"الأشغال": ملتزمون بتوضيح نتائج التحقيقات بِحادثة تجمع المياه
صدقية رجيّ بوجه "عقدة الذنب"
عانى المسيحيون ورثة الخط السياسي لـ"الجبهة اللبنانية" من التخوين والتنمّر السياسي من قبل شركائهم في الوطن بعد إنتهاء الحرب التي خسروها جراء خيرات خاطئة لبعض قادتهم وحروب الالغاء التي عصفت بين أبناء البيت الواحدة. زاد الامر سوءاً مع الانقلاب على "الطائف" وتلزيم المجتمع العربي والدولي لبنان للرئيس السوري حافظ الاسد مكافأة له على إنخراطه في حرب تحرير الكويت من الاجتياح العراق مع صدام حسين لها من جهة وعلى الدور الناجح الذي لعبه كـ"شرطي" في المنطقة ما خدم إسرائيل من جهة أخرى.
عند كل محطة كان الشركاء يستحضرون تواصل المسيحيين مع الاسرائيلين يوم أجبروا على ذلك بعدما أصبح البحر أمامهم والمجازر والتهجير خلفهم مغفلين أن كثراً تواصلوا بدورهم مع إسرئيل ومع دول عدة بحثاً عن مصالحهم الضيقة. يتهمون بالعمالة فيما بالارقام هذه الآفة متفشية في المكونات الاخرى وفي طليعتها بيئة "حزب الله". يعيبون على المسيحيين حملهم للسلاح عام 1975 يوم إنهارت الدولة وفرط الجيش للدفع عن وجودهم وإسقاط طريق القدس التي كانت ستمر بجونية والوطن البديل و"فتح لند"، فيما الاخرون حملوا السلاح خدمة لمشاريع وأجندات على حساب لبنان من "القضية الفلسطينية" الى الطروحات الاممية والعروبية والسورية القومية وإنتهاء بـ "الجمهورية الاسلامية الايرانية وتصدير الثورة".
الواقحة لم تقتصر على تهميش رسمي لشهدائهم مقابل تكريم الاخرين وكذلك محرريهم من سجون الاسد مقابل تقديم الخدمات والتعويضات للمحررين من سجون إسرائيل، بل بلغت حدّ تعرّض نائب "حزب الله" نواف الموسوي تحت قبة البرلمان في 13 شباط 2019 للرئيس الشهيد بشير الجميّل قائلاً إنه "جاء على متن دبابة إسرائيلية"، مهدّداً بـ "كسر رقبة من يتعرّض للمقاومة"، إضافة إلى قوله "إن الرئيس ميشال عون وصل إلى الرئاسة ببندقية المقاومة".
وها هي محطة جديدة من التخوين والتنمّر السياسي للمسيحيين وتضحياتهم في سبيل بقاء لبنان وتصديهم لـ"دواعش" العام 1975 عبر الهجوم الشرس على وزير الخارجية يوسف رجّي.
"نعم حملت البارودة عن عمر 15 سنة. نحنا من سكّان السوديكو وأهلي رفضوا يتركوا وبتعرف في مقاومة بالسلاح ومقاومة بالحياة اليومية وكان بيتنا ع المتراس بشارع مونو وكان المتراس السوري بعيد عنا شي 30 او 35 متراً. ما بحن لتلك الايام، ما حدا بيحن للحرب ولكن ما بخجل فيها"، ردّ صادق للوزير رجّي على سؤال مباشر خلال مقابلة تلفزيونية إستنهض عُقداً دفينة ومكنونات نفسية لدى شريحة من اللبنانيين معظمهم ذو خلفيات يسارية فإنهالوا عليه بالإنتقادات. خلطوا المفاهيم وإجتزأوا الكلام ووضعوه خارج سياقه.
بعضهم إعتبر مجرّد ذكر رجّي حقيقة حمله السلاح هو تباهٍ في غير مكانه وإشهار بإنتمائه السياسي. إستفزّتهم صدقيته. فهل المطلوب التكاذب وتزوير الحقائق؟ هل جريمة رجّي انه حمل السلاح للدفع عن منزله الواقع على خط التماس؟ هل لو قاتل في العرقوب أو هجم على القاع أو إقتحم باب التبانة كان ذنبه مغفوراً؟ لو تمّ توجيه السؤال لرئيس الحكومة نواف سلام عن إنتمائه مبكراً إلى حركة فتح وقاتله في صفوفها في "فتح لند" أي الجنوب اللبناني، هل كان لينكر ذلك؟
بعضهم إعتبر أن الوزير "لم يعرض تجربته بوصفها مراجعة نقدية لخطأ إرتكبناه كلنا إنما بوصفها إمتداد لدوره الدبلوماسي الجديد"، مشددّاً على أن "اي تناول غير نقدي لمساهمتنا بالحرب يعني أن صاحبه لم يتعلّم من دروسها شيئاً". فهل فات هؤلاء طبيعة البرنامج السياسي والمسألة ليست جردة حساب وأنه جاوب على قدر السؤال؟ وإن كان هذا البعض يقرّ انه إرتكب خطأ لماذا يريد فرض منطق "6 و6 مكرر" بالخطأ وإلزام الآخرين بوجهة نظره والقول ان دفاعهم عن بيوتهم واهلهم خطأ أيضاً؟
بعضهم سطّح المفاهيم معتبراً أن موقف رجّي سلب منه صفة "الوزير الوطني"، متسائلاً كيف له أن يمثّل لبنان في الخارج ويكون وزير خارجية كل لبنان وهل هكذا يكون الدبلوماسي؟ لم يستمع الى مواقف الوزير في الحلقة وحنكته ودماسته وإنضباطيته أكان من حيث طبيعة العلاقة مع رئيس الجمهورية أو رفض الإفصاح عن مداولات مجلس الوزراء وتفاصيل النقاش بينه وبين زميلته الوزيرة تماره الزين - التي أطلت بعده وغرقت في "نشر غسيل" النقاش بينهما على الهواء- أو إصراره على أن الإجراءات بحق أي دبلوماسي لا تتداول عبر الشاشات.
"الوزير الوطني" هو من تكون حساباته سيادية أولاً وممارساته شفافة لا وزير "ابو ملحم" يسعى لإرضاء الجميع، فالأساس إرضاء الضمير الوطني. كما أن الدبلوماسية لا تسقط عن صاحبها خصوصيته وصدق مواقفه، فهي لا تعني أن يكون المرء "بلا طعمة ولا نكهة ولا للون" بل أن يمارس مهامه إنطلاقاً من المصلحة الوطنية العليا والسياسة العامة المرسومة في البلاد.
إستشهاد رجّي بمقولة الرئيس الشهيد بشير الجميل "بطلب منكم تقولوا الحقيقة مهما كانت صعبة" إعتبر جريمة بنظر هؤلاء الذين يرون ببشير طرفاً وكأن ذلك يسقط عن مقولته صحتها. تصرف سطحي ينمّ عن قوقعة فكرية في أحقاد الماضي. ليتهم تعلموا من أمين عام "حزب الله" الراحل السيد نصرالله الذي إمتلك جرأة الإستشهاد بخصمه حين قال في 8 حزيران 2005: "تعالوا لنعود الى شعار لبنان الـ10452 كلم مربع. الشعار الذي رفعه الشيخ بشير الجميل في هذه المرحلة".
في الحقيقة ردّة الفعل هذه على موقف رجّي أبعد بكثير من الشخص ومن مضمون موقفه. إنها نتاج حالة مرضية ناجمة عن عدم معالجة تداعيات ورواسب حرب الـ75 وتنقية الذاكرة من جهة وعن شعور بعضهم بـ"عقدة ذنب" لأنهم إتخذوا خيارات خاطئة كلّفت لبنان الكثير ولم يقتصر الأمر على ممارسات خاطئة.
في 7 آب 2005، وخلال المهرجان التأبيني في ذكرى أربعين الشهيد جورج حاوي، قدّم الأمين العام لـ"منظمة العمل الشيوعي" محسن إبراهيم قراءة نقدية لتجربة الحركة الوطنية اللبنانية متوقفاً عند خطأين وقعت فيهما:
*الخطأ الأول: إننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، طاقة وعدالة وإنصافاً.
*الخطأ الثاني: إننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم إختصار الطريق إلى التغيير الديمقراطي.
فكان ما كان ـ تحت وطأة هذين الخطأين ـ من تداعيات سلبية خطيرة طاولت بُنية البلد ووجهت ضربة كبرى الى الحركة الوطنية وفي القلب منها يسارها الذي كان واعداً في يوم من الأيام.
وفي 22 أيلول 2008، خرج رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع مقدماً إعتذاراً تاريخياً بإسمه وبإسم خط "الجبهة اللبنانية" الذي يمثله عن أخطاء إرتكبت في زمن الحرب قائلاً:"...عندما سقطت الدولة، حاولنا إنقاذ ما يمكن انقاذه، بكل صدق وإلتزام واندفاع وحمية. وجل من لا يخطىء، خصوصاً عندما يقدم، في مثل تلك الظروف. فلقد اخطأنا في بعض الأوقات، كما قام افراد منا بمخالفات وارتكابات، لم نكن لنرتضيها، لو كان في إمكاننا تداركها. بعض هذه المخالفات والارتكابات كانت وللأسف الكبير شنيعة مؤذية".
أردف: "في هذه المناسبة الجليلة، وبقلب متواضع، صاف، وبكل صدق وشفافية، أمام الله والناس، أتقدم باسمي، وباسم أجيال المقاومين جميعاً، شهداء واحياء، باعتذار عميق، صادق وكامل، عن كل جرح، او أذية، او خسارة، او ضرر غير مبرر، تسببنا به، خلال أدائنا لواجباتنا الوطنية، طوال مرحلة الحرب الماضية. كما اطلب من الله عز وجل السماح، وممن أسأنا إليهم السماح، والتعالي، والمحبة". وللمارقين، الطارئين، المتاجرين بآلامنا وآلام الناس واوجاعهم اقول: كفى متاجرة، واستغلالاً لدماء ودموع الناس، كفى تزويراً للتاريخ، اتقوا الله فهو وحده الحاكم الديان(…)".
إنهما نموذجان يصلحان لأن يشكلا مرتكزاً لتنقية الذاكرة علّها تمهّد ربما لكتابة تاريخ لبنان القريب والبعيد، فكيف لوطن أن يقوم وأبناؤه مختلفون على التاريخ ومثقلون بجراح الحرب التي لم تبلسم؟! بعد نصف قرن على إندلاع حرب الـ1975، هل نغادر مربّعها الاول أي المواجهة بين تكريس لبنان دولة أو صندوق بريد وبارود مرة للفلسطيني ومرة للسوري ومرة لإيراني؟! هل نستفيد من المتغيرات ونصبح مواطنين أما نبقى مكونات تراكم الجراح فوق الجراح؟!
بقلم :جورج العاقوري
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|