محليات

حكومة سلام... بين الحاجة إلى الوقت وشبح الصدام

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان بات معضلة تتجاوز مجرد توزيع الحقائب بين القوى السياسية، إذ يبدو أن مقاربة الرئيس نواف سلام للعمل السياسي تختلف جوهرياً عن الأساليب التقليدية التي اعتمدتها القوى الحاكمة لعقود. سلام، الذي جاء بدعم داخلي ودولي، يسعى إلى ترسيخ نهج جديد في تشكيل السلطة التنفيذية، بعيداً عن المحاصصة الحزبية التقليدية أو التفاهمات التي تقوم على تقاسم النفوذ. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يمتلك الفرقاء السياسيون الاستعداد لمنح هذا النهج الجديد فرصة حقيقية، أم أن لبنان مقبل على مواجهة سياسية مفتوحة بلا سقف؟

في ظل الانهيار المالي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان، تدرك القوى الدولية والعربية مدى الحاجة إلى استقرار سياسي يسمح بتدفق المساعدات والاستثمارات لإنقاذ ما تبقى من مؤسسات الدولة. ولهذا السبب، فإن الأجواء الإقليمية والدولية تبدو إيجابية تجاه دعم العهد الجديد، شرط أن يتمكن من تنفيذ إصلاحات بنيوية ضرورية تضع حداً للهدر والفساد. لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن النهج الذي يعتمده نواف سلام يتطلب وقتاً حتى يقتنع به اللاعبون المحليون الذين لا يزالون يتمسكون بحساباتهم الخاصة، ويخشون من فقدان مواقعهم التقليدية في السلطة.

الضغوط التي يتعرض لها سلام لا تقتصر على القوى السياسية الداخلية فحسب، بل تشمل أيضاً ميزان القوى الإقليمي الذي ينعكس بشكل مباشر على المشهد اللبناني. فالتجاذب بين الأطراف المحلية لا يمكن فصله عن التقاطعات الإقليمية، لا سيما في ظل استمرار التصعيد على جبهات عدة، ما يجعل أي تغيير جذري في المشهد السياسي اللبناني مسألة تتطلب توافقاً دولياً وإقليمياً إلى جانب الإرادة الداخلية. ومع ذلك، فإن أسلوب الرئيس الجديد القائم على اعتماد الكفاءة والجدية في مقاربة الملفات، قد يكون بمثابة صدمة للطبقة السياسية التقليدية التي اعتادت على أنصاف الحلول والمساومات.

من جهة أخرى، فإن استمرار التعطيل السياسي يهدد لبنان بخسارة الدعم العربي والدولي الذي أبدى استعداداً غير مسبوق لاحتضان العهد الجديد والمساهمة في إعادة بناء الدولة، خاصة في مجالات الاقتصاد والطاقة والبنية التحتية. ولكن هذا الدعم لن يكون مفتوحاً بلا شروط، بل يرتبط بشكل مباشر بمدى قدرة لبنان على تقديم نموذج جديد في إدارة الدولة. وبالتالي، فإن أي صدام سياسي طويل الأمد قد يدفع بالجهات الداعمة إلى إعادة النظر في مواقفها، ما يعني المزيد من العزلة والانهيار الاقتصادي.

المسألة الجوهرية اليوم ليست في تشكيل الحكومة فحسب، بل في تحديد طبيعة المرحلة المقبلة: هل سينجح نواف سلام في فرض منطقه السياسي الجديد، ولو تدريجياً، أم أن التوازنات السياسية ستفرض عليه العودة إلى أسلوب التسويات التقليدية؟ الأكيد أن الصراع على شكل الحكومة ليس مجرد خلاف على أسماء وزراء، بل هو صراع على مستقبل الحكم في لبنان، وعلى قدرة البلاد على استعادة ثقة الخارج والداخل. إذا كان المطلوب هو منح النهج الجديد فرصة للتبلور، فإن ذلك يحتاج إلى إرادة سياسية جدية، وهو ما يبدو حتى الآن غير متوفر بالكامل. أما إذا استمرت المراوحة والصدامات، فإن لبنان سيجد نفسه مرة أخرى أمام ضياع الفرص، في وقت لم يعد يملك فيه رفاهية تكرار الأخطاء ذاتها.

كتب داود رمال -"أخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا