمرشّحين محدّدين. ما ضرورة الانتخابات، والحال هذه، علماً أنّ علّة وجودها محاسبة النخب الحاكمة على أدائها، وأنّ التكليف يعطّل قدرة المواطن – الفرد على المحاسبة، بل على التفكير السياسيّ أصلاً؟

هذا إذاً، باختصار، مشهد الجنوب، كما تظهّره بيئة "الثنائي": على مستوى النخب، استماتة للحفاظ على السلاح، أي على نسف احتمال قيام دولة بلبنان، لأنّ شرط الدولة حصريّة السلاح بيدها. يرفد هذا التوجّه استخفافٌ بحياة البشر، واستعداد للتضحية بها على مذبح المشروع المتهالك، والشعارات الكئيبة، وشبق السلطة. وعلى مستوى الجمهور، طاعة جحافل يرسلها قادتها للموت، فتذهب، ولا تسائل لأنّ ذلك ممنوع شرعاً. لأنّني أطالب الآخرين باحترام طريقة حياتي، وهويّتي، وقيمي، فأنا ملزم باحترام كلّ هذا عندهم. ما لن أحترمه، بالمقابل، هو الكسل الفكريّ المصرّ على إمكانيّة إدارة متناقضات بظلّ حكم مركزي هو فضيحة بحقّ مريديه.

هشام بو ناصيف - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا