عربي ودولي

إيران بعد سقوط الأسد.. تقويض سوريا الجديدة أو الانهيار

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ أواخر عام 2015، عززت روسيا وإيران دعمهما المشترك للنظام السوري السابق من خلال تنسيق عسكري وثيق؛ ما أسهم في توطيد شراكتهما الاستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، خاصة في ظل الحرب الأوكرانية.

وتوّج هذا التقارب بتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين في الـ17 من يناير/كانون الثاني 2025. ومع ذلك، تباينت مواقفهما تجاه التعامل مع سوريا الجديدة.

تضارب المصالح

فضلت موسكو نهجًا براغماتيًّا يقوم على الدبلوماسية والتكيف مع الواقع الجديد، متجنبة الانخراط في الصراعات العسكرية التقليدية، أو اللجوء إلى الضغوط الاقتصادية والأمنية.

وبناءً على هذا التوجه، أرسلت وفدًا من الخارجية الروسية إلى دمشق في الـ28 من يناير/كانون الثاني للقاء الرئيس الجديد أحمد الشرع، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على مصالحها الإقليمية وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط.

على النقيض، لا تملك  إيران رفاهية تبني خيارات مرنة كتلك التي انتهجتها روسيا. فالتواصل مع القيادة السورية الجديدة لا يحقق لها أي مكاسب استراتيجية، بل يُنظر إليه على أنه إقرار ضمني بالهزيمة، وهو ما قد يضر بصورتها أمام حلفائها الإقليميين.

منذ ثمانينيات القرن الماضي، اعتمدت طهران على النظام السوري السابق كركيزة أساسية في استراتيجيتها التوسعية، حيث كان الحليف الوحيد لها على مستوى الأنظمة السياسية، بينما اقتصر باقي نفوذها في المنطقة على جماعات تعمل داخل الدول أو خارج إطارها الرسمي. كما استغلت تحالفها مع دمشق لممارسة الضغط على الدول المجاورة، سواء عبر المواقف السياسية، أو تقديم الدعم اللوجستي والتدريبي للعمليات الأمنية، أو حتى من خلال تجارة وتهريب المخدرات كأداة نفوذ إضافية.

يمكن تلخيص التباين بين الموقفين الروسي والإيراني في سوريا على النحو الآتي: ترى موسكو في وجودها داخل سوريا ورقة لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة وفرصة للتعاون البراغماتي مع الغرب.

في المقابل، تعاملت طهران مع سوريا كقاعدة لتهديد جيرانها بشكل مباشر أو غير مباشر. وبالتالي، فإن أي توجه من القيادة السورية – سواء في عهد بشار الأسد أو أحمد الشرع – نحو إقامة علاقات ودية ومستقرة مع دول الجوار، يشكل ضربة قاسية للمخططات الإيرانية في المنطقة، وهو ما يجعل طهران غير قادرة على التعايش مع الواقع الجديد.

في هذا السياق، تعكس تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني، الجنرال حسين سلامي، في الـ3 من  فبراير/شباط، والتي أكد فيها أن "الوضع في سوريا لن يبقى على حاله"، موقف إيران الرافض للتغيير، ودور الحرس الثوري في محاولة قلب المعادلة لصالحها.

جاءت هذه التصريحات بعد شهرين من سقوط النظام السوري السابق، تزامنًا مع تصاعد التحديات التي تواجه إيران وحلفاءها في المنطقة.

فالولايات المتحدة، في ظل إدارتها الجديدة، أعادت فرض استراتيجية "الضغط الأقصى" على طهران، مستهدفة الاقتصاد الإيراني وخنق صادراتها النفطية؛ ما أدى إلى انهيار الريال الإيراني إلى مستويات قياسية، حيث بلغ 90,000 تومان للدولار، مقارنة بـ 70,000 تومان عند فوز ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.

استراتيجية "الجبهات المتعددة"

اليوم، تواجه إيران تهديدًا حقيقيًّا، حيث لم يعد احتمال تنفيذ ضربة عسكرية ضد منشآتها النووية مجرد سيناريو افتراضي، بل خيارًا مطروحًا بقوة.

