المزيد من الضغوط الماليّة الخارجيّة: مسار الإنقاذ صعب
على بُعد شهر ونصف الشهر من نهاية العام، تستمر جميع المؤشّرات الماليّة والنقديّة بتسجيل الأرقام التي تظهر اشتداد الضغوط الخارجيّة، على الوضع الداخلي الهش والمنهار أساسًا. وبين تداعيات هذه الضغوط، وأثر تغييب المعالجات الهيكليّة على مدى السنوات الثلاث الماضية، يبدو أن مسار الإنقاذ المالي سيزداد صعوبة خلال الفترة المقبلة. فالأرقام التي نشرها مصرف لبنان خلال الأيّام الماضية تظهر ازدياد ضغط الحاجة للدولار، بفعل التحوّلات الاقتصاديّة العالميّة، فيما تزداد فجوات النظام المالي المحلّي وتتضاءل قدرته على التعامل مع هذه التحديات. وفي جميع الحالات، من المفترض أن نترقّب الميزانيّة النصف شهريّة لمصرف لبنان يوم الأربعاء المقبل، لترقّب آخر مستجدات السياسة النقديّة، وحركة المصرف الماليّة في سوق القطع.
3 مليارات دولارات خرجت من النظام المالي في 2022
وفقًا لأرقام مصرف لبنان هذا الأسبوع، ارتفع عجز ميزان المدفوعات هذه السنة ليتجاوز حدود الثلاثة مليارات دولار أميركي لغاية شهر أيلول الماضي، أي خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022. مع الإشارة إلى أنّ هذا العجز لم يكن يتجاوز حدود 1.58 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، ما يعني أنّ هذا العجز ارتفع بنسبة 90% بين الفترتين. وكما هو معلوم، يعكس هذا المؤشّر الفارق بين السيولة الخارجة والواردة إلى النظام المالي المحلّي خلال فترة معيّنة، ما يشير إلى ضغط الطلب المحلّي على الدولار الأميركي.
ومنذ بداية العام، كان واضحًا أنّ ارتفاع معدلات التضخّم العالميّة يزيد من وطأة استنزاف الدولارات والحاجة إليها، وخصوصًا بعد ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائيّة الذي أعقب اندلاع الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما انعكس دائمًا في أرقام ميزان المدفوعات. لكن كما هو واضح، ومع اقترابنا من نهاية العام، يتزايد شيئًا فشيئًا العجز في هذا المؤشّر مقارنة بالسنوات السابقة، وهو ما ظهر في الأرقام التي جرى نشرها خلال الأيام الماضية. وخلال الأشهر المقبلة، إذا نجح قرار تحالف أوبيك+ القاضي بتقليص إنتاج النفط بزيادة الضغط على أسعار النفط عالميّة، من المتوقّع أن ترتفع حدّة استنزاف الدولارات في لبنان مقارنة بالأشهر السابقة.
حركة المنصّة
على مستوى حركة منصّة التداول بالعملات الأجنبيّة في مصرف لبنان، ارتفع حجم عمليّات المنصّة ليتجاوز حدود 10 مليار دولار منذ بداية السنة ولغاية اليوم، منها 2.55 مليار دولار فقط تم تمويلها من احتياطات المصرف المركزي. مع أهميّة الإشارة إلى أنّ مصرف لبنان عكس اتجاه تدخلاته من خلال المنصّة منذ منتصف شهر أيلول ولغاية بداية الشهر الحالي، ليتحوّل إلى شراء الدولار من السوق الموازية بدل ضخّه كما فعل منذ بداية السنة. ورغم أن مصرف لبنان أعلن مؤخرًا اتجاهه إلى وقف عمليّات شراء الدولار من السوق الموازية، من المفترض أن تعكس الميزانيّة النصف شهريّة المقبلة صحّة أو عدم صحّة هذه الوعود.
في جميع الحالات، وخلال الأيام الثلاثة الأخيرة من الأسبوع الماضي، بدا واضحًا أن مصرف لبنان ثبّت حجم تداولات المنصّة اليوميّة عند حدود 35 مليون دولار فقط، وبسعر صرف بلغ حدود 30300 ليرة للدولار الواحد. مع العلم أن سعر الصرف هذا لا تتجاوز قيمته 76% من سعر الصرف الفعلي في السوق الموازية، وهو ما يطبّع الفارق الكبير بين سعر صرف المنصّة وسعر صرف السوق.
حركة الميزانيّات المصرفيّة
على مستوى الميزانيّات المصرفيّة، أظهرت الأرقام استمرار تناقص حجم محفظة سندات اليوروبوند التي تملكها المصارف اللبنانيّة، والتي انخفضت قيمتها إلى حدود 3.73 مليار دولار في أواخر شهر أيلول الماضي، وهو ما يوازي نصف حجم هذه المحفظة قبل سنة كاملة بالضبط.
وتشير هذه الأرقام عمليًّا إلى استمرار عمليّات بيع سندات اليوروبوند التي تملكها المصارف في الأسواق العالميّة، ما يزيد من نسبة حملة سندات اليوروبوند الأجانب، ويزيد من تعقيدات التفاوض لإعادة هيكلة هذه السندات. وفي جميع الحالات، من المعلوم أن المصارف اللبنانيّة تتكبّد من ميزانيّاتها خسارة وازنة نتيجة إجراء هذه العمليّات، نتيجة الفارق بين قيمة السندات الأسميّة الواردة في الميزانيّات وقيمتها السوقيّة المعتمدة للتداول، إذ يجري بيع هذه السندات حاليًّا بأسعار لا تتجاوز قيمتها 6% من قيمة السندات الإسميّة. ومع ذلك، يبدو أن تخلّص المصارف من هذه السندات بات وسيلة للحصول على السيولة بالعملات الصعبة بأي ثمن، بغياب أي تشريع يضبط كيفيّة استعمال المصارف لهذه السيولة في الوقت الراهن.
على مستوى الودائع، استمرّ التراجع بحجم الودائع المقوّمة بالعملات الأجنبيّة، التي انخفضت قيمتها بنسبة 10.41% مقارنة بالسنة الماضية بالنسبة لودائع غير المقيمين، وبـ7.85% بالنسبة لودائع المقيمين. وفي المحصّلة، بات حجم ودائع القطاع الخاص بالعملات الأجنبيّة الإجمالي يقف عند حدود 96.27 مليار دولار، في نهاية شهر أيلول الماضي. وتشير الأرقام إلى أنّ حجم توظيفات المصارف لدى المصرف المركزي بالعملة الصعبة يوازي نحو ثلثي قيمة هذه الودائع، فيما يفترض أن تكوّن المصارف مؤونات مقابل الخسائر التي ستترتّب على هذه التوظيفات، في إطار عمليّة إعادة الرسملة لاحقًا.
في النتيجة، تتزايد المخاطر الخارجيّة، فيما تتزايد في الوقت نفسه مكامن الهشاشة والضعف داخليًا، ما يمثّل بيئة مناسبة لتفاقم جميع تداعيات الانهيار الذي تمر به البلاد. أمّا أخطر ما في الموضوع، فهو أن الفراغين الرئاسي والحكومي الحاليين، سيضيفان من العوائق التي تحول دون السير بالخطط والمعالجات المطلوبة، وهو ما سيعرقل مسار الإنقاذ الاقتصادي بشكل تام حتّى إشعارٍ آخر.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|