الصحافة

إنهاء بدعة التعاقد أول الإصلاحات التربوية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

التعاقد في التعليم الرسمي من أبرز القضايا الشائكة التي ستواجه وزيرة التربية ريما كرامي. ستقف الوزيرة الجديدة، كمن سبقوها، أمام تحدي اتخاذ قرارات مدروسة تمنع استمرار تدهور التعليم، ولا تحمّل في الوقت نفسه المعلمين المتعاقدين وزر أخطاء لم يرتكبوها، بل أتت نتيجة تراكمية لسياسة التعاقد الوظيفي، وهي سياسة رسمية للدولة منذ مؤتمر باريس ـ 3 عام 2007.

وبينما يطفو الكلام مجدداً عن توجهات لدى الحكومة وصندوق النقد الدولي لتقليص موظفي القطاع العام، تفتقد وزارة التربية إلى «داتا» دقيقة حول إعداد المعلمين في التعليم الرسمي وتوزيعهم على الملاك والتعاقد بمختلف مسمياته (تعاقد وفقاً للأصول، مستعان بهم قبل الظهر، تعاقد على حساب صندوق المدرسة والبلديات والجمعيات ورجال الأعمال وغيرها من الجهات التي توفر أساتذة متعاقدين للمدارس الرسمية)، والأعمال الإدارية.

فالدراسات الإحصائية في الوزارة والمركز التربوي للبحوث والإنماء والروابط تقدم أرقاماً متضاربة، وإن كانت تتقاطع حول أن عدد المعلمين المتعاقدين بكل تسمياتهم يفوق الـ65 في المئة من الجسم التعليمي في التعليم الأساسي على وجه الخصوص. أما إذا أخذنا في الحسبان أن أكثر من 60 في المئة من معلمي الملاك (نحو 8000 معلم) يزاولون أعمالاً إدارية كمديرين ونظّار ومنتدبين إلى الوزارة والمناطق التربوية، فإن عدد معلمي الصفوف من المتعاقدين قد يلامس الـ 80 في المئة.

وفي وقت يجري الحديث عن نقص في أعداد المعلمين في الصفوف، لا تتوقف قرارات سحبهم من التعليم، وليس آخرها في آب الماضي بانتداب 150 معلماً من ملاك التعليم الأساسي والمهني لملء الشغور وإطلاق عجلة العمل الإداري في تعاونية موظفي الدولة وفي الدوائر العقارية.

ونتيجة هذه السياسات، ولدت حاجة واقعية إلى التعاقد في المدارس بالنظر إلى أعداد المعلمين المتقاعدين سنوياً (نحو 1000 في التعليم الأساسي الرسمي)، وإن كانت هذه متضخمة أحياناً بسبب الزبائنية السياسية والمحاصصات الطائفية، بعيداً عن الكفاءة العلمية.

لكن هذا الواقع يفسر أيضاً ما واجهته الوزارة والمناطق التربوية، في السنوات الأخيرة، لدى حدوث شغور في الإدارات المدرسية، كأن لا تجد معلماً واحداً في الملاك يتولى إدارة المدرسة، كما حصل في مدرسة وادي خالد ومدرسة علما الشعب وغيرهما.

ليس طبيعياً أن يتحول التعاقد من حالة استثنائية طارئة غير صحية وغير مدرجة في النظام الداخلي للمدارس الرسمية إلى أن يكون هو القاعدة في التوظيف، وبالتالي يصبح التعليم أسيراً ليس للقيود السياسية فحسب، إنما أيضاً، لمصالح مديري المدارس الذين يستسهلون استقدام معلمين على أساس التنفيع الشخصي غالباً.

الأهم أن وزارة التربية تدرب المعلمين المتعاقدين من دون أن تكون لها أي سلطة عليهم، فلا تستطيع أن تطبق مبادئ الحوكمة، وأن تراقبهم، وأن تتخذ إجراءات عقابية بحقهم. والعبء المالي المترتب على التعاقد مرده غياب القرار السياسي، طوال العقود الماضية، بإنهاء هذه البدعة واستمرار مقاربة الملف بطريقة شعبوية. فهل وزارة التربية اليوم جادة في ضخ دم جديد ضمن رؤية تنصف المتعاقدين إنسانياً وتراعي سنوات خبرتهم الطويلة التي تزيد على 20 عاماً؟ ومن يتحمل مسؤولية السياسات المعتمدة من الوزارات المتعاقبة؟

تقترح رابطة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي مشروعي قانونين أحدهما لتثبيت المتعاقدين من دون مباراة عبر مجلس الخدمة المدنية والثاني لتفرغ المعلمين على غرار التفرغ في الجامعة اللبنانية. لكن هذه الطروحات ستصطدم بحواجز كثيرة لها علاقة بعمر المعلمين واستثناء المتعاقدين القدامى والتوزيع الطائفي ونوع الشهادة، خصوصاً أن هناك معلمين لا يدرّسون المواد التي تخصصوا فيها. الملف مرهون بوجود إرادة سياسية للحل الذي يمنح استقراراً للمدرسة الرسمية وقد يضر بمصالح أصحاب المدارس الخاصة.

هل تملك وزيرة التربية تصورَ حلٍّ لهذه القضية؟ وهل ستوازن بين الأولويات المطلبية من رفع أجر الساعة والحوافز من جهة والحلول البعيدة المدى من جهة ثانية؟ وهل سترجح خيار المباراة عبر مجلس الخدمة المدنية أم ستدرس طلب المعلمين بدراسة الملفات وفقاً للخبرات التي راكموها وسنوات خدمتهم وكفاءتهم وتحافظ على مكانهم في الوزارة إما في التعليم أو الإدارة؟

رئيسة رابطة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، نسرين شاهين، قالت إن الرابطة ستحمل طروحاتها لحل الملف إلى كل المعنيين، وإنها لمست من كرامي «جدية لمتابعة ليس فقط الأولويات المطلبية الحالية إنما أيضاً كان هناك تأكيد عدم إهمال الحلول الجذرية للملف وتطوير وزارة التربية».

مطلوب اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إجراء إصلاحات جدية وجذرية، وعلى رأسها إنهاء بدعة التعاقد. صحيح أن هذه المشكلة قديمة - جديدة ولا يمكن معالجتها فوراً، وأي وزير مهما أوتي من دعم وقوة لا يملك عصا موسى لحلها، إنما لا بد من الانطلاقة على طريق الألف ميل، وأولى الخطوات توحيد مسميات المتعاقدين ووجهة قبض مستحقاتهم وآليات التعاقد معهم.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا