حان الوقت ليقول "حزب الله" وداعاً
استيقظ لبنان أمس من سبات مرحلة ما بعد قرار وقف اطلاق النار في جنوب لبنان. ورّن جرس المنبّه الذي كان كناية عن "منصات صواريخ بدائية" عثر عليها الجيش وفككها. لكن هذه المنصات انطلقت منها صواريخ تصدّت لها إسرائيل قبل أن تسقط عندها، ما أيقظ ليس لبنان من سباته فحسب، وإنما إستيقظت المنطقة وخارجها على احتمال أن تعود الحرب الى الجبهة اللبنانية مع إسرائيل، بعدما ساد الاعتقاد بأنّها لن تعود بعد اليوم.
في أي حال، أعادت الصواريخ التي أنكر "حزب الله" علاقته بها الى الذاكرة منصات وصواريخ انطلقت مراراً خلال حرب الإسناد الشهيرة التي فتحها "الحزب" ضدّ إسرائيل في 8 تشرين الأول 2023. وكانت المنصات مع صواريخها تنصب في سهل القليلة في منطقة صور الساحلية على مقربة من مخيم الرشيدية للاجئين الفلسطينيين وسط تلميحات إلى أنها لحركة "حماس" فرع لبنان من أجل دعم مركزها الرئيسي في غزة. أمّا الآن، فانتصبت المنصات ووجبة الصواريخ الجديدة في منطقة أرنون الشقيف التي تقع على مرتفع يشرف على سهل الخيام في مقابل الحدود الإسرائيلية. وتأتي الإشارة الى الموقع الجغرافي للقول إنه لا وجود لتجمّع فلسطيني في المكان للتقليل من احتمال شبهة علاقة الواقعة بطرف فلسطيني.
لكن هذه الواقعة، أتت غداة مناقشة داخلية بلغت ذروتها بالمواقف التي اعلنها رئيس مجلس الوزراء نواف سلام الذي قال بصريح العبارات إن زمن "الثلاثية" التي اعتمدها "حزب الله" ورعاته في الإقليم على مدى عقود لتبرير سلاح "الحزب" قد ولّت من غير رجعة. ومنحت المنصات والصواريخ "المجهولة" أمس استراحة من حملة شنها معسكر "الثلاثية" على سلام، وكادت ان تعنف لكن رياح الجنوب الحارّة غيّرت الأحوال ولو الى حين.
ما قاله الرئيس سلام بعد أقوال لوزير الخارجية يوسف رجي، إضافة الى ما جرى داخل جدران مجلس الوزراء قبل فترة قصيرة لم يكن "ثرثرة على ضفاف الليطاني" شبيهة بـ"ثرثرة على ضفاف النيل" في رواية نجيب محفوظ الشهيرة. بل كان كلاماً صريحاً حول ضرورة نزع سلاح "حزب الله" كي يستتبّ تنفيذ القرار 1701 واخواته التي ترعرعت في المنزل الوالدي الذي يحمل اسم اتفاق الطائف عام 1989. وسيبقى هذا الكلام متربّعاً على منصة السلطة التنفيذية وسينطلق مجدداً وربما بقوة أكثر هذه المرة بعد ما جرى أخيراً في الجنوب.
لفت الانتباه المنحى الذي ذهبت إليه التقديرات لتطوّر الموقف الميداني على المسرح الجنوبي. وتصدّرت هذه التقديرات ما ورد في وسائل إعلام عالمية عادت الى إيلاء لبنان اهتماماً بعد تجاهل استمرّ أشهراً تقريباً من الناحية الأمنية على الأقل. ومن هذه الوسائل، وكالة "رويترز" التي لفتت الى أن ما جرى "هدّد هدنة هشة أنهت حرباً استمرت عاماً" بين إسرائيل و"حزب الله". وقالت: "هذا الصراع هو أعنف امتداد لحرب غزة، إذ انتقل عبر الحدود لشهور قبل أن يتسبّب هجوم إسرائيلي عنيف في مقتل كبار قادة "حزب الله" والكثير من مقاتليه ومعظم ترسانته".
بدورها ، كتبت الـ "نيويورك تايمز" تقول: "كانت الهجمات أحدث مثال على كيفية تداعي الهجوم الإسرائيلي المتجدّد في غزة في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وعطّلت شهوراً من الهدوء النسبي في شمال إسرائيل، حيث بدأ السكان الذين نزحوا بسبب أكثر من عام من القتال بين إسرائيل و"حزب الله" في العودة إلى ديارهم في الآونة الأخيرة".
يستفاد من وسيلتين اعلاميّتين غربيّتين بارزتين أن الصلة بين جبهتيّ غزة ولبنان عاد الى السطح بعدما اعتقد كثيرون أن حبل السرّة بينهما قد انقطع نهائياً. وتتطلب مناقشه هذا الجانب من تطور الاحداث متابعة تفاصيل لا بد من الاهتمام بها خارج الإطار الداخلي البحت. وتشير الوقائع العاصفة في القطاع الفلسطيني مجدداً تحت وطأة آلة الحرب الإسرائيلية ومثلها الحرب الأميركية المستمرّة على اليمن وارتدادات ذلك على ايران التي تمثّل قبلة الممانعة في الشرق الأوسط، انّ لبنان لن يكون بمنأى عن هذه الاحداث.
قرأت الولايات المتحدة في يوم المنصات والصواريخ المجهولة في جنوب لبنان أنّها تناقش الآن كيفية نزع السلاح من "حماس "كجزء من تسوية ما بعد الحرب في غزة.
هذا ما صرّح به ستيف ويتكوف، مبعوث إدارة ترامب للشرق الأوسط الذي اضاف: "هذا هو الشيء الكبير". وقال: "إنهم بحاجة إلى نزع السلاح. لا يمكن أن يكون لدينا منظمة إرهابية تدير غزة".
لم يكن المسؤول الأميركي وحده من قال ذلك. فقد دعت حركة "فتح" التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، حركة حماس الى "التخلي عن السلطة بهدف حماية الوجود الفلسطيني في قطاع غزة".
ودعا الناطق باسم حركة "فتح" في قطاع غزة منذر الحايك حماس إلى أن "تغادر المشهد الحكومي، وأن تُدرك تماماً أن المعركة القادمة هي إنهاء الوجود الفلسطيني". وقال لـ"فرانس برس": "على حركة حماس أن ترفق بغزة وأطفالها ونسائها ورجالها، ونحذّر من أيام ثقيلة وقاسية وصعبة قادمة على سكان القطاع".
ومن البحر المتوسط الى البحر الأحمر. حيث نشرت امس مجلة "إيكونوميست" البريطانية تقريراً قالت فيه إن الغارات الأميركية ضد الحوثيين في اليمن قد تؤدي إلى "عاصفة إقليمية". ورأت المجلة أنه "بعد إضعاف "حزب الله" في حربه مع إسرائيل، والإطاحة بنظام بشار الأسد، يبدو أن الجنرالات الأميركيين على ثقة من قدرتهم على التعامل مع عضو في محور المقاومة الذي تقوده إيران".
ويمتد قوس الأزمات المتجدد الى طهران . واتت تصريحات المرشد علي خامنئي الأخيرة لتعطي إشارات غامضة الى أن محور الممانعة دخل مرحلة جديدة من العمل. قال خامنئي في كلمته السنوية بمناسبة أعياد "نوروز"، إن حلفاء طهران في المنطقة، هم "قوى مستقلة تدافع عن نفسها". لكنه توعَّد الولايات المتحدة بـ"صفعة رنّانة لو شرعت في عمل ما" ضد بلاده.
وفي جزء آخر من خطابه، قال خامنئي: "في الصراع بين الحق والباطل، النصر يكون للحق، لكنه يدفع الثمن، وما جرى في العام الماضي كان من هذا القبيل. فقدنا شخصيات إيرانية ولبنانية بارزة. كان ذلك مصيبة كبيرة بالنسبة لنا".
يجب التساؤل عن سبب عدم تسمية خامنئي هذه "الشخصيات" بالاسم، ولو انه يشير الى من بينهم الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله. سيترك الجواب لما ستؤول اليه الأمور من الآن فصاعداً. وتحمل هذه المرحلة عنواناً كبيراً هو "نزع السلاح" من البحر المتوسط الى بحر قزوين. وسيكون من بين هذه التفاصيل الأساسية لهذا العنوان هو نزع سلاح "حزب الله". كم سيكون مهماً لو كان هناك من يستطيع اتخاذ القرار الجريء في "الحزب" فيعلن "وداعاً" للسلاح واهلاً بالسياسة. ويمثل هذا القرار، لو أبصر النور، ذروة الإخلاص للبنان عموماً وبيئة "الحزب" خصوصاً. فهل يكون هذا ممكنا قبل فوات الأوان؟
أحمد عياش-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|