بل إن فكرة إسقاط النظام الإيراني نفسه لم تعد مستبعدة. لكن قدرات الردع الإيرانية أثبتت محدوديتها، خاصة بعد تجربتي أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2024، حين أخفقت في توجيه ضربات مؤثرة لإسرائيل انطلاقًا من أراضيها وحدها. كانت إسرائيل تتوقع أن تواجه هجومًا منسقًا يشمل إيران وسوريا ولبنان وغزة وربما العراق واليمن، إلا أن الضربات الإيرانية المنفردة لم تحقق التأثير المطلوب.

في ظل هذه المعطيات، تجد إيران نفسها مضطرة إلى إعادة إحياء استراتيجية "الجبهات المتعددة" في أسرع وقت ممكن، قبل أن تتحول الضغوط الأميركية إلى عمل عسكري مباشر ضدها. كما أن استعادة تماسك شبكتها الإقليمية أصبح ضرورة ملحة، إذا أرادت طهران إقناع الولايات المتحدة والدول الأوروبية بأن الحل الأمثل يكمن في التفاوض بدلاً من الحرب.

عدائية النظام السوري الجديد، إلى جانب فقدان فصائل غزة لقدراتها الصاروخية وتراجع نفوذ "حزب الله" في لبنان، تضع إيران أمام معضلة استراتيجية تهدد تماسك مشروعها الإقليمي.

لبنان.. ضربة جديدة

 تدرك طهران أن نفوذها في المنطقة يواجه تراجعًا متسارعًا، ولا سيما في لبنان، حيث تعرض "حزب الله" لسلسلة من الانتكاسات السياسية والعسكرية.

فقد تم تهميش الحزب في عملية انتخاب رئيس الجمهورية الجديد، العماد جوزيف عون، وتكليف القاضي نواف سلام بتشكيل الحكومة، التي جاءت، للمرة الأولى منذ مايو/أيار 2008، خالية من "الثلث المعطل" الذي استخدمه الحزب سابقًا لتعطيل القرارات الحكومية وابتزاز السلطة التنفيذية. أما عسكريًّا، فقد اضطر "حزب الله" للقبول بتمديد اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل بصمت، من الـ26 من يناير/كانون الثاني إلى الـ18 من فبراير/شباط، مع احتمالية تمديده مرة أخرى؛ ما يعكس تراجع قدرته على فرض شروطه.

الأزمة الأبرز التي كشفت ضعف الحزب جاءت على الحدود الشرقية للبنان، حيث فشل في منع الجيش السوري الجديد من تنفيذ عملياته العسكرية ضد الفصائل المسلحة في القرى السورية المحاذية للبنان.

في عام 2013، كان "حزب الله" برَّر تدخله العسكري في سوريا بحماية سكان تلك المناطق، الذين ادعى أنهم من أصول لبنانية وينتمون إلى الطائفة الشيعية. هذه المرة، ومع غياب الحزب عن المشهد، حاولت العشائر الشيعية في شرق لبنان التصدي للجيش السوري الجديد، لكنها فشلت في وقف تقدمه؛ ما شكل ضربة جديدة لمكانته، ليس فقط على المستوى الإقليمي، بل أيضًا داخل بيئته الحاضنة.

في ظل هذا التراجع، تجد إيران نفسها أمام تحدٍّ مصيري: إنقاذ "حزب الله" وإعادة تأمين خطوط الإمداد له. لكن تحقيق ذلك يتطلب تعاون النظام السوري الجديد، أو على الأقل القدرة على استخدام أراضيه بالقوة، وهو أمر يبدو غير وارد في الظروف الحالية. أما خيار تقديم المساعدات الاقتصادية لدمشق، مثل: استئناف شحنات النفط أو إعادة العمل بالخط الائتماني الإيراني، فهو مستبعد تمامًا. فقد أثقل الدعم الإيراني لنظام الأسد منذ عام 2011 كاهل الخزينة الإيرانية، وأثار استياء الأوساط السياسية في طهران. ورغم ضخ أكثر من 30 مليار دولار في خزائن النظام السوري السابق، فقد أخذ الأسد في الابتعاد عن إيران خلال الأشهر الأخيرة من حكمه.

واليوم، من غير المرجح أن تقبل القيادة السورية الجديدة بأي مساعدات إيرانية، حيث تسعى جاهدة للخروج من دائرة العقوبات الأمريكية والأوروبية، ولن تخاطر بفتح الباب أمام إيران لإعادة بسط نفوذها مقابل مساعدات قد تكون عبئًا أكثر من كونها دعمًا. كما أن أي تعامل مالي مع طهران سيفتح ملف الديون المتراكمة، وهو ما تحاول دمشق الجديدة تفاديه بأي ثمن.

عقبات معقدة

تحاول إيران إعادة إحياء استراتيجية "الجبهات المتعددة" ضد إسرائيل وإعادة تماسك شبكة حلفائها في المنطقة، إلا أن هذا المسعى يواجه عقبات معقدة.

فالنظام السوري الجديد لا يبدي أي استعداد للتعاون مع طهران؛ ما يضع إيران أمام تحدٍّ يتطلب منها إعادة النظر في أساليبها. وفي الواقع، من غير المرجح أن تعتمد إيران على الإغراءات الدبلوماسية أو الاقتصادية لإقناع دمشق بالتعاون، بل تفضل نهج الضغط والتصعيد، حيث تحتاج اليوم إلى استعراض قوتها ليس فقط لإعادة ترسيخ ردعها في مواجهة إسرائيل، ولكن أيضًا لحماية نفوذها الإقليمي ومنع المزيد من حلفائها من الانفلات من قبضتها.

لذلك، لا خيار أمام إيران سوى العمل على زعزعة استقرار النظام السوري الجديد، واستغلال نقاط ضعفه الأمنية والسياسية لصالحها. وتشمل هذه النقاط، من منظور طهران، النقص في الكوادر الأمنية، وغياب الخبرات في مجالات الاستخبارات والاتصالات والسيطرة العسكرية؛ ما يترك مساحات شاسعة من الأراضي السورية، خاصة في الشرق والجنوب والبادية، خارج السيطرة الفعلية للحكومة الجديدة. بالإضافة إلى ذلك، تعاني سوريا تدهورًا اقتصاديًّا حادًّا وتراجعًا كارثيًّا في مستوى الخدمات؛ ما يعزز حالة السخط الشعبي.

إحدى أهم الأوراق التي قد تستغلها إيران هي تداعيات قرارات الحكومة الجديدة، التي تستعد خلال الأسابيع المقبلة لتسريح أكثر من مليون موظف من القطاع العام، إضافة إلى نصف مليون عنصر من الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية دون أي تعويضات.

هذا العدد الهائل من العاطلين عن العمل، في ظل الظروف الاقتصادية المتدهورة، يوفر فرصة لإيران وحرسها الثوري، الذي يمتلك معرفة عميقة بالميدان السوري، خاصة في المناطق التي كان يشرف على تأمينها لسنوات، مثل: الشرق والجنوب والبادية السورية. كما أن طهران على دراية عميقة بالبنية الاجتماعية السورية وحساسياتها؛ ما يمكنها من استغلال التوترات الداخلية لصالحها.

من غير المتوقع أن تبقى إيران مكتوفة الأيدي أمام هذه التطورات. فعدم التدخل لن يضعف قدرتها على إعادة تفعيل "سيناريو الجبهات المتعددة" فحسب، بل سيجعل "حزب الله" عرضة لمزيد من التهميش، وسيفتح الباب أمام تصاعد الأصوات العراقية المناهضة لنفوذها؛ ما قد يؤدي إلى تآكل نفوذها في المشرق العربي بأكمله.

والأسوأ من ذلك، أن هذا التراجع قد يشجع جيران إيران في الشرق والشمال على مواجهتها مباشرة؛ ما قد يدفعها إلى العزلة داخل حدودها. وهذا من شأنه أن يهدد الأساس الأيديولوجي للنظام الإيراني، الذي قام على تصدير الثورة والتدخل في شؤون الدول الأخرى.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا