العماد هيكل لن يكون الرئيس الخامس عشر
أكثر ما لفتني في السيرة الذاتية لقائد الجيش الجديد العماد رودولف هيكل، إضافة إلى الدورات المكثفة التي اُخضع لها في الداخل والخارج وما حصل عليه من أوسمة وتنويهات على ما قام به من عمل
مضاف ومميز، أنه من مواليد سنة 1969، أي أن عمره الحالي 56 سنة، وبكلام أوضح أنه لا تزال أمامه أربع سنوات لكي يحال على التقاعد كقائد للجيش، أي ايضًا قبل انتهاء الولاية الرئاسية لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بسنتين، ومن دون الحاجة إلى تأجيل تسريحه من الخدمة العسكرية كما حصل مع سلفه لمرتين متتاليتين، وذلك بسبب الظروف غير الطبيعية التي كانت تمرّ بها البلاد، وبسبب الفراغ الرئاسي واستحالة تعيين قائد جديد للجيش من قِبل مجلس وزراء الذي كان بحكم تصريف الأعمال، وأيضًا بسبب شغور مركز رئيس الأركان، الذي يخّوله قانون الدفاع الوطني الحلول مكانه في حال غيابه. وهذا ما حصل بالفعل في الفترة الفاصلة بين انتخاب العماد عون رئيسًا للجمهورية وتعيين العميد هيكل قائدًا للجيش فتولى اللواء حسّان عوده، بصفته رئيسًا للأركان، مسؤولية قيادة الجيش بالإنابة طيلة هذه الفترة.
وبكلام أكثر وضوحًا يمكن القول بأن العماد هيكل لن يكون مشروع رئيس محتمل لرئاسة الجمهورية في العام 2031 إلاّ إذا راكم في أدائه
العسكري ما يؤّهله لخوض المعركة الرئاسية بصفته المدنية، وهذا حقّ أعطاه العرف لكل لبناني ينتمي إلى الطائفة المارونية، وذلك بعد أن يكون قد مارس هذا الحق بصفته المدنية وليس بصفته العسكرية تمامًا كما حصل مع الرئيس ميشال عون، الذي لم ينتقل من قيادة الجيش إلى الرئاسة الأولى مباشرة، عكس ما حصل مع كل من الرؤساء فؤاد شهاب وأميل لحود وميشال سليمان وجوزاف عون.
وفي رأي كثيرين من أهل السياسة، الذين يعارضون من حيث المبدأ وصول كل قائد للجيش إلى رئاسة الجمهورية، أنه ليس من الطبيعي في أي شكل من الأشكال، من بين أربعة عشر رئيسًا للجمهورية، أن يتولى المسؤولية الأولى في البلاد أربعة عمداء ولواء واحد، وأن يتولى هذه المسؤولية تسعة مدنيون، لم يتسنَ لأثنين منهم الوصول إلى القصر الجمهوري وهما الشهيدان الرئيسان بشير الجميل ورينيه معوض.
التجارب السابقة مع الرؤساء العسكريين، وإن لم تساعد الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية التي رافقت فترات توليهم المهام الرئاسية أغلبيتهم على تحقيق ما كانوا يصبون إليه، تؤكد انهم طُبعوا بطابع مغاير من حيث السلوكيات الشخصية عن السلوكيات المدنية، وهي سلوكيات اكتسبوها من خلال تمرّسهم في ممارسة الانضباط في ظل شعار التزموا بمبادئه خلال توليهم مسؤولياتهم العسكرية، والذي يختصر مسيرة كل ضابط وجندي انخرط عن قناعة في مدرسة "الشرف والوفاء والتضحية"، وهو شعار مثلث الأضلع المتكاملة مضامينه مع الواقع المعيوش، وما فيه من تحدّيات واجهت جميع الرؤساء، وبالأخص العسكريين منهم، الذين وجدوا أنفسهم في مرحلة من مراحل العمل السياسي خارج إطار هذا المثلث الغريب في مبادئه عن الثلاثية العسكرية الذهبية، التي يعتبرها كل منتسب إلى المؤسسة العسكرية أنها القوة الشرعية الوحيدة القائمة على مبدأ حماية الانسان والأرض من أي اعتداء، أيًّا كان نوعه، ومن أي جهة أتى.
ما تضمّنه خطاب القسم للرئيس العماد جوزاف عون من قناعات وطنية يشي بأن الأيام الآتية ستكون أفضل مما سبقها، خصوصًا إذا لم تعاكسه الظروف الإقليمية المؤثرّة على الخيارات الداخلية، وإذا ما اقتنع جميع الأفرقاء اللبنانيين، بأحزابهم وطوائفهم، بتقديم المصلحة الوطنية على غيرها من المصالح الأخرى، وإذا تصارحوا لكي تكون مصالحتهم مسندة بمشتركات وطنية ومستندة إلى ما تضمّنه خطاب القسم من وعود وتعهدات قد تعيد لبنان إلى عزّ الأيام الخوالي، الذي كان فيه "كتاب" الرئيس اللواء فؤاد شهاب الحكم الوحيد بين اللبنانيين، الذين كانت تباعد بينهم ايديولوجيات خارجية وولاءات وتوجهات غير لبنانية بنسبة مئة في المئة.
فما جاء في أول "أمر اليوم" للعماد هيكل لمناسبة تسلّمه مهام قيادة الجيش يؤكد أن الأولوية لديه هي أنه سيكون في ظلِّ هذهِ الظّروفِ الاستثنائية، كقائدٍ للجيشِ أمام جميع العسكريين ومعهم "مِن خلالِ السَّهرِ المتواصلِ على تَحسينِ ظُروفهم، ودعمِ حقوقِهم بعدَ مرحلةٍ تحمَّلوا خلالِها ضُغوطًا كبيرة".
وهذه الأولوية تجعل معارضي أن يكون كل قائد للجيش مشروع رئيس للجمهورية يطمئنون إلى أن الرئيس الخامس عشر لن يأتي إلى بعبدا عن طريق اليرزة. فهل يمكن القول بأن سلوكية العماد هيكل خلال توليه مسؤولية قيادة الجيش ستكسر نمطية الرئيس العسكري؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|