الصحافة

“أكرم إسطنبول” رواية تنتظر كاتبها!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عند قراءة هذه المادّة من المحتمل أن يكون الادّعاء العامّ في إسطنبول قد وضع اللمسات الأخيرة على نتائج التحقيقات والاستجوابات التي أجراها مع حوالي 100 شخص من رجال الأعمال وبعض الفنّانين وموظّفي بلدية إسطنبول أوّلهم رئيس البلدية أكرم إمام أوغلو.

ضخامة العملية الأمنيّة وعدد الموقوفين ونوعيّة التّهم والحديث عن اعترافات تقوّي موقف الادّعاء العامّ، أمور تذهب كلّها في اتّجاه احتمال قبول طلب إقامة دعوى قضائية. ما بعد ذلك لا يقلّ أهميّة سياسياً وحزبياً، والمعنيّ الأوّل هنا هو “حزب الشعب الجمهوري” المعارض الذي ينتمي إليه إمام أوغلو.

قصّة “أكرم إسطنبول” هي رواية تنتظر من يكتبها:

– لبطل الرواية الذي يعيش أزمة طعن في شهادة التخرّج التي حصل عليها من جامعة إسطنبول قبل 35 عاماً بسبب إبرازه مستندات لا تخوّله الانتقال من جامعة خاصّة في قبرص، لكنّه أخذ ما أراد.

– ولشخصيّة التحقت بالعمل السياسي في “حزب الشعب الجمهوري” وتدرّجت في المهمّات والمناصب إلى أن وصلت لرئاسة بلديّة إسطنبول مرّتين متتاليتين في مواجهة مرشّحي حزب العدالة والتنمية وبفارق كبير في الأصوات.

– وللإعلان المبكر عن اختياره مرشّحاً لـ”حزب الشعب الجمهوري” المعارض في المنافسة على منصب الرئاسة في تركيا، على الرغم من أنّ هناك أكثر من 3 سنوات تفصلنا عنها.

مشكلة إمام اوغلو أنّه يقف هذه المرّة أمام المدّعي العامّ لمدينة إسطنبول الذي أمر بقرع أبواب منزله فجر الأربعاء المنصرم، واقتياده إلى مبنى المديرية العامّة للأمن مع نحو مئة شخص على ذمّة التحقيق في مخالفات وتهم كثيرة، بينها الفساد والرشى في المناقصات والابتزاز المالي، ويبقى أخطرها، كما تردّد التسريبات، تشكيل تنظيم ينسّق مع مجموعات إرهابية، تحت غطاء شركة إعلانات ودعاية خاصّة توحّد العديد من البلديات داخل ما يسمّى بـ”التجديد الحضري”، وتتبادل الخدمات والخبرات والمشاريع المشتركة.

تصفية حسابات شخصيّة

صحيح أنّ المعارضة التركيّة وصفت ما يجري بتصفية حسابات سياسية مع الشخصية الأقوى القادرة على منافسة مرشّح “تحالف الجمهور” الحاكم في أيّة انتخابات رئاسية مقبلة. وصحيح أنّ استطلاعات الرأي تعطي حزب الشعب المزيد من الفرص ليتقدّم على حزب العدالة والتنمية، لكنّ الصحيح أيضاً هو أنّ المادّة 101 من الدستور التركي تشترط أن يحمل المرشّح للرئاسة شهادة جامعية. وهو ما لم يعد يملكه إمام أوغلو حسب رئاسة جامعة إسطنبول التي استردّت شهادتها منه. إلى ذلك، الملفّات القضائية التي تنتظره هي أبعد بكثير من مسألة قطع الطريق على دخوله حلبة المنافسة في معركة الانتخابات الرئاسية المقبلة.

يقول إمام أوغلو في آخر ظهور له عبر مقطع فيديو نشره على حسابه على منصّة “إكس”، بدا فيه وهو يرتدي ملابسه استعداداً للمغادرة مع قوّات الأمن، إنّ “إرادة الشعب تتعرّض للانقلاب”، وإنّ “هناك عقلاً يحاول اغتصاب إرادة الأمّة، وقد أرسل ضبّاط الشرطة إلى باب منزلي”.

ويضيف: “نحن نواجه طغياناً واسعاً، لكنّني أسلّم نفسي لشعبي، وسأواصل النضال ضدّ هذا النهج الاستبدادي”. لكنّ مشكلة إمام أوغلو هي الاعترافات والشهادات التي يدلي بها بعض المتضرّرين أو المتعاونين معه في إطار معلومات يقدّمونها مقابل تخفيف الأحكام في حقّهم. وشهادات مماثلة أدلى بها بعض رجال الأعمال الذين تحدّثوا عن إجبارهم على تقديم تبرّعات تحت التهديد، وعن تحقيق مكاسب غير مشروعة عبر عمليّات بيع وشراء وهميّة، إضافةً إلى استخدام ما يُعرف بـ”الخزائن السرّية” لنقل الأموال غير القانونية. هذا إلى جانب تسريبات أخرى تتحدّث عن وجود مخالفات ماليّة واسعة النطاق في عقود الإعلانات والمناقصات التي أبرمتها بلدية إسطنبول الكبرى والشركات التابعة لها، وعن تبييض أموال.

خسارة التّرشّح للرّئاسة

بين ما قد يخسره إمام أوغلو عند إعلان الادّعاء العامّ لنتيجة تحقيقاته وما سيطلبه من محكمة الجزاء فرصة ترشيحه لمعركة الرئاسة. لكنّه قد يخسر منصبه في رئاسة بلدية إسطنبول وموقعه في “حزب الشعب الجمهوري” ومساره الحزبي والسياسي.

حزب العدالة والتنمية أيضاً أمام امتحان إقناع المواطن بأنّ الحراك قضائي عدليّ وليس سياسياً، وإقناع العواصم الغربية التي تتابع عن قرب ما يجري بأنّ ما يدور يتمّ بشفافية مطلقة ولا يعرقل المسار الانفتاحي الجديد بين أنقرة والمجموعة الأوروبية.

يرى البعض خارج تركيا أنّ المسألة تتعلّق باعتقال إمام أوغلو رئيس أكبر مدينة تركيّة، وقطع الطريق على اختيار حزبه له ليكون مرشّحاً منافساً على منصب الرئاسة التركية عام 2028. المسألة في الداخل هي غير ذلك. لا أحد فوق القانون، وعلى الجميع أن يشارك في مساعدة القضاء خلال تأدية مهامّه دون التوقّف عند الأسماء والأشخاص والمناصب. دعوة البعض إلى لعب ورقة الشارع ومحاولات التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي من داخل تركيا وخارجها خطيرة جدّاً، وقد تحمل معها ارتدادات أمنيّة وسياسية وماليّة أكبر على الوضع الداخلي، وقابلها على الفور إعلان السلطات الرسمية بأنّها لن تسمح بمحاولة منع القضاء من القيام بوظيفته وممارسة صلاحيّاته.

مدان أم بطل؟

أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول ليس في قفص الاتّهام بعد، لكنّه مرشّح ليلعب دور البطولة في مغامرة صعبة تتعلّق بمدى صحّة ابتعاده هو وفريق عمله، عن الشعارات المرفوعة والتزاماتهم السياسية والقانونية والوظيفية. القضاء التركي سيساعدنا في رسم معالم هذا المسار من خلال تبرئتهم وإطلاق سراحهم أو الكشف عن نوع وكميّة التهم التي ستوجّه لهم بناء على ما ستقود إليه نتائج التحقيقات. خروجه بريئاً من التهم سيحوّله حتماً بطلاً سياسيّاً أقوى ممّا كان عليه قبل فجر الأربعاء المنصرم.

سمير صالحة-اساس

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا