الحلّ لا يكون إلا بإغلاق المعابر غير الشرعية شرقًا وشمالًا
لا تكاد حكومة نواف سلام، وهي التي لا يزال عودها طرّيًا، تخرج من مشكلة حتى تطالعها مشكلة أخرى لا تقّل خطورة عمّا سبقها. وفيما كان الوزراء الجدد، الذين لا يجمع بينهم مشتركات واحدة، مجتمعين في السراي الحكومي للبحث في آلية التعيينات الإدارية كان الوضع على الحدود الشرقية مع سوريا يزداد تأزيمًا وخطورة لا يقّلان عن خطورة ما تعرّضت له، ولا تزال، الحدود الجنوبية مع إسرائيل الماضية قدمًا في تنفيذ ما خطّطت له حتى قبل عملية "طوفان الأقصى"، مع ما رُسم حول هذه العملية من علامات استفهام وتعجّب، خصوصًا إذا ما نُظر إلى نتائج هذه العملية من حيث الخسائر البشرية والمادية، التي طاولت قطاع غزة وأهله، وما أدّى إليه بالتالي الردّ
الإسرائيلي على عمليات "الاسناد والإشغال"، عبر البوابة الجنوبية اللبنانية من كوارث كان لبنان في غنىً عنها، وهو الذي كان، ولا يزال، يرزح تحت أعباء اقتصادية غير مسبوقة.
فإذا كان الرئيس نبيه بري، الذي أعرب عن امتعاضه من الاشتباكات التي تحصل على الحدود البقاعية متخوفًا من انتقالها لتصبح حرباً طائفية بينما هي في الأساس صراع على خطوط التهريب، فلماذا أعطى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، بصفته الرئيس الأعلى للقوى المسلحة، الأوامر للجيش بالردّ على مصادر النار من الجهة السورية، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع، ومن بينهم الرئيس بري، بأن المشكلة الحقيقية هي بعدم تمكّن الدولة اللبنانية من ضبط الحدود وإغلاقها وحصر المرور بالمعابر الشرعية فقط، وذلك "لتجنب الفتنة الطائفية وارتداداتها على لبنان وسوريا ومنع دخول طابور خامس يستفيد من توتير الأجواء ويخلق مشاكل إضافية بين لبنان وسوريا ليس وقتها حالياً"، كما نُقل عن رئيس مجلس النواب".
فالرئيس عون أراد في الأساس حل هذه المعضلة، التي يمكن أن تتفاقم أكثر، بالطرق الديبلوماسية لذلك كلف وزير الخارجية يوسف رجي بالتواصل مع نظيره السوري في بروكسل، حيث يشارك في أعمال "المؤتمر التاسع لدعم مستقبل سوريا"، مع أنه وعلى رغم إعطائه توجيهاته "إلى قيادة الجيش للرد على مصادر إطلاق النار، لا يرغب بـ "التصعيد العسكري لأنه سيجلب الويلات، ولبنان سيفعل كل ما يستطيع من أجل ضبط الحدود، والتنسيق مع الإدارة السورية مستمر".
ولأن الوضع يمكن أن يقال عنه بأنه أكثر من خطير، وهو رسم خطوط إحراج جديدة للحكومة، التي باتت تواجه تباعاً وتوازيًا نار التصعيد والتمدّد الاحتلالي الإسرائيلي جنوباً ونار الفوضى المتفشية على الحدود الشرقية والشمالية مع سوريا، تم تشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء الداخلية والدفاع والمالية والأشغال والعدل لاقتراح التدابير اللازمة لضبط ومراقبة الحدود، ومكافحة التهريب ورفع المقترحات إلى مجلس الوزراء، بعدما كان هذا الوضع الطارئ على الحدود الشرقية قد أملى تغيير مسار الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء أمس الأول في السراي، فخُصصت بدايتها، التي طالت أكثر من خمس ساعات، للبحث في الوضع الأمني شرقًا وشمالاً. وكان النقاش محتدمًا، بحيث أن عددًا من الوزراء، ومن بينهم الوزراء المحسوبون على "القوات اللبنانية" و"الكتائب" طرحوا أسئلة عن الحيثيات التي تدفع إلى خلق عدو جديد وفتح جبهة جديدة من شأنها أن ترهق الجيش وتوزع قدراته على جبهتين. وكانت مطالبة من قَبل وزير العدل بضرورة نزع السلاح في المنطقتين الشمالية والشرقية بعد استكمال انتشار الجيش جنوبًا، والتعامل مع هذا الموضوع بجدية أكثر لمنع انزلاق لبنان إلى حروب جديدة.
فهذه الاشتباكات التي اندلعت على الحدود الشرقية والشمالية بين مجموعات سورية مسلحة تتبع مبدئياً "إدارة العمليات السورية" والعشائر في مناطق متداخلة بين
لبنان وسوريا، فرضت واقعاً شديد الدقة والحساسية على الحكومة، التي وجدت نفسها أمام حتمية الاضطرار لمواجهة فُرضت عليها بفعل ما ثبت أنه تفلّت كبير وخطير من الجانب السوري وتحفّز استنفاري واسع من جانب العشائر، ومَن خلفها، في الهرمل والبقاع الشمالي، مع ما رافق هذه المواجهات من اتهامات سورية لـ "حزب الله" بأنه يقف خلف العشائر البقاعية، فيما جددت مصادر مقربة من "الحزب" تأكيدها أنه غير معني بالمواجهات الحدودية، وهو يقف وراء الجيش ويدعمه في مهامه، لصد اعتداءات المسلحين.
وبدا واضحاً أن الوضع المتفجر على الحدود الشرقية مع سوريا يتجه نحو تعقيدات إضافية لن يكون ممكنًا معها وضع حد حاسم لتفجره إلا بتواصل لبناني – سوري على أعلى المستويات ووضع الحكم الانتقالي في دمشق أمام مسؤولياته لجهة ضبط التفلت من الجانب السوري، فيما يأخذ الجيش على عاتقه تولي ضبط الأمور من الجهة اللبناني.
اندريه قصاص - لبنان 24
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|