"ممر داود": هل يتحقق الحلم بـ"إسرائيل الكبرى" بعد ثبات طويل؟
هل المنطقة مقبلة على تغييرات جوهرية قد تطال تبديل أنظمة، ورسم جغرافيا سياسية جديدة تعيد النظر في الخرائط والاتفاقيات والمعاهدات: مثل (اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، ومعاهدة فرساي، ومعاهدة لوزان) التي شكلت الجغرافيا الحالية للمنطقة في بدايات القرن الماضي وجمعت مجموعات عرقية مختلفة داخل حدود كل دولة؟
تقول الروايات التوارتية إن "مملكة داود" تأسست في القرن العاشر قبل الميلاد، وكان النبي داود الذي يحظى بمكانة دينية لدى اليهود والمسيحيين والمسلمين، ثاني ملوك "مملكة إسرائيل الموحدة"، خلفًا للملك شاول.
ويُنسب إليه توحيد قبائل بني إسرائيل وتأسيس مملكة قوية، وجعل مدينة القدس عاصمة ملكه. وفي عهده، توسعت المملكة لتشمل مناطق واسعة في فلسطين والمناطق المحيطة بها.
وتعتمد المعلومات المتوفرة عن حدود مملكة داود وامتداداتها بشكل كبير على الروايات التوراتية التي تتحدث عن مملكة واسعة امتدت من نهر الفرات في الشمال إلى خليج العقبة في الجنوب، ومن البحر الأبيض المتوسط في الغرب إلى الصحراء العربية في الشرق.
خلف سليمان والده داود في الحكم، ووفي عهده، بلغت المملكة أوج ازدهارها، وبني سليمان الهيكل في القدس. لكن بعد وفاته انقسمت المملكة إلى مملكتين: مملكة يهوذا في الجنوب، ومملكة إسرائيل في الشمال.
وتشير الروايات التوراتية إلى أن مملكة داود وسليمان امتدت لتشمل مناطق واسعة في فلسطين والمناطق المحيطة بها، بما في ذلك أجزاء من سوريا ولبنان والأردن.
لكن معظم المعلومات المتوفرة عن مملكة داود تعتمد على الروايات التوراتية، في ظل جدل بين المؤرخين حول مدى دقة هذه الروايات، وحول حجم المملكة وتأثيرها. وفيما توجد بعض الاكتشافات الأثرية التي تدعم بعض الروايات التوراتية، تناقض بعض الاكتشافات الأثرية الأخرى بعض الروايات التوراتية أيضاً.
كذلك ينفي علماء الآثار والمؤرخون وجود أي دليل تاريخي يدعم هذه الفكرة، حيث يرى البعض منهم أن الروايات التوراتية تبالغ في وصف حجم المملكة، وأنها كانت أصغر بكثير مما هو مذكور في التوراة، وأن بعض الأدلة الأثرية تشير إلى أن المملكة كانت تتركز في منطقة القدس والمناطق المحيطة بها، وأن تأثيرها على المناطق الأخرى كان محدودًا.
بالعودة إلى تسلسل الأحداث في المنطقة وبدءاً من السابع من تشرين الاول 2023، تاريخ شن حركة "حماس" عملية "طوفان الأقصى"، اعتمدت إسرائيل معادلة جديدة هي: "دفع الأثمان الباهظة" مقابل تنفيذ ما يراه اليمين لديها "نبوءة توراتية" تتحدث عن "ممر داود"، وذلك بعدما كانت تعمد في إلى حروب سريعة، ثم تلجأ إلى المفاوضات لإطلاق أسراها، فقررت العمل بـ"قانون هانيبال" الذي يتحدث عن "جندي قتيل خير من جندي أسير".
عملية "طوفان الاقصى" وتداعياتها من الحرب على لبنان إلى سقوط النظام في سوريا، شكلت "الفرصة الذهبية" لانطلاق إسرائيل نحو ما تهدف إليه، واستطاعت احداث تغيير جذري لما يُعرف بمعادلة "توازن الكلفة لتحقيق أمنها"، والسير بما عليها إتمامه نحو "شرق أوسط جديد".
فمع سقوط النظام في سوريا، لم تستطع إسرائيل الانتظار، بل قامت على الفور بتدمير أكثر من 80 في المئة من هيكلية الجيش السوري لتجريد الدولة السورية ومؤسساتها من مقدراتها، واستباحت الأراضي السورية، وبسطت سيطرتها الكاملة على سفوح جبل الشيخ والجولان.، وأعلنت عن خططها لإقامة منطقة عازلة في الجولان، وتبنّت فكرة تقسيم سوريا إلى كيانات، ودعم الأقليات مثل الأكراد والموحدين الدروز، الأمر الذي سيزيد من الصراعات الداخلية، ويحمل في طياته الكثير من التداعيات الإقليمية.
وبدأت إسرائيل تتحدث عن مشروعها التوسعي الذي يسمى بـ"ممر داود" الذي يجتاز الأراضي السورية وصولاً إلى الحدود العراقية وإلى نهر الفرات تحديداً، تحقيقاً للنبوءة التوراتية بـ"مملكة داود"، لتعزز بذلك نفوذها الإقليمي، ويدعم رؤيتها لتنفيذ الحلم بـ"إسرائيل الكبرى".
ويُفترض أن يمتد ممر داود من جنوب سوريا، مروراً بمحافظات درعا والسويداء والتنف، (حيث تتواجد القواعد العسكرية الأميركية حاليًا)، وصولاً إلى مناطق شرق وشمال سوريا، ويلتحم بذلك التمدد الكردي المدعوم أميركيًّا، بالتمدد الإسرائيلي، وليعزز ذلك نفوذ تل أبيب على حساب النفوذ التركي والإيراني في المنطقة.
ولا ترى إسرائيل أن هناك من يستطيع أن يحد من طموحاتها، ما دام العالم أجمع، منحها صكاً بذلك مع وجود قواعد أميركية في هذه المناطق، ليشكل دعمًا ضمنيًّا لهذه المخطّطات في مواجهة خصومها الإقليميين.
من وجهة نظر أنقرة، فإن هذا الممر لن يكون مجرد طريق بري، بل سيتحول إلى قناة استراتيجية تخدم الأجندات الإسرائيلية عبر خلق شراكة مباشرة مع الأكراد، سواء في سوريا أو العراق. ويعكس هذا التوجه تنافسًا إقليميًا محتدمًا، خصوصًا في ظل تراجع الدور الإيراني والروسي وتبدًل موازين القوى بعد سقوط النظام في سوريا.
فهل باتت المنطقة أمام رسم جغرافي جديد، وجزء من مخطّط طويل الأمد لتغيير خريطتها من خلال تحالفات دولية وإقليمية جديدة تعزز نفوذ إسرائيل وتحفظ أمنها بعدما أصبح المسرح ممهدًا لها لتحقيق كُلّ مشاريعها؟
غير أن المنافسة الإقليمية ستظل محركًا رئيسيًا للصراعات المستقبلية. فمن جهة، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها في سوريا لمواجهة المخاطر الكردية، ومن جهة أخرى، تتحرك إسرائيل لتحقيق مصالحها على حساب خصومها التقليديين.
وعلى ما يبدو، ووفقاً لمجريات الأحداث المتسارعة، لم يعد ذلك مجرد سيناريو افتراضي، بل واقع تسعى إليه إسرائيل مستفيدةً من التعقيدات والتشابكات الإقليمية والدولية الحالية التي تعتبرها الفرصة الأكثر ملاءمة لتحقيق ذلك، سواء تحقق ذلك عبر الحروب المدمّرة أو بالتسويات والمقايضات والمفاوضات.
في ظل هذا المخاض، ليس معلوماً ما إذا كانت ستسمح إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة، بقيام دولة فلسطينية مستقلة، في وقتٍ تسعى دول المنطقة لتسوية عنوانها حل الدولتين مقابل ضمان أمن إسرائيل التي لم يعد هذا الأمر واردًا في حساباتها المستقبلية.
ويشار إلى أن وصول دونالد ترامب إلى سدة البيت الأبيض، ربما يسرّع في إتمام مشروع الشرق الأوسط الجديد. فهو الذي توعد بإنهاء الحرب بما يرضي إسرائيل ويحقق المصالح الأميركية. وكان أعلن بوضوح خلال كلمته الانتخابية، أن إسرائيل صغيرة جدًا، وألمح إلى ضرورة توسعتها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|