الإمارات تدين قرار الحكومة الإسرائيلية التوسع بالاستيطان في هضبة الجولان المحتلة
العالم يزداد قسوة: كيف تتركّز الثروة بيد القلّة؟
تشير أرقام جريدة فوربس إلى أنّ عدد المليارديرات ارتفع خلال العام الماضي ليتجاوز حدود 2755 شخص، بزيادة قدرها 660 شخصًا مقارنة بالعام السابق. وبذلك، كان عدد الميليارديرات يرتفع خلال السنة الماضية بمعدّل شخص كل 17 ساعة. في واقع الأمر، لم يرتفع عدد هؤلاء فقط، بل ارتفعت أيضًا قيمة ثرواتهم المجمّعة، لتتجاوز حدود 13.1 تريليون دولار بنهاية العام، أي بزيادة قيمتها 8 تريليون دولار، ونسبتها 156.8%، مقارنة بالعام السابق. ولفهم ضخامة الثروات التي يسيطر عليها هؤلاء، تكفي الإشارة إلى أنّها توازي 14% من حجم الاقتصاد العالمي، أي ناتجه المحلّي، خلال السنة الماضية بكاملها. وفي خلاصة الأمر، بات 2755 شخصًا يملكون ثروات تفوق ما تملكه شريحة 4.6 مليار شخص الأفقر في العالم، والذين يمثّلون معًا 60% من سكّان الكرة الأرضية.
تركّز الثروة بيد القلّة وتوسّع دائرة الفقر حول أنحاء العالم
على هذا النحو، ازداد العالم قسوة خلال السنتين الماضيتين، وازداد –بما لا يقارن بالسنوات السابقة- تركّز الثروة بيد القلّة الصغيرة الأثرى في الكوكب. ومن نتائج هذا الأمر على سبيل المثال، ما أشارت إليه منظمة أوكسفام سابقًا، من أنّ أثرى عشرة أشخاص على سطح الكرة الأرضيّة تمكنوا من زيادة من ثرواتهم المجمّعة من 700 مليار دولار إلى 1.5 تريليون دولار خلال سنة واحدة، أي بوتيرة 15 ألف دولار في الثانية الواحدة.
أمّا المفارقة الأهم التي أشارت المنظّمة في تقريرها، فهي أنّ بإمكان هؤلاء أن يخسروا 99.999% من ثرواتهم، وأن يبقوا بعدها أثرى من 99% من سكّان الكرة الأرