الموقف السعودي وشهود "الطائف" يكذّبون "أموات" برّي
لم يَرِدْ في كتب رجالات "الطائف"، "قصتي مع الطائف" للنائب والوزير جورج سعادة، و"الانقلاب على الطائف" للنائب والوزير ألبير منصور، و"الفرص الضائعة" لوزير الخارجية الأسبق إيلي سالم، أدنى إشارة تظهر التداول في قضية حصول الشيعة "إلى الأبد" على وزارة المال، لا أثناء الاجتماعات، ولا قبلها في الوثائق وأوراق العمل المختلفة، والتي تشكل "وثيقة الوفاق الوطني" عصارتها.
ما حصل في "الطائف" من اجتماعات عاصفة، استمرت من أواخر أيلول حتى 24 تشرين الأول، بذلت السعودية جهداً هائلاً لاحتوائها تحت عنوان "الفشل ممنوع"، كان السبب الأساسي فيه أمرين: الأول قضية "السيادة"، المقصود بها الاحتلالان الإسرائيلي والسوري، وهذا بحث آخر، إنما لا بد من الإشارة إلى حرص الوثيقة النهائية على عدم ذكر مصطلح "مقاومة"، بسبب إرث المنظمات الفلسطينية، ومن بعدها "حزب الله" الذي كان يعيث تفجيراً وخطف رهائن. والثاني الإصلاح السياسي، حيث توزع النواب على 4 مجموعات رئيسية.
واحدة سنية بقيادة الرئيس صائب سلام، عملت على تعزيز دور رئاسة الحكومة. والثانية مسيحية ذات نكهة مارونية دافعت عن صلاحيات رئاسة الجمهورية، بالقدر الذي جرى التنسيق به مع البطريرك مار نصر الله بطرس صفير، ورئيس الحكومة الانتقالية الجنرال ميشال عون، وقائد القوات الدكتور سمير جعجع.
أما الثالثة فكانت ممثلة برئيس البرلمان حسين الحسيني ومعه نواب أغلبهم من الشيعة، والتي عملت على تعزيز صلاحيات المجلس النيابي ورئاسته ضمن بنية النظام. والرابعة عبرت عن توجهات رئيس "أمل" نبيه بري وحليفه زعيم "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، نطق بلسانها زاهر الخطيب، وإلى حد ما النائب الدرزي الوحيد توفيق عساف، وكانت تطالب بـ المثالثة" وبـ "إلغاء الطائفية السياسية" فوراً، بما يضمن توسيع النفوذ السياسي لهذا الفريق بالاستناد إلى النمو الديموغرافي الإسلامي والقبضة الميليشياوية المدعومة سورياً.
من بين الأوراق المتداولة، واحدة تحدث عنها الدكتور عارف العبد في كتابه "الطائف – تقاطع تاريخي ومسار غير مكتمل"، أعدها بشكل مشترك رئيسا الحكومة سليم الحص والبرلمان حسين الحسيني في فندق "الكورال بيتش"، لذلك عُرفت باسمه، عبر ممثلين عنهما، القاضي خالد قباني وطلال الحسيني شقيق رئيس البرلمان.
قبلها، يبين الوزير سالم في كتابه أن الرئيس السوري حافظ الأسد ونظيره اللبناني اتفقا على تشكيل لجنتين مشتركتين تجتمعان من أجل إعداد ورقة لإصلاح النظام السياسي، ترأسها هو عن الجانب اللبناني، ونظيره فاروق الشرع عن الجانب السوري، أثمرت بعد نقاشات استمرت من كانون الأول 1986 حتى حزيران 1987 عن "ورقة حزيران" أو "مبادئ الميثاق الوطني" التي تعثرت نتيجة اغتيال رئيس الحكومة رشيد كرامي.
الى أن عاد رفيق الحريري، ممثل الملك فهد، وأنضج هذه الورقة مع بعض التعديلات عبر نقاشات في طائرته الخاصة في قبرص، لضمان عدم تسربها، جمعته أولاً إلى إيلي سالم، وانضم اليهما رئيس الجمهورية أمين الجميل.
يبين سالم موقف السعودية من الإصلاحات على لسان رفيق الحريري "إنّ المملكة ضدّ انتخاب رئيس الحكومة من قبل المجلس النيابي، لأنّ ذلك يجعله خاضعاً لرئيس مجلس النوّاب الشيعي. وهذا موقف لا يرتضيه السنّة في لبنان، وهم يريدون تعيين رئيس الحكومة من خلال استشارات نيابيّة ملزِمة. كما أنّ السنّة هم ضدّ انتخاب رئيس مجلس النوّاب لمدّة 4 سنوات، وأعتقد أن سنتين أكثر من كافيتَين. أمّا بالنسبة إلى تأليف الحكومة فيجب أن يكون بالاتّفاق بين رئيس الجمهوريّة ورئيس الحكومة". وبالتالي إذا كانت السعودية رفضت خضوع رئاسة الحكومة لرئاسة البرلمان، فمن البديهي أن لا تكون قبلت بالنقاش من أصله في فكرة "تأبيد" وزارة المال للشيعة كما يزعم بري، لأن ذلك يضع الحكومة ورئيسها تحت وصاية لا تقل وطأة عما رفضته بحسم.
وحسبما ذكر في الكتب الأربعة، نجح حسين الحسيني في تحويل ولاية رئيس المجلس النيابي ونائبه من سنتين وفق الوثيقة العربية الأساسية، وكذلك الأوراق المتداولة، لتكون طيلة ولاية المجلس، مقابل رفض حضور رئيس البرلمان للاستشارات النيابية الملزمة كرقيب على رئيس الجمهورية يؤثر على خيارات النواب، كما نصت ورقة "الكورال بيتش". بالإضافة إلى أن تعسف رئيس الحكومة الانتقالية ميشال عون باستخدام حق دستوري مقيد عبر إعلانه حل البرلمان، أسهم في تقوية موقف الحسيني وداعميه في تصعيب حلّ البرلمان إلى درجة الاستحالة تقريباً.
يقر جورج سعادة بأن هذا التعديل كان خطأ، فيما يؤكد سليم الحص أنه لم يوافق عليه في الورقة المشتركة مع الحسيني. في حين اعتبر الرئيس المكلف نواف سلام في كتابه "أبعد من الطائف" أن تعقيد عملية حل البرلمان "مخالفة لأبسط قواعد الديمقراطية، إذ يستمر رئيس المجلس ونائبه في منصبيهما ولو حجبت الثقة عنهما أكثرية المجلس المطلقة. كما أن المجلس يمنع من التصويت على الثقة برئيسه أو نائبه إلا في جلسة محددة ولمرة واحدة بعد عامين من انتخابهما".
وكذلك يرى سلام بأن "رئيس مجلس النواب أضحى مشاركاً في القرارات التنفيذية الأساسية، ورئيس الجمهورية ومجلس الوزراء في عملية صراع وتنافس دائمين على دور كل منهما وصلاحياته في آلية صنع القرار أو تمثيل الدولة، بينما دستور الجمهورية الثانية ينيط السلطة التنفيذية بمجلس الوزراء كمؤسسة".
وبالتالي فإن واحداً من التحديات المطروحة اليوم أمام الرئيس المكلف هو إعادة التوازن المفقود في بنية النظام السياسي.
سامر زريق-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|