الصحافة

السعوديّة تتوسّط “قطبَيْ” العالم

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

فادي الأحمر - اساس ميديا
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تربّعت الولايات المتّحدة الأميركيّة على عرش القطب الأوّل في العالم. ومنذ وصوله إلى السلطة (عام 2000) يسعى فلاديمير بوتين إلى استعادة بلاده موقع القطب الثاني الذي خسرته بخسارتها الحرب الباردة. يوم الثلاثاء الفائت استضافت المملكة العربيّة السعوديّة اجتماع “القطبيْن” لإنهاء الحرب في أوكرانيا. تعكس هذه الاستضافة الموقع الجيوسياسيّ الجديد الذي تحتلّه المملكة في العالم.

دور جديد للمملكة في العالم

استضافت الرياض الاجتماع الأوّل بين الولايات المتّحدة الأميركيّة وروسيا، على مستوى وزيرَي خارجيّة كلّ من البلدين، من أجل إيجاد حلّ للحرب في أوكرانيا التي اندلعت منذ ثلاث سنوات. وهو ما يعكس نيّة البلدين الجديّة في إيجاد حلّ سريع لهذه الحرب التي استنزفت الخزينة الأميركيّة بأكثر من 100 مليار دولار، ودونالد ترامب وعد بإنهائها سريعاً في حال انتخابه.

من جهتها روسيا لم يعد بإمكانها الاستمرار في “العمليّة الخاصّة” في أوكرانيا التي أرهقت اقتصادها وجعلت الروبل يتراجع أكثر مقابل الدولار الأميركيّ، وأدّت إلى خسارة عشرات آلاف الشباب الروس، دافعةً بوتين إلى الاستعانة بجيش “صديقه” كيم يونغ أون زعيم كوريا الشماليّة، واستنزفت الاحتياط العسكريّ للجيش الأحمر، فاضطرّ إلى شراء الصواريخ والمسيّرات من كوريا الشماليّة وإيران.

يؤسّس الاجتماع لمرحلة جديدة في العلاقات الأميركيّة – الروسيّة والعلاقات الأميركيّة – الأوروبيّة بسبب غياب الاتّحاد الأوروبيّ عنه، ولمرحلة جديدة في الصراع الروسيّ – الأوروبيّ. ويؤسّس أيضاً لدور جديد للمملكة على مستوى العالم.

السّعوديّة تتوسّط الكبار

معبّرة جداً صورة وزير الخارجيّة السعوديّ جالساً إلى رأس الطاولة وإلى يمينه ماركو روبيو، وزير الخارجيّة الاميركيّ، وإلى يساره سيرغي لافروف، وزير الخارجيّة الروسيّ. المملكة تتوسّط كبار العالم. إضافة إلى وزراء الخارجية الثلاث، حضر الاجتماع عن الجانب الأميركي مستشار الأمن القوميّ مايك والتز ومبعوث البيت الأبيض إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف. وعن الجانب الروسيّ حضر المستشار الدبلوماسيّ للكرملين يوري أوشاكوف. وحضر الاجتماع مستشار الأمن الوطنيّ السعوديّ مساعد العيبان.

ليست مسألة عابرة أو صدفة اختيار كلّ من الولايات المتّحدة الأميركيّة وروسيا العاصمة السعوديّة مكاناً لاجتماعهما ومناقشة الحرب التي هدّدت باندلاع حرب عالميّة ثالثة، وهدّدت الأمن الغذائي العالميّ، وأدّت إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسيّة في العالم… يعود لعب المملكة لهذا الدور إلى أسباب جيوسياسيّة راكمتها منذ تبوّأ الملك سلمان العرش، وخاصّة منذ وصول نجله الأمير محمد بن سلمان إلى مركز وليّ العهد.

الموقع الجيوسياسيّ للمملكة

ساهم الموقع الجيوسياسي للمملكة في جلوسها إلى جانب الكبار، وذلك بسبب:

1- موقف المملكة من هذه الحرب الذي ارتكز على القانون الدوليّ من جهة، وعلى الواقعيّة السياسيّة من جهة أخرى. فمنذ بداية الحرب في شباط 2022 رفضت المملكة الغزو الروسي لأوكرانيا لأنّه يتعارض مع القوانين والمواثيق الدوليّة. وفي الوقت نفسه كانت متفهّمة للمخاوف الروسيّة من تمدّد حلف شمال الأطلسيّ إلى حدودها بانضمام أوكرانيا إليه.

2- فيما انقسم العالم بسبب هذه الحرب، حافظت المملكة العربيّة السعوديّة على موقفها المحايد إيجابياً من هذه الحرب. فمن جهة لم تشارك في العقوبات ضدّ روسيا، ولم ترضخ للضغوط الأميركيّة لزيادة إنتاج النفط بهدف تخفيض أسعاره، الذي بدوره سيؤدّي إلى تراجع إيرادات روسيا منه لشلّ قدرتها على تمويل حربها. ومن جهة أخرى قامت المملكة بتقديم مساعدات إنسانيّة لأوكرانيا فاقت 400 مليون دولار. ودعا الأمير محمد بن سلمان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى أن يكون ضيف شرف في القمّة العربيّة التي عقدت في جدّة في شهر أيار 2023.

3- نجاح المملكة في لعب دور الوساطة في عمليّات تبادل أسرى بين أطراف النزاع أدّت إلى إطلاق عشرات الأسرى من جنسيات أميركيّة وروسيّة وبريطانيّة وأوكرانيّة، إضافة إلى أسرى من جنسيّات أخرى.

4- علاقة الثقة التي بناها الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب منذ ولاية هذا الأخير الأولى. وبنى الأمير الشابّ علاقة ثقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ إبرام اتّفاق “أوبك +” واستمرار المملكة فيه على الرغم من الضغوط التي مارستها واشنطن لإنهائه. من جهة أخرى لم تنضمّ السعوديّة إلى مجموعة “بريكس”  التي بدا اجتماعها الأخير موجّهاً ضدّ الولايات المتّحدة الأميركيّة.

5- أبعد من الحرب الأوكرانيّة، ساهم تموضعها السياسيّ على المستوى العالميّ منذ أكثر من عقد من الزمن في استضافة المملكة المفاوضات الأميركيّة – الروسيّة. فالمملكة الحليفة التقليديّة والثابتة لواشنطن منذ اتّفاق كوينسي (1945) لا تريد أن تكون دولة تابعة لأميركا أو تحت حمايتها. فهي قوّة إقليميّة لها موقعها العالميّ وترتكز على عناصر قوّتها الجيوسياسيّة التي لا تنحصر بالنفط (بامتلاكها ثاني أكبر احتياط عالميّ منه ولأنّها أكبر منتج ومصدّر له).

بين غزّة وأوكرانيا

ليس بعيداً من الموقع الجيوسياسيّ للمملكة سَرَت تسريبات بأنّ دونالد ترامب اختار المملكة مكاناً لاجتماع مساعديه بالروس، الذي سيتبعه اجتماع قمّة يجمعه بفلاديمير بوتين ربّما آخر الشهر الجاري أو مطلع شهر آذار، “لغاية في نفس يعقوب”، كما يقول المثل الشائع. فهو يريد تأييد المملكة لخطّته في غزّة، واستعادة مسار السلام بين إسرائيل والعرب الذي لن يُنجز دون توقيع المملكة اتفاقية السلام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.

لكنّ جواب المملكة جاء قبل الاجتماع في قصر الدرعيّة. فقد أكّدت وزارة الخارجيّة في بيانين رفضَها خطّة ترامب تهجير الفلسطينيين من غزّة وتوزيعهم على مصر والأردن. وما دفع المملكة إلى التشدّد أكثر في موقفها، هو جرأة رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو على القول إنّ “السعوديّة لديها مساحات شاسعة وبإمكانها إقامة دولة فلسطينيّة عليها”.

الغائب الأكبر عن اجتماع الدرعيّة هي أوروبا، وربّما الخاسر الأكبر ستكون أوكرانيا…

وللكلام تتمّة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا