المجتمع

الأم... أعمال بلا راتب ولا إجازة وهكذا تساهم بالإقتصاد الوطني

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تتقاضى عاملات المنازل، الطهاة، مسؤولو رعاية الأطفال، والسائقون أجوراً نظير القيام بأعمالهم تلك، ويتمتعون بحقوق كفلتها قوانين العمل الدولية، لكن الأمر يبدو مختلفاً كثيراً مع وظيفة "الأم". تلك التي تقوم بجميع المهام المذكورة أعلاه وغيرها الكثير من دون أن تتقاضى أي راتب نظير عملها، ولا تكفل لها النصوص القانونية والاتفاقيات الدولية أية حقوق.

لا يعترف علم الاقتصاد بجميع مؤشراته التقليدية بعمل الأم في المنزل، وقد يرى البعض أن ما تقوم به الأم يعد جزءاً من مهامها الأساسية أو "الغريزية"، على الرغم من أن تنظيف المنزل، وإعداد الطعام، والتربية لا ترتبط بغريزة الأمومة، بعكس الرعاية والاهتمام الذي تقدمه لأطفالها إرادياً وبلا مقابل. ولكن إذا تمت ترجمة دور الأم، على كافة المستويات، إلى أرقام مالية حينها فقط سيتبيّن حجم مساهمتها بالإقتصاد بشكل غير مباشر.

20% من الناتج!

في لبنان، وكما الكثير من دول العالم، لا تزال قضية حقوق الأم منسية سواء على المستوى الاقتصادي، أو القانوني. فلا يوجد أي نص يتيح للأم الحصول على راتب أو أجر بسبب عملها في المنزل، كما لا يوجد دراسات دقيقة تظهر أهمية أجر الأم -فيما لو تم احتسابه- في الدورة الاقتصادية والنمو، وهو ما يجعل ما يقارب 90 ألف أم سنوياً تعمل بشكل مجاني داخل منزلها. (علماً أن ما يقارب 90 ألف امرأة تصبح أماً في لبنان سنوياً، بحسب ما أظهرته بيانات صادرة عن الدولية للمعلومات، بعدما قدرت أن عدد الولادات في الفترة من 2020-2023 بلغ نحو  271.913 فرداً).

ومن منظور اقتصادي عام يُعرف عمل الأم في منزلها من دون مقابل كالطهي والتنظيف وتدريس الأطفال ورعاية كبار السن والإنتقال بالأطفال من وإلى المدرسة أو مراكز الترفيه وغير ذلك، بـ "العمل غير المدفوع" أو "العمل خارج إطار السوق"، وهو جزء من الاقتصاد بمفهومه الواسع.

ولا شك أن هذا النوع من الأعمال لها قيمة اقتصادية عالية فيما لو احتسبنا مادياً تكلفة جميع الخدمات التي تقدمها الأم، لكنها لا تدخل في الناتج المحلي الوطني. ويقدّر بعض الخبراء أن العمل غير المدفوع الذي تقوم به الأم تتراوح نسبته بين 9 و20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد، لو تم تضمينه بين المؤشرات الاقتصادية التقليدية.

عاملة بدوام لا ينتهي 

تستيقظ نجوى طوق (أم لثلاثة أطفال) عند الساعة الخامسة والنصف صباحاً وتبقى حتى الساعة 11 مساء تعمل في رعاية أطفالها، حتى ساعات الليل، أحياناً لا تمر بسلام، إذ تضطر لتفقد رضيعتها أكثر من مرة. تعيش نجوى منذ سنوات بهذا الروتين اليومي. تقول لـ"المدن" أعتدت العمل لأكثر من 14 ساعة يومياً، بين تحضير الأطفال إلى المدارس، والقيام بمهام التسوق، والعمل داخل البيت، والتنظيف والمساعدة في حل الواجبات المدرسية". تضيف "لا تساعد الظروف الحالية في لبنان، على توظيف عاملة منزلية، إذ يتطلب ذلك مبلغاً يفوق 20 مليون ليرة شهرياً، لذا كرست وقتي للعناية بالأطفال". وتتابع طوق: لا أتقاضى أي راتب أو معونة مادية بسبب عملي هذا، وأنا مجبرة على ذلك بدافع غريزة الأمومة، رغم التعب الشديد".

وقد كشفت دراسة أميركية صادرة في العام 2018، أن الأمومة تعادل وظيفتين ونصف بدوام كامل، ووجدت الدراسة  أن الوقت الذي تقضيه الأمهات في المهام المتعلقة بالأبوة والأمومة فقط (من دون الأعمال المنزلية الأخرى مثل التنظيف وغيره) يعادل 98 ساعة عمل أسبوعياً، أي أعلى من معدل ساعات العمل الرسمية (48 ساعة) التي أقرتها الاتفاقيات الخاصة بحقوق العمال. فيما لفتت الدراسة إلى أن 71 في المئة من الأعمال الذهنية الخاصة برعاية الأطفال والتخطيط والتدريس، تقوم بها الأمهات، من دون أي أجر مادي.

الدورة الاقتصادية

تلعب المرأة عموماً دوراً كبيراً في الدورة الاقتصادية، كما تساعد الأم أيضاً في زيادة نمو الناتج المحلي، بحسب ما أظهرته دراسة دقيقة أجريت في الولايات المتحدة  قبل سنوات، وبينت أن القيمة الاقتصادية للعمل المنزلي غير مدفوع الأجر للأم  يقدر بنحو 9 في المائة من الناتج المحلي، وإذ أردنا تطبيق ذلك على لبنان، فإن عمل الأم  في رعاية أطفالها (فيما لو تقاضت راتباً) يساهم بنحو 1.8 مليار دولار سنوياً.

بعملية حسابية بسيطة، يمكن للأم اللبنانية الحصول على ما  يقارب من 1000 دولار شهرياً، مقسمة على الشكل التالي: راتب عاملة منزلية يتراوح ما بين  150 إلى 250 دولار من دون احتساب نفقات الإقامة والطعام والشراب، يضاف إليها أيضاً أجرة سائق بنحو400 دولار، وطباخ بنحو 400 دولار في حدها الأدنى. يضاف إليها راتب معلمة للمساعدة في حل الواجبات المنزلية براتب يصل إلى 100 دولار، وإجازة أسبوعية مدفوعة الثمن، ما يصل مجموع ما يجب أن تتقاضاه إلى  نحو 1150 دولاراً، أي ثلاثة أضعاف الحد الأدنى المعمول به.

مأساة الأم العاملة

تتشابه حياة "طوق" مع الآلاف من الأمهات اللبنانيات، إلا أن مأساة أخرى تعيشها الأم العاملة بسبب المنظومة القانونية. تعيش فاتن حمادة حياة مليئة بالتحديات بحسب وصفها. تعمل ما يقارب 7 ساعات يومياً في إحدى المؤسسات، وتضطر إلى ترك رضيعها مع مربية براتب يصل إلى 300 دولار شهرياً، وبعد الساعة الرابعة مساء يتعين عليها القيام بالمهام المنزلية حتى ساعات متأخرة من الليل. تتقاضى حمادة 600 دولار، موزعة ما بين راتب المربية ومستلزمات الرضيع. وتقول: في الكثير من دول العالم، يمكن للأم البقاء مع طفلها حتى بلوغه العام الواحد، وبعدها يمكنها العودة إلى عملها، لكن في لبنان، يستنكر أصحاب العمل حتى إجازة 60 يوماً، ويحاولون صرف الأم من المؤسسة بشتى الطرق".

فجوة كبيرة

مأساة الأم العاملة لا تتعلق فقط بالضغوط التي تواجهها في بيئة العمل وحسب، بل لها تأثيرات على مستقبلها المهني وعلى اقتصاد الدول، من خلال زيادة الفجوة بين الرجل والمرأة في سوق العمل. وكشف تقرير للبنك الدولي في العام 2023 أن الوتيرة العالمية للإصلاحات الرامية إلى المساواة في معاملة المرأة بموجب القوانين تراجعت إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عاماً، الأمر الذي يشكل عقبة محتملة أمام النمو الاقتصادي في وقت حرج بالنسبة للاقتصاد العالمي.

ويتضمن تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون 2023 تقييماً للقوانين واللوائح في 190 بلداً في ثمانية مجالات تؤثر على المشاركة الاقتصادية للنساء، وهذه المجالات هي: التنقل، ومكان العمل، والأجور، والزواج، والوالدية، وريادة الأعمال، والأصول، والمعاشات التقاعدية. وتشير البيانات إلى أنه لا يوجد سوى 14 بلداً تنتمي جميعها إلى البلدان مرتفعة الدخل لديها قوانين تمنح المرأة نفس الحقوق التي يتمتع بها الرجل، وبالطبع لبنان ليس جزءاً من هذه الدول، على أمل صحوة اقتصادية قانونية، تجعل عيد الأم سعيداً كما تستحق.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا