السوريون الشيعة ضحية مغامرات “الحزب”!
منذ القرن الرابع هجري، انتشر التشيّع في سوريا، وعاش الشيعة هناك تقلبات عدة تبعاً للتغييرات التاريخية التي شهدتها المنطقة نتيجة فتوحات دينية من هنا وهناك، لكن الثابت المؤكّد أن الشيعة كانوا يعيشون في سوريا قبل نظام حافظ الأسد، ولم ينقرضوا يوماً في هذا البلد المتوسطيّ.
لكن مع سيطرة “هيئة تحرير الشام” السنيّة الانتماء بقيادة أحمد الشرع، فرّ كثيرون من هؤلاء الشيعة الذين يشكّلون 12 في المئة من الشعب السوري إلى لبنان، وبلغ عدد الوافدين من خلال المعابر الشرعية وغير الشرعية ما لا يقل عن 100 ألف، في الأيام الأخيرة لنظام بشار الأسد، خوفاً من عمليات انتقامية قد ترتكبها الفصائل السورية المعارضة التي سرعان ما تسلمت السلطة في سوريا وعيّنت الشرع رئيساً للجمهورية في هذه المرحلة الانتقالية.
ويعتبر الاعلامي السوري من الطائفة الشيعية هيثم حمادة أن “هؤلاء الشيعة لم يعودوا يشعرون بأمان إثر تلقيهم تهديدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد سيطرة قوات الشرع على المدن السورية”، على الرغم من اعترافه بأن التهديدات لم توجه اليهم علناً من مقاتلي المعارضة، لذلك قد يكون “التخويف” متعمّداً من فصائل أخرى أو أحزاب تريد أن تظهّر صورة غير حضارية لـ “هيئة تحرير الشام” التي حلّت وأصبحت قوى عسكرية رسمية في سوريا.
والمؤسف أن كثراً من السوريين الشيعة راهنوا على مشروع ايران و”حزب الله”، ومارسوا الاستقواء في مرحلة الأسد على مكوّنات أخرى من الشعب السوري، لذلك ليس مستبعداً أن يشهد بعض المناطق التي يعيش فيها الشيعة عمليات انتقامية، كما يقول صحافي سوري مقرّب من الحكم الجديد الذي يتولاه الشرع.
يشبه وضع الشيعة السوريين أوضاع العلويين والمسيحيين وكل الأقليات، ويعتبر الصحافي السوري أن الشرع وعد هؤلاء في مناسبات عدة بالمحافظة عليهم، وهو يجهد لتلميع صورته في عيون المجتمع الدولي، لكن على أرض الواقع يؤكّد حمادة أن حوادث مؤلمة سجّلت في سوريا دفعت بآلاف الشيعة إلى النزوح نحو لبنان، بعد أسر أكثر من 200 عائلة شيعية وسبيها ونقلها إلى إدلب.
ويشير إلى أن الشيعة منتشرون في عدة قرى وبلدات في محافظة إدلب مثل الفوعة وكفريا وكذلك في بعض قرى حلب مثل نبل والزهراء. أما في محافظة حمص فيعيشون في مدينة حمص و56 قرية وبلدة مثل الغور الغربية والدلبوز وأم العمد وجنينات، وحتماً حول مقام السيدة زينب، ولديهم مقامات دينية أخرى مثل مقام رأس الحسين بن علي بن أبي طالب وقبر عبد الله بن باهر ومرقد الصحابي حجر بن عدي الكندي وقبر السيدة رقية بنت الحسين وقبر السيدة سكينة بنت الحسين ومقام السيدة أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ومقام السيدة فاطمة بنت الحسين.
ويوضح حمادة أن عدداً كبيراً من الشيعة فرّ خلال سقوط نظام الأسد إلى المناطق الريفية، وعندما عاد إلى بيوته كان الكثير منها منهوباً ومحترقاً، وتعرّض لمداهمات من مسلّحين ملثمين، لذلك توجّه العديد منهم إلى لبنان، بل دخلوا اليه من دون أن يتمموا إجراءات التختيم لدى الأمن العام اللبناني. ولا يُعرف حتى اليوم أعداد هؤلاء والمناطق التي نزحوا اليها!
إلا أن هذه المعلومات، تقابلها معلومات أخرى، وتفيد بأن كثراً من الشيعة السوريين بقوا في منازلهم، وأثنوا على الرئيس الشرع الذي بذل جهوداً كبيرة لحمايتهم، معتبرين أنهم أقليات ولم يكن لديهم خيار سوى الوقوف مع الأسد عندما كان رئيساً، ولا هدف لديهم الآن سوى العيش باستقرار في سوريا موحّدة في ظل الحكومة الجديدة، وهذا ما يؤكّده الصحافي السوري المقرّب من السلطة الجديدة.
ويرى الاعلامي المقرّب من الشرع أن ايران و”الحزب” جنيا على الشيعة عبر تصويرهما سوريا محوراً للجهاد الشيعي الدولي، وهذا ينطوي على سوء فهم حرّك عواطف شيعة سوريا وورّطهم في النزاع. فإيران تنطلق أساساً من حسابات سياسية، وقد استثمرت في سوريا في إطار جهودها الاقليمية الهادفة إلى إرساء دائرة نفوذ واسعة قدر الإمكان.
واللافت أن بعض الشيعة السوريين يميل إلى “حزب الله” طمعاً بحمايته له، وهو شجّعهم على النزوح إلى لبنان، لذلك على الرغم من محاولات الدولة اللبنانيّة ضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية مع الدولة السوريّة، إلا أن ضغط النازحين الشيعة الهاربين من سوريا باتجاه لبنان أفشل كل خطط إغلاق الحدود أو ضبط الدخول لمن يستوفي الشروط القانونية، وبحسب حمادة فإنّ أعداد الشيعة الذين وفدوا إلى لبنان بعد سقوط النظام السوري تجاوزت الـ 100 ألف، بينما أعداد العائدين من السوريين الذين هربوا من الأسد لم تكن على قدر الآمال، علماً أن عدداً كبيراً من العائدين ذهب إلى سوريا لتفقد أموره فيها ولم يُخرج عائلته التي بقيت في لبنان، ما يعني أنّه لا ينوي العودة الى بلاده للاستقرار فيها. وليس سراً أن “الحزب” الذي يعمل على الخط الديماغوجي في لبنان، قد يستغل وجود الشيعة السوريين في لبنان للمزيد من عرض العضلات، فيما المطلوب توفير عودة موثوقة إلى بلداتهم وقراهم في سوريا، والكفّ عن استغلالهم.
لا بد من الاعتراف بِأن سوريا التي بقيت أعواماً طويلة تحت حكم عائلة الأسد، وشهدت حرباً طويلة، لا تزال تفتقر إلى ثقة بعض الأقليات الذي عاش فيها دهوراً كالشيعة والمسيحيين والعلويين والأكراد، إلا أن الرئيس الجديد أحمد الشرع لا يوفّر جهداً لبناء أرضية ثابتة لنظام جديد يحترم كل المكوّنات، هذا ما وعد به، ويعاينه عن كثب المجتمع الدولي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|