الصحافة

"بلطوا البحر".. للّبنانيّين لا لإسرائيل

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يتجنّب “الحزب” حتّى الساعة الصدام المباشر مع الجيش، كما مع رئاسة الجمهورية، لكنّ قرار المواجهة متّخذٌ وناجز من طهران إلى الضاحية، وفي بوادره رسائل تحذيرية تجاه قوى الأمن الداخلي، امتداداً لاختيار “الحزب” التعبئة ضدّ رئاسة مجلس الوزراء والمملكة العربية السعودية، بوصفهما “العدوّين” الأساسيّين في معركة التمسّك بالسلاح.


مرّ “الحزب” بشيءٍ من الإرباك في صياغة استراتيجية المواجهة حين مضى رئيسا الجمهورية والحكومة في وضع مسألة السلاح على طاولة مجلس الوزراء، لكنّها باتت واضحة الآن: لن يسلّم “الحزب” السلاح. وتحت هذا السقف يصوغ “الحزب” ما شاء من خطاب المواءمات والضرورات، ويبقي على مشاركته في الحكومة، لكن على قاعدة: “قرّروا ما شئتم، لكن نفّذوا إن استطعتم”.

وما من لبسٍ في أنّ القرار متّخذٌ على المستوى الأعلى في إيران. فالسلاح الذي استثمرت فيه طهران لنصف قرنٍ لا يمكن أن يُترك مصيره لورقة أميركية أحاديّة خارج سياق التفاوض معها. وما من وظيفة لزيارة الأمين العامّ لمجلس الأمن القومي الإيراني علي لاريجاني لبيروت سوى إبلاغ من يهمّه الأمر بهذا القرار. فهو أتى ليقول إنّ اللبنانيين “أحرارٌ” باتّخاذ أيّ قرارٍ، بشرط أن يوافق عليه سلاح “الحزب”!

استعادة الانقسام المذهبيّ

على الأرض، بدأت استراتيجية المواجهة تتّضح شيئاً فشيئاً. فالرسالة إلى الجيش وصلت أيّاً تكن ظروف الانفجار الذي استشهد فيه ستّة من عناصره في زبقين (الحزب نفسه لا ينفي وجود تفخيخ في المنشأة، لكنّ الإعلام القريب منه يقول إنّ “الحزب” أبلغ الجيش اللبناني مسبقاً أنّ إسرائيل فخّخت بعض منشآته!). لكنّ الخطاب الإعلامي ما يزال حتّى الآن يتجنّب التصويب على الجيش.

على أنّ اللافت تكرار التصويب على “فرع المعلومات” بشكل مريب في الإعلام القريب من “الحزب”، بالرغم أنّ هذا الجهاز تحديداً “يتلقّى طلبات” من جهات أمنيّة خارجية لاتّخاذ خطوات “لمواجهة حاملي الأسلحة غير الشرعية”، وأنّ في داخل الفرع “مَن لا يمانع اليوم القيام بتحرّكات قد تفضي إلى تداعيات خطيرة”. وتذهب أبعد من ذلك فتتحدّث عن “وهم سعوديّ بأنّ الرياض قادرة على تشغيل “فرع المعلومات” وقوى الأمن الداخلي”.

من الواضح أنّ اختيار “فرع المعلومات” تحديداً لهذه الحملة ليس له أيّ مبرّر تقنيّ. فـ”الحزب” لا يجد برهاناً واحداً على وجود أجندة سياسية خاصّة لهذا الفرع، بل إنّه أثبت بالممارسة على مدى العقدين الماضيين التزامه المهنيّ تحت سقف القرار السياسي الرسمي، وكان الأكثر فاعليّة في كشف شبكات التجسّس الإسرائيلية. ولذلك اختياره هدفاً للتعبئة ربّما ينمّ عن استعدادٍ لاستعادة أجواء ما بعد حرب تمّوز 2006، ما دام الاصطدام بالجيش له محاذيره.



يترافق ذلك مع حملة تخوين ضدّ رئيس الحكومة نوّاف سلام، وتصعيد الحملة الإعلامية على السعودية بما يتجاوز الخطاب المعادي لأميركا وإسرائيل، واتّهام الرياض بأنّها المسؤولة عن كلّ الحراك السياسي الداخلي والخارجي في مسألة السلاح.

تشي هذه الحملة بأنّ “الخطّة ب” لدى “الحزب” للمواجهة في حال إصرار الدولة على المضيّ في قرار حصر السلاح، هي إعادة البلد إلى أجواء الانقسام المذهبي التي سادت في البلاد بين عامَي 2006 و2008، وهي الخطّة نفسها التي واجه بها “الحزب” تداعيات حرب تمّوز 2006 في بيئته، حينما خرج السيّد حسن نصرالله بخطابه الشهير منذراً تلك البيئة “بأنّهم (؟) يريدون إعادتكم عتّالين وماسحي أحذية”، ليستنهض الوجدان الشيعي لخوض معركة الوجود والبقاء.

السّلاح ضمانة الوجود؟

يتكرّر السيناريو اليوم مع رفع عنوان “الخطر الوجودي” في خطاب الأمين العامّ لـ”الحزب” الشيخ نعيم قاسم. والمقصود بالخطر ضمناً في باطن الخطاب وظاهره، الشيعة وليس لبنان. ما يقوله مسؤولو “الحزب” صراحةً أو مواربةً أنّ السلاح ضمانةٌ للطائفة المهدَّدة بعدما استعاد السنّة حكم سوريا. ولا يجد بعض متكلّمي “الحزب” غضاضةً في استغلال أحداث الساحل السوري والسويداء لسوق الدليل على الحاجة إلى ضمانة السلاح، حتّى إنّ بعضهم ذكّر بما حلّ بالمسيحيين حين سلّموا سلاحهم بعد الطائف!

يُدرج في هذا الخطاب كلّ ما تمرّ به الطائفة الشيعية منذ سنة، أي منذ أن بدأت إسرائيل بتصفية قادة “الحزب” العسكريين والسياسيين، وصولاً إلى ذروة الحزن “الكربلائيّ” على فقدان السيّد نصرالله، وامتداداً إلى خسارة سوريا.

يُنتج “الحزب” قضيّة جديدة للشيعة، مستنهضاً بيئته لتقديس السلاح وتحريم نزعه، بوصفه ضمانة لوجود الطائفة ودورها وخروجها من الحرمان إلى المشاركة في الحكم. فما ساقه رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد في مقابلته التعبويّة على قناة المنار، لم يبقَ فيه شيءٌ من الاعتناء بإقامة الحجّة على فاعليّة السلاح في ردع إسرائيل أو ردّ عدوانها، بل بات السلاح بحدّ ذاته قضيّة الشيعة والضمانة لوجودهم. فهو ساوى السلاح بـ”الشرف”، وفضّل الموت على تسليمه. فأيّ معنى بعد ذلك للنقاش في الاستراتيجية الدفاعية وحصر السلاح بيد الدولة؟



بهذا المعنى تكون عبارة “بلطوا البحر” موجّهةً للبنانيين. وأمّا إسرائيل فلا يُقال لها ذلك، وربّما أمرها متروك للتفاوض بين طهران وواشنطن.

المصدر: أساس ميديا
الكاتب: أحمد الراشاني

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا