"ماكينزي" أسرع "وصفة" للنهوض على مائدة الحكومة
كبيرة هي ورشة الإصلاح التي تنتظر الحكومة، ومخطئ من يظن أنّ تلك الإصلاحات، منفردة، ستتمكّن من إعادة لبنان إلى سكة التعافي الاقتصادي مجدداً من دون إجراءات أخرى إضافية لا بد أن ترافقها، وعلى رأسها: بناء "هوية اقتصادية" جديدة للبنان.
النموذج الاقتصادي اللبناني القائم بمجمله على الخدمات القديمة، قد مات. خصوصاً بعد المتغيّرات الإقليمية التي طرأت على المنطقة وستطرأ... بدءاً بانهيار النظام السوري وظهور بوادر نظام اقتصادي سوري منفتح بخلاف ذاك السابق "الاشتراكي"، ووصولاً إلى مشروع "الممر الاقتصادي" الذي تهندسه الولايات المتحدة مع دول الخليج والهند وإسرائيل، ويقال إنه سيحوّل الشرق الأوسط إلى "أوروبا الجديدة".
كل هذا يفترض أن يدفع الحكومة صوب التفكير بعمق واستغلال أمدها الضيّق (15 شهراً) لرسم "خارطة طريق" اقتصادية لأيّ حكومة تأتي من بعدها. فالوقت الضيّق لا يسمح برسم خطط جديدة، إذ يمكن لحكومة الرئيس نواف سلام البحث في الأرشيف من أجل الاستفادة من مجهود الحكومات السابقة (إن وُجد) والبناء عليه.
خطة "ماكينزي" القطاعية قد تكون ذاك "الترياق"، لما تتضمّنه من رؤية متطورة. ربما تكون الخطة بحاجة إلى بعض التعديلات في الأرقام، لكن "هيكلها العظمي" ما زال صالحاً ويمكن الانطلاق منه في لعبة "حرق المراحل".
ماذا في "ماكينزي"؟
الخطة تشمل 6 قطاعات أساسية، هي "الدجاجة" التي يُفترض أن تبيض ذهباً للبنان، ولا مناص من التذكير بها، وفق الآتي:
القطاع الزراعي: لا شكّ أنّ هذا القطاع معاناته كبيرة، أسبابها ثلاثة.
1. صغر مساحة الأراضي الزراعية وارتفاع أسعارها.
2. نقص تمويل.
3. ارتفاع أكلاف الزراعة.
انخفضت مساهمة القطاع الزراعي في الناتج المحلي خلال العقدَين الماضيَين، وباتت قيمة الصادرات الزراعية متواضعة جداً نسبة لحجم الاقتصاد الوطني. خلال الأزمة عاد وانتعش قليلاً القطاع نتيجة الحاجة إلى العملات الصعبة... من هنا يمكن الانطلاق. إذ أوصت "ماكينزي" بضرورة تحسين القطاع وتعزيزه لمواجهة التحديات، وكذلك زيادة إنتاجية صغار المزارعين عبر تبني التكنولوجيا والأساليب الزراعية الحديثة، وتغيير أنواع البذور المستخدمة، ودعم المزارعين التجاريين لتعزيز قدرتهم أكثر وأكثر على التصدير، من خلال تحسين معايير الجودة والانتقال إلى محاصيل ذات قيمة عالية عبر اعتماد التكنولوجيا.
اقترحت "ماكينزي" زراعة القنب الهندي (الحشيشة) لأغراض طبية، والتي باستطاعتها تأمين إيرادات سنوية يقال إنّها قد تصل إلى أكثر من مليار دولار سنوياً... لكن بعض التقديرات تتحدث عن أكثر من ذلك بكثير.
القطاع الصناعي: هذا القطاع انخفضت مساهمته كثيراً من الناتج المحلي على غرار الزراعة، وهو يواجه اليوم تحديات تعود إلى:
1. ضعف القدرة التنافسية وتواضع مهارات اليد العاملة.
2. ارتفاع تكلفة الإنتاج وعدم وجود مناطق صناعية.
لا تتجاوز قيمة الصادرات الصناعية اللبنانية سنوياً قيمة 2.5 مليار دولار في أفضل تقدير (إحصاءات العام 2023). وعليه، أوصت "ماكينزي" بالتركيز على 4 صناعات مستقبلية، وهي: تصنيع الأغذية، والمنتجات ذات القدرات التسويقية مثل العطور ومستحضرات التجميل، وكذلك صناعة الأدوية، وأنظمة البناء الحديثة كالأبنية المسبقة الصنع، كما أوصت بإنشاء 4 مجمعات صناعية (خصوصاً الصناعات التحويلية) لتكون قادرة على المنافسة إقليمياً... وقد نكون بأمسّ الحاجة إليها مع قرب انطلاق ورشة إعادة إعمار سوريا، التي ستستغرق ما لا يقلّ عن 10 سنوات.
القطاع السياحي: يشكّل نحو 5% من الناتج المحلي، وبدوره يواجه تحديات تعود إلى رداءة البنى التحتية، وارتفاع أسعار تذاكر السفر ومحدودية الغرف الفندقية. لذلك أوصت "ماكينزي" بتعزيز أعداد السياح من خلال رفع التنسيق السياحي مع 14 دولة أوروبية وعربية، إضافة إلى الدول التي تضم أكبر عدد من أفراد الجالية اللبنانية بوصفها روافد للعملة الصعبة، و"شرياناً" سياحياً متواصلاً (مثل: البرازيل، الولايات المتحدة، كندا، أستراليا...).
أوصت "ماكينزي" كذلك، بتعزيز الخدمات السياحية في 3 وجهات رئيسية وقد تمّ تحديدها on the spot فور الانطلاق بالخطة، مع تطوير السياحة المتخصصة مثل: السياحة البيئية والعلاجية وسياحة رجال الأعمال والسياحة الدينية.
قطاع اقتصاد المعرفة: يمثّل هذا القطاع حالياً أقل من 2% من الناتج المحلي، وقالت "ماكينزي" في حينه أنّه يؤمّن قرابة 8 آلاف فرصة عمل، يمكن زيادتها اليوم نتيجة التطور التكنولوجي ودخول مرحلة "الذكاء الصناعي". لكن في المقابل يواجه قطاع المعرفة تحدّيات جمّة، تعود إلى:
1. ضعف التسويق والتمويل والأبحاث.
2. غياب القوانين والمراسيم الناظمة.
3. انخفاض أعداد براءات الاختراع.
4. تدنّي مستوى البنى التحتية (خصوصاً خدمة الإنترنت التي يعتمد عليها القطاع برمته).
يُعدّ اقتصاد المعرفة من الاقتصادات الواعدة، ويمكنه أن يؤدي دوراً كبيراً في بناء هوية الاقتصاد المستقبلي، وذلك من خلال الاستفادة من التكنولوجيا من أجل ترسيخه "وجهة إقليمية" لتقديم خدمات عدة مثل خلق تطبيقات الهواتف، والتعاقد الإلكتروني مع الخارج، خصوصاً إن استفاد من التقنيات الحديثة مثل الـ Blockchain التي سوف تستخدم مستقبلاً بكل شيء (في عملية حفظ بيانات المصارف، والشركات والمعاملات الذكية للحكومات)، وعليه فإنّ هذه الخطوة قد تحوّل لبنان إلى مركز إقليمي لتقديم تلك الخدمات والبحوث والتحليلات.
قطاع الخدمات المالية: يشمل القطاع المصرفي وقطاع التأمين وأسواق رأس المال. إذ توصي "ماكينزي" بتطوير خدماته والانتقال به إلى زمن الخدمات الرقمية. في حينه أوصت "ماكنزي" بالعمل على تطوير القنوات الرقمية في القطاع المصرفي، لتعزيز نمو القطاع وتوفير خيارات متنوعة للزبائن (يمكن إطلاقه خلال ورشة هيكلة المصارف)، وتطوير قطاع الخدمات المالية، بغية جعل لبنان وجهة رئيسية لإدارة الاستثمارات والخدمات المصرفية الخارجية، مع التركيز على الزبائن من أصحاب الثروات الكبيرة. وإنشاء مراكز متخصصة مثل مراكز أبحاث تختص بمجال الأسهم والعملات الرقمية والدراسات المالية.
قطاع الانتشار: أوصت "ماكينزي" بتعزيز التواصل مع المغتربين، والاستفادة من شبكة المنتشرين في الخارج، وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول الانتشار، لجذب الاستثمارات إلى لبنان. فهولاء يساهمون منذ بداية الأزمة إلى اليوم برفد الداخل اللبناني بما يوازي نصف ميزان المدفوعات.
في حينه، توقعت "ماكنزي" أن تساهم خطتها في زيادة النمو بالناتج المحلي، وزيادة حصّة تلك القطاعات لتفوق ثلث هذا الناتج. كما توقعت أن تخلق الخطة ما يزيد على 370 ألف فرصة عمل في العام الواحد تتوزّع على الشكل الآتي: 50 ألفاً في القطاع الصناعي، و25 ألفاً في القطاع الزراعي، و100 ألف في القطاع السياحي، و60 ألفاً في قطاع اقتصاد المعرفة، و50 ألفاً في قطاع الخدمات المالية.
وعدت الخطة كذلك بأن حُسن التطبيق سيساهم بخفض الدين العام، وبالتالي وصول العجز في الموازنة العامة (بأرقامها الصحيحة وليس المشوهة طبعاً) لهامش قد لا يتعدى 3%... وهو فعلاً ما نصبو إليه اليوم في كل نقاشاتنا وحواراتنا مع المجتمع الدولي وصندوق النقد.
ولا مبالغة في القول إنّ خطة "ماكينزي"، إذا اعتُمدت، سوف تعزّز من قدرة الدولة على سدّ ديونها والمساهمة في آلية استرداد الودائع في ما لو استقرّ الرأي على إشراك الدولة في "وصفة" توزيع المسوؤليات والخسائر.
خطة "ماكينزي" مع بعض التعديلات أو الإضافات المحلية إليها، هي فرصة، على الحكومة ألاّ تضيعها، خصوصاً أنّها بتبنيها سوف تختصر الوقت، وتقدّم نموذجاً جديداً لمبدأ استمرارية الحكم، ولبديهية الاستعانة بجهود الأسلاف في ما لو كانت تلك الجهود بناءة ومثمرة بالفعل. لأنّ من بين أزماتنا كذلك، الظنّ أنّ "كل جديد جيد"... وهذا ليس بالضرورة صحيحاً.
عماد الشدياق-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|