هكذا حضر "فرويد" في مجازر الساحل السوري
يبدو أن فلول النظام السوري البائد تعيش حال إنكار وهي مفصولة عن الواقع وعن التطوّرات الجذرية التي طرأت على المسرح السوري وعلى المشهد الإقليمي المحيط به، فعمدت في الآونة الأخيرة إلى إشعال فتيل "ميني حرب طائفية"، تسببت في إهراق دماء سوريين أبرياء عُزّل سالت على الساحل السوري، ذي الثقل العلوي، المغضوب عليه بسبب تحدّر جزّاري أسرة الأسد الفارّ منه.
فشرارة حوادث الساحل السوري انطلقت بعدما تعرّضت دورية تابعة للأمن العام لكمين محكَم نصبته فلول النظام البائد قرب قرية بيت عانا القريبة من مدينة جبلة الساحلية، لتكرّ بعده سبحة الكمائن المنظمة ضدّ قوى الأمن في مناطق عدة في الساحل، والتي أدت إلى مقتل العشرات منهم. وهجمات فلول الأسد ضد القوات السورية لم تكن وليدة ساعتها، بل كانت مدروسة ومعدَّة مسبقاً ومموّلة من فصائل عراقية تدين بالولاء المطلق لإيران التي اتُهمت أيضاً بأنها تقف وراء كمائن الساحل، في محاولة يائسة منها لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وبثّ الفوضى في بلد لم يعد يدور في فلكها المتهالك.
غير أن ما أعقب هذه الهجمات يكاد يكون أسوأ منها من المنظور الإنساني، فقوات الإدارة السورية الوليدة والتي تتكوّن من 16 فصيلاً قد يكون بعضها "غير منضبط"، لم تكتفِ بصدّ كمائن فلول الأسد وهجماتها، بل غيّرت بعض هذه الفصائل بوصلتها لتتجه نحو السكان الآمنين في منازلهم، وترتكب بحقهم مجازر يندى لها الجبين ولا تقل قذارة عمّا كان يرتكبه نظام البعث على مدى أكثر من خمسة عقود، وذنب هؤلاء السوريين الوحيد أنهم علويون والبعض القليل منهم مسيحيون، سُفكت دماؤهم بسبب انتمائهم الطائفي وأُبيدت عائلاتهم عن بكرة أبيها، لتتجاوز حصيلة القتلى المدنيين في مجازر الساحل الـ 1500، غالبيتهم الساحقة من العلويين.
من ارتكب مجازر الساحل؟
وجّهت منظمات حقوقية ونشطاء أصابع الاتهام إلى فصيلي "سليمان شاه" المعروف بـ "العمشات"، و "الحمزة" المعروف بـ "الحمزات"، المدعومَين من تركيا ويضمّان مقاتلين أجانب من بينهم قرغيز وأوزبك وشيشانيون، وقد برز هذان الفصيلان ضمن الفصائل التي أيّدت اختيار أحمد الشرع رئيساً انتقالياً، إلّا أنهما سرعان ما تورّطا في عمليات خطف وابتزاز وتهجير قسري ومصادرة ممتلكات مدنيين في عدد من المناطق.
أمّا الشرع، فاكتفى بالتعهّد الكلامي بمحاسبة "كلّ من تورّط في دماء المدنيين"، وقد سارع إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلّة في حوادث الساحل، وهو أمر يعيدنا بالذاكرة إلى لجان التحقيق التي كان يشكّلها نظام الأسد الفار، بعد كل مجزرة تقترفها قواته بإمرة مباشرة من الأسرة الأسدية التي كانت حاكمة ومتحكّمة برقاب السوريين، علماً أن المعلومات الواردة من عارفي الرئيس الانتقالي تؤكد حرصه على تلميع صورته الإعلامية وصورة قواته وملاحقة أي تجاوزات تُرتكب بحق أي مواطن سوري، وترتدّ سلباً على السلطة الوليدة التي تسعى جاهدة إلى إقناع المجتمع الدولي بتخفيف العقوبات المفروضة على دمشق.
تُغبط إسرائيل وتُؤرق لبنان
وإذا كانت حوادث الساحل تُغبط إسرائيل التي ترتاب من دولة سورية مركزية قوية ومتماسكة، وترتاح لحرب طائفية تنتهي بتفتيت سوريا وبتحويلها إلى دويلات صغيرة وبإبعاد المقاتلين "السُنة" عن حدودها، فإن هذه الحوادث تُؤرق لبنان وقد انعكست عليه فوراً موجات نزوح إلى قرى عكارية علوية، وارتدّت أيضاً سلباً على طرابلس التي شهدت اضطرابات أمنية واستنفاراً بين جبل محسن وباب التبانة، وأعادتنا بالذاكرة إلى جولات الاشتباكات "المأجورة" و "غبّ الطلب" التي عصفت لسنوات خلت بعاصمة الشمال.
يبقى أن مجازر الساحل السوري أرجعتنا إلى نظرية المفكر اليهودي سيغموند فرويد الشهيرة التي تقول إن "الضحية تتوق دوماً إلى لعب دور الجلّاد"، فالطائفة التي كانت ضحية وعانت على مرّ عقود من ارتكابات "الأسدَين" الأب والابن المَقيتة، تسلّمت السلطة وها هي اليوم تلعب دور الجلّاد في الساحل بحق الطائفة التي كانت هي الجلّاد إبّان الحكم البعثي.
نايف عازار - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|