الصحافة

أسرار "حزب الله" من صغاره

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

خذوا أسرارهم من صغارهم. هكذا يقول المثل الشعبي اللبناني. ينطبق هذا المثل اليوم حرفياً على "حزب الله" وجمهوره، أو "بيئته"، كما تسمى. وقد ظهر ذلك جلياً في لحظات "غضب الأهالي" على طريق المطار وفي محيطه. من "شيعة شيعة شيعة" إلى "يا زهراء ويا حسين الشيعة احتلوا لبنان"، إلى حرق العلم اللبناني، والتهديد بـ"تفجير" الآخر، إلى تلاوة اللعنات الإلهية على رئيسي الجمهورية والحكومة (من امرأة لا تعرف، وهذا ليس صدفة، اسم رئيس جمهوريتها).

هذه التعابير والجمل ليست أبداً لحظات تفلّت ولا لحظات تخلٍ من مواطنين غاضبين بل بالعكس تماماً هذه "الأسرار"، هي الحقيقة المطلقة، المعبّرة عن عقيدة "الحزب" وتعاليمه والوجدان الذي سعى لترسيخه داخل بيئته. لحظات الغضب هي الأصدق وقد ظهر بعضها سابقاً في "تفلّت" فيديوات لمقاتلي "الحزب" في سوريا. "الحزب" بهذا المعنى هو نفسه حزب الثمانينات مع أنه حتى الخطابات في تلك المرحلة كانت تخفي الجانب الطائفي الحاد للتنظيم. أما الكلام الرسمي لـ "الحزب" ومسؤوليه طيلة عقدين من الزمن، المعدّ سلفاً وبدقّة وفق برنامج ذات أهداف استراتيجية، فهو الخديعة الكبرى.

لا شك أن الحزب نجح في العقدين الأخيرين في صناعة أحد أكبر عمليات الـ rebranding في تاريخ التنظيمات العقائدية، إلا أن هذا الجهد ارتكز على التفرقة المنظمة بين الحفاظ على المعتقدات بحرفيتها في الداخل الحزبي وصياغة خطاب وسلوك سياسي يظهر لبقيّة اللبنانيين. هذا كان جزءاً أساسياً من "عبقريّة" حسن نصرالله، إن جاز التعبير. يحارب في ثلاث دول عربية كجزء لا يتجزأ من الحرس الثوري الإيراني، إلا أنه ينجح في جعل كتّاب ومثقفين يحاضرون في مسار "لبننة الحزب". يربّي بيئة كاملة على الحقد والثأر وشيطنة الآخر، ويحاضر بالوحدة الوطنية واللاطائفيّة ومنع الفتنة حتى عندما جاهر بكونه "جندياً في جيش ولاية الفقيه" وجد من يعطي التعبير بعداً إيمانياً لا يتعارض مع الوطنية اللبنانية.

صحيح أن كل الأحزاب وخصوصاً العقائدية منها تقول شيئاً في السر وفي العلن شيئاً آخر، إلا أن الفوارق تعتمد حصراً على عنصر "اللياقة العامة"، أي ما هو مسموح في حفلة التكاذب اللبناني المتبادل. ولهذا لم نرَ حتى في أصعب الظروف مناصرين لأحزاب أخرى يعبّرون عن منظومة فكرية بعيدة كل البعد عن المنهج الرسمي لأحزابها. ذلك لأن الأحزاب الأخرى لا تقوم على تعايش قسري بين رؤيتين ومنطقين مختلفين تماماً، كما حال "حزب الله".

أي أن ما كان يسمى "براغماتية الحزب" في التعامل مع الوضع اللبناني، لم يكن يوماً إعادة نظر في جوهر المشروع ومنطقه وأدبياته، بل تعديلاً شكلياً في كيفية الوصول إليه وطبيعة التعبير الرسمي والعلني عنه.

يأخذنا هذا الكلام بطبيعة الحال إلى النقاش حول كيفيّة التعامل مع "حزب الله" وبيئته في هذه المرحلة بالذات.

يروّج "الحزب" عبر ماكنته الإعلامية غير الرسمية لنظرية مفادها أن "خنق البيئة" و"عزلها" سيؤديان إلى "انفجار كبير" و"الحرب الأهلية" وبالتالي على الجميع "احتضانها" و "عدم استفزازها". والاحتضان هنا هو الاسم الحركي للحفاظ على امتيازات غير شرعية وغير دستورية.

بغض النظر عن أحقيّة هذا الطرح من عدمه على المستوى النظري، فإن أي فهم موضوعي ودقيق لثلاثة اعتبارات يفترض أخذ الدولة والمجتمع إلى منحى معاكس تماماً لاتجاه الحزب وبيئته.

الاعتبار الأول هو طبيعة الحزب العقائدية، والتي تعمل على استغلال أي لين من قبل خصومها لأجل تثبيت قناعتها بفوقيّة العقيدة.

الاعتبار الثاني هو تاريخ التجربة السياسية اللبنانية منذ العام 2005، والتي أثبتت بما لا يقبل الشك أن "الاحتضان" لا يحقق إلا انهيار مشروع الدولة بالكامل.


والاعتبار الثالث هو مسار تعامل مجموعة من الدول المنقسمة طائفياً مع حالات شبيهة بـ"حزب الله" (مع فوارق جوهرية لا يتّسع المقال هنا لمناقشتها)، من جنوب أفريقيا (الحزب القومي) إلى البوسنة (الحزب الصربي) إلى شمال إيرلندا (الحزب الجمهوري).

إن كل هذه التجارب مع "المهزومين" من المعتدين العقائديين تثبت بما لا يقبل الشك أن "الاحتضان" يجب أن يكون مشروطاً، والمقاربة يجب أن تكون حازمة وصارمة. وفق هذه القواعد الثلاث تصاغ استراتيجيّة متكاملة للتعامل مع هزيمة "حزب الله" العسكرية وضرورة إعادة جمهوره (عاجلاً أم آجلاً) إلى الفضاء الدولتي اللبناني، وليس على قاعدة لا الخوف ولا العاطفة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا