ماذا تريد الحكومة من المودعين وكيف تحمي ودائعهم؟
تَخبّط أعضاء الحكومة يبدو جلياً في معالجة الودائع. موقف رئيس الجمهورية كان واضحاً جداً، إذ أعلن في خطاب القَسَم «وعهدي أن لا أتهاون في حماية أموال المودعين». وتَعهّد أيضاً «بأن يطعن بدستورية أي قانون يُخالف أحكام الدستور». كما وعد رئيس الحكومة بأنّ «ما يجب شطبه هو عبارة شطب الودائع» وليس الودائع.
أمّا الوزراء المعنيّون بالإصلاح فيبدو أنّهم يُبيتون نيات مناقضة لتوصيات القيادات العليا. البعض في الحكومة (الاقتصاد والمال) يعتقد ويُروِّج لأفكار المؤسسات المالية الدولية، وهي أنّ المصارف قبلت مخاطر مرتفعة عندما أقرضت مصرف لبنان والدولة، وعليها الآن دفع الثمن من أصولها وودائع المودعين لديها.
أولاً، المصارف لم تكن المُقرض الأكبر للدولة، وكانت قروضها معلنة في الدين العام بالليرة والدولار.
ثانياً، قروض المصارف لمصرف لبنان بالدولار كانت دائماً مخفية ومموّهة ضمن حساب ودائع المصارف لدى مصرف لبنان المعلنة فقط بقيمتها الموازية بالليرة اللبنانية وحتى يومنا هذا. وهذه إحدى الذنوب التي اقترفها مصرف لبنان ولا يزال. وهذا الإخفاء لم يُخوِّل المصارف معرفة مدى تعرّضها إلى مخاطر إقراض مصرف لبنان.
ولذلك، على الحكومة عدم الإصغاء أيضاً لادّعاءات المؤسسات المالية العالمية أمثال «جي. بي. مورغن» في تقريرها الأخير الصادر في 4 شباط الماضي، وغيرها التي في الأساس لم تُنجِز التقييم الصحيح لاقتصاد لبنان، واشترت ما يقرب من 13 إلى 15 مليار دولار من الـ«يوروبوند». وتنادي هذه المؤسسات اليوم إلى أنّ لا مفرّ من شطب الودائع مقابل ديون الدولة، لتوفّر لنفسها حصة أكبر من ثروات الدولة من الذهب وغيره للتعويض عن خسائرها أولاً.
وتحاول هذه المؤسسات الموازاة بين سندات الـ«يوروبوند» والودائع. لكن هناك فارقاً شاسعاً بين الاثنَين. الودائع تنضوي تحت مظلة قانون النقد والتسليف وتُؤمّن الحماية لها من مصرف لبنان والدولة. بينما سندات الـ«يوروبوند» يحميها فقط قضاء ولاية نيويورك.
ومن الغريب أنّ البعض في الحكومة الحالية يعود إلى تكرار الخطط الفاشلة السابقة المرفوضة من كل الفئات ومنها صندوق النقد الدولي، فيعيد اقتراح إنشاء «صناديق استرداد» أو «صناديق (عربات) ذات غرض خاص» وهمية.
كما ويحيي هذا البعض قرار التوقف عن خدمة الدين وتصفه بالقرار الجريء. نعيد التذكير أنّ الخطط الفعّالة والعادلة تحافظ على الودائع بدلاً من شطبها.
إنّ البعض أيضاً يستند إلى خطة صندوق النقد الدولي للحل، التي اقترحت شطب معظم الودائع بالدولار من موازنات المصارف والحفاظ فقط على ودائع صغار المودعين بغضّ النظر عن ثرواتهم الأخرى. صندوق النقد وبتوجيه من مجلس المدراء التنفيذيِّين فيه، عليه الحفاظ على سلامة القروض (التسهيلات) المقدّمة من الصندوق والمموّلة من حصص الدول الأعضاء (الكوتا). الحرص على أموال أعضاء صندوق النقد هو الهاجس الأول للصندوق، وكذلك أموال المؤسسات المالية الخاصة الدولية، وليس أموال المودعين في المصارف اللبنانية.
إنّ إعادة جدولة الديون وتحقيق فائض أولي مالي لخدمة الدين هما الخطوة الأمثل لمعالجة الدين. وهذان ممكنان في الوضع الحالي لاحتياطي مصرف لبنان واعتماد الإدارة الفعّالة للسياسة المالية. لا يزال احتياطي مصرف لبنان (من النقد الأجنبي والذهب) من الأكبر عالمياً، ممّا يُوفّر السيولة المطلوبة لمعالجة الأزمة. إنّ التوقف عن خدمة الدين العام ليس إجراءً جريئأً كما يعتبر البعض في الحكومة الحالية، بل هو ممّن أدّى إلى تفاقم الأزمة.
الدكتور منير راشد - الجمهورية
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|