مسؤولية الشرع لإنقاذ سوريا: معاقبة المرتكبين وحل الفصائل
لا قوة لعاقل، أو قدرة على متابعة “الفيديوهات” والصور التي ترد من الساحل السوري. لا احتمال لسماع مناجاة النساء أو الأطفال أو الرجال الذين واجهوا عمليات قتل ممنهجة. ولا قدرة على التطلع بأعين هنادي زحلوط تلك المعارضة السورية وزهرة الثورة ضد نظام الأسد، وهي تنعي اخوتها الثلاثة. ولا تُحتمل لحظات الحصار التي عاشها سمير حيدر في بانياس وهو المعتقل السابق في سجون نظام الأسد، والذي خسر شقيقه المعتقل أيضاً في سجون نظام الأسد. ولا قدرة على قراءة رسالة تصل من إحدى نساء الساحل، بلغ قلبها حنجرتها، فاختنق كلامها وهي تقول إنها قد خسرت والدها وشقيقها و11 شخصاً من جيرانها. كانت الثورة السورية ضد “الأسدية” بكل صنوفها وصفوفها، وأخلاقها وممارساتها. لذا لا يمكن العودة إلى تكرار ممارسات “الأسدية”. ومن يريد محاكمة مرتكبي مجزرة البيضاء أو التضامن أو غيرها من المجازر، لا يُفترض به أن يسمح بتكرار أي عمل مشابه.
عقلية الدولة
لا يمكن التقليل من خطورة ما حصل، ولا يمكن حصره باعتباره “مؤامرة خارجية” فقط. وإن كانت هناك جهات في الخارج ستستثمر بكل هذه التناقضات، أو تعمل على تغذية الصراع وتأجيجه. هناك حاجة ماسة لمعرفة حقيقة المجتمع السوري، والتعامل معه بعقلية الدولة، لا عقلية الثأر أو الحرب. وهو ما يفرض على السلطة الجديدة التغيير من وضعيتها من قوة تسيطر على الحكم، إلى قوة قادرة فعلياً على بناء الدولة. وفرضاً، لو حمّلت الإدارة الجديدة مسؤولية بدء المعركة لـ”فلول النظام” بوصفهم ارتكبوا جريمة بحق عناصر الأمن العام، فلا يمكن لهذه السلطة أن تردّ بما هو أفظع وأشنع، ولا أن تسمح لفصائل كثيرة بالدخول إلى مناطق المدنيين وبيوتهم وارتكاب المجازر بحقهم. بل مسؤولية الإدارة الجديدة حماية كل السوريين، ولا سيما أهل الساحل من الفلول، وليس ارتكاب المجازر بحقهم لوضع الطائفة العلوية ككل في موضع مواجهة “حرب وجودية”، كما لا يجدر بالسلطة الجديدة أن تسمح لأي جهة محسوبة عليها بشنّ عمليات بأسلوب “إدارة التوحش” لإخافة العلويين أو إخافة مكونات أخرى في سوريا بالمشاهد التي جرى تعميمها في الساحل.
ما جرى أطاح بأيام التحرير الأبيض، والصورة الإيجابية التي طبعت منذ إطلاق عملية ردع العدوان وصولاً إلى الدخول إلى دمشق بعد هروب بشار الأسد. حجم ما جرى هو أكبر وأخطر من كل ما يمكن أن يحصل، وهو ما يستدعي اتخاذ مواقف استثنائية وجريئة جداً، من مسؤولية الرئيس السوري أحمد الشرع الإقدام عليها. وذلك لتحويل ما جرى إلى فرصة لمحاسبة المرتكبين، وإعادة توحيد البندقية تحت إمرة جيش وطني موحد، ولأجل استعادة اللحمة الوطنية. وذلك يفترض أن يبدأ بالدعوة لحوار وطني عام وشامل بمشاركة كل القوى الاجتماعية والسياسية، وتشكيل حكومة جديدة من خلال إشراك مختلف المكونات، واستدعاء قوى المعارضة السياسية التي تم استبعادها عن المشاركة في النشاط السياسي طوال الفترة الماضية، من أجل العودة والمشاركة الجدية والفعلية في صوغ مستقبل سوريا.
إلى جانب الإجراءات العملانية وأهمها:
– حلّ التنظيمات المتطرفة.
– إخراج المقاتلين الأجانب من سوريا.
– توحيد كل القوى العسكرية ضمن جيش وطني له ضوابطه وقواعد عمله، ويخضع من ينتمي إليه إلى تدريبات شاملة، وتأهيل سياسي وحقوقي.
– محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الجرائم تماماً كما يتم العمل على ملاحقة فلول النظام السابق.
– بذل كل الجهود الكبيرة لإصلاح العلاقة مع أهل الساحل السوري، والتعويض الذي يجب أن يبدأ بتحقيق العدالة السريعة للسكان والأهالي.
– منع فرض الطقوس الاجتماعية أو الدينية على مختلف شرائح المجتمع السوري واتخاذ قرارات حاسمة بهذا الشأن.
– الانفتاح على كل القوى في مختلف المناطق، والعمل في سبيل عقد مؤتمر وطني عام بمشاركة الجميع فعلياً، تُرسم فيه ملامح المستقبل السوري.
لا بد لكل الأقوال التي ترد على لسان المسؤولين -وعلى رأسهم الشرع- أن تُقرن بالأفعال، وتنعكس في السلوك من خلال محاكاة هواجس كل القوى الاجتماعية والسياسية في سوريا، ومنع تكرار ما جرى في الساحل في مناطق أخرى.
ما دون ذلك، يمكن لسوريا أن تتحول إلى النموذج الليبي، أو العراقي أو اللبناني أيام الحرب الأهلية. وأي استخفاف في الوقوف بمسؤولية أمام كل ما جرى من مجازر ومخاطر وارتكابات بحق المدنيين، سيسهل ويسرّع الطريق نحو الحرب الأهلية.
منير الربيع - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|