عشوائية الأقساط: من يعرقل المجالس التحكيمية التربوية؟

فاتن الحاج - الاخبار

يبدي كل من ممثلي اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة واتحادات لجان الأهل استعدادهم لتسهيل تشكيل المجالس التحكيمية التربوية كأحد الحلول لضبط عشوائية الأقساط. فمن يعرقل؟

عشية عام دراسي جديد، يتجدّد الكباش بين أهالي التلامذة وإدارات المدارس الخاصة، على خلفية الزيادات العشوائية والخيالية على الأقساط.

وقد بدأ عدد من أولياء الأمور في بعض المدارس التحرك، مستفيدين من المهل التي يمنحها قانون تنظيم الموازنات المدرسية (الرقم 515/1996)، والتي تتيح تقديم طعون في الزيادات أمام المجالس التحكيمية التربوية، قبل أن تسقط مهلة الاعتراض على موازنة العام الدراسي 2024 - 2025 في 30 تموز الجاري.

استناداً إلى ذلك، يستعد عدد من أولياء الأمور في مدرسة الراهبات الأنطونيات - غزير لتقديم دعوى أمام المجلس التحكيمي التربوي في جبل لبنان الإثنين المقبل، رغم أن المجلس شبه معطّل، اعتراضاً على زيادة العام الدراسي الماضي التي لامست الـ 1000 دولار للتلميذ الواحد. وتتزامن الدعوى مع توقيع نحو 400 ولي أمر على عريضة احتجاجاً على زيادات أقساط العام المقبل (2025 ـ 2026)، والتي تجاوزت بدورها الألف دولار.

ويلفت أحد أولياء الأمور إلى أن المدرسة أعادت في السنة الماضية الأقساط بالدولار الأميركي إلى ما كانت عليه عام 2019، بحجّة تحسين رواتب الأساتذة، «فيما هذه الرواتب لا تزال أقل من نصف ما كانت عليه في ذلك العام».

وقال ميشال شمعون، أحد أولياء الأمور، إن الأهالي «حاولوا التواصل مع إدارة المدرسة ولجنة الأهل، من دون جدوى.

وسنطعن بالأرقام، خصوصاً أن هناك بنوداً تُدرّ أرباحاً صافية على المدرسة من خارج الموازنة، ولا تُحتسب ضمنها ولا يُخصم من القسط مقابلها، مثل رسوم الكمبيوتر والقرطاسية، وتأجير المسابح والنوادي داخل المدرسة»، مشيراً إلى التفاوت الكبير بين أقساط فرع المدرسة في غزير، وتلك المعتمدة في فرع أنطونية – زحلة، رغم أن النفقات ورواتب الأساتذة متشابهة.

«الأخبار» حاولت التواصل مع المسؤولة المالية في مدرسة الراهبات الأنطونيات، ليلى صليبا، التي رفضت الإجابة عن الأسئلة، مكتفية بالقول إن «المدقق شرح للأهالي الأسباب الموجبة للزيادات».

وفي سياق متصل، يستعد أولياء الأمور في المدرسة الأنطونية الدولية - عجلتون لرفع دعوى مماثلة أمام المجلس التحكيمي التربوي في جبل لبنان.

محامية الأهالي في أنطونية غزير، نيكول غانم، شددت على أهمية أن «تكبر كرة الثلج»، داعية المزيد من الأهالي ولجان الأهل إلى التقدّم بالطعون، بما يشكّل وسيلة ضغط فاعلة لدفع الدولة إلى تفعيل المجالس التحكيمية التي تبت في النزاعات بين المدارس والأهالي، وتحاسب الطرفين: المدارس التي تفرض زيادات عشوائية، والأهالي الذين يتخلّفون عن الدفع.

ولفتت أيضاً إلى أن غالبية الموازنات السابقة للمدارس الخاصة تفتقر إلى الصفة القانونية، حتى لو كانت موقّعة من قبل لجان الأهل، لكونها لا تتضمّن كل الإيرادات الفعلية التي تدخل إلى المدرسة.

ومع ذلك، لا يبدو أن «طبخة» المجالس التحكيمية قد نضجت بعد. فرغم مرور ثلاث سنوات على صدور آخر مرسوم لتعيين القضاة رؤساء هذه المجالس، ورغم تأكيد ممثلي المدارس ولجان الأهل على تسهيل تشكيلها، إلا أن العقبات ما تزال قائمة.

أمين عام المدارس الإنجيلية، نبيل القسطا، أوضح أن اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة رشّح أسماء لتمثيل المدارس في المجالس بمختلف المحافظات، وتم إيداعها وزارة التربية، مؤكداً أن «التشكيل وُضع على السكة الصحيحة»، ومشيراً إلى أن وزيرة التربية ريما كرامي تعمل على إنجاز المهمة «بالسرعة القصوى».

من جهتها، شدّدت رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لمى الطويل، على ضرورة أن يتم التداول في الأسماء بالتنسيق مع اتحادات المدارس واتحادات لجان الأهل المرخّصة، انطلاقاً من مبدأ الالتزام بالقوانين، ورفضاً لأي محاصصات سياسية أو طائفية.

وأعلنت استعداد الاتحاد لطرح أسماء ممثلين عن الأهالي في مختلف المناطق، والمشاركة بشكل تطوعي، حتى أن هؤلاء أبدوا استعدادهم للتنازل عن المخصصات المالية التي يقرها لهم القانون، تسهيلاً لتفعيل عمل المجالس.
لكن، إذا كان الطرفان يُسهلان التشكيل، فالسؤال البديهي: من يعرقل؟

كرامي: نقص في فرق التدقيق
تؤكد كرامي لـ«الأخبار» أن تأليف المجالس التحكيمية التربوية يأتي في رأس أولوياتها، ولا سيما بعد أن عيّنت وزارة العدل القضاة، و«باتت الوزارة حالياً في مرحلة التداول بتسمية ممثلي المدارس ولجان الأهل، تمهيداً لإصدار المرسوم في أسرع وقت ممكن، لقناعتنا بأن المجالس التحكيمية وسيلة توضع بخدمة الأهل والمدرسة لحل أي خلاف بدل ترك هذه الخلافات للتجاذبات».

يُذكر أن مراسيم تشكيل المجالس التحكيمية لا تحتاج إلى قرار في مجلس الوزراء، بل يقتصر الأمر على توقيع كل من رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة، ووزراء التربية، المال، والعدل.

وفي انتظار أن تبصر المجالس التحكيمية التربوية النور، ما هي التدابير التي ستتخذها وزارة التربية لضبط عشوائية الأقساط؟

تجيب كرامي بأن «هناك قانوناً ينظم تعاطي الوزارة مع المدارس الخاصة. وتداركاً، صدر تعميم عن مصلحة التعليم الخاص يضع أسس التعاطي المالي مع المدارس، ويذكّر بأحكام القانون 515، لجهة تقديم الموازنات بشفافية، والتصريح عن رواتب الأساتذة وقائمة أسمائهم، والتسديد لصندوق التعويضات، مع اشتراط توقيع لجان الأهل على الموازنة. كما تتابع الوزارة مسألة الالتزام بتقديم الميزانيات وفق الأصول، وتطبيق العقوبات ضمن الصلاحيات القانونية».

وتشير كرامي إلى «وجود نقص في فرق التدقيق في الموازنات، وقد حاولنا تمرير اعتمادات لتعزيز هذه الفرق، إلا أنها قوبلت بالرفض. ونبحث مع مصلحة التعليم الخاص في سبل بديلة لتأمين التمويل اللازم لسد هذا النقص».

نموذج إلكتروني لضبط الأقساط
في المقابل، حذّرت الطويل من أن التعاميم الصادرة عن وزارة التربية، وإن كانت ضرورية، لا تُلزم المدارس فعلياً، وهي بقيت على مرّ السنوات من دون جدوى، ما أدى إلى تقاذف المسؤوليات، مؤكدة أن التجربة أثبتت أن إدارات المدارس لا تلتزم بها.

ورأت أن المطلوب قرار واضح من وزيرة التربية يُلزم المدارس بخفض الأقساط، أسوة بالقرار الذي اتُّخذ أيام الوزير السابق طارق المجذوب، أو أن يُصدر مجلس الوزراء مرسوماً بهذا الخصوص.

أما في ما يخصّ التدقيق بالموازنات، فتساءلت: «كيف يمكن لموظفين اثنين فقط أن يدقّقا في موازنات نحو 1300 مدرسة خاصة؟»، معتبرة أن «التدقيق ليس هو العقبة. يمكن، بكل بساطة، اقتطاع دولارين من قسط كل تلميذ لتمويل عمل فرق التدقيق».

بدوره، أعرب النائب إدغار طرابلسي عن امتعاضه من غياب التفاعل من قبل وزارة التربية والحكومة مع الأسئلة والمساءلات التي قدّمها، والتي تناولت ملفات تربوية أساسية، منها عشوائية الأقساط، وتأخير تشكيل المجالس التحكيمية التربوية.

واعتبر طرابلسي أن الحل الأمثل لضبط هذه الفوضى وإنصاف الأهل، هو تفعيل النموذج الإلكتروني الذي أعدّته مصلحة التعليم الخاص بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، والذي يراعي أحكام القانون 515 وتعديلاته.

وأشار إلى أن هذا النموذج، في حال إقراره في المجلس النيابي، سيسمح بإجراء تدقيق مالي شامل، ويلزم المدارس بالتصريح عن كل الإيرادات والمصروفات، بما في ذلك تلك الخارجة عن الموازنة، ويُغلق بالتالي أبواب «الزعبرة» كافة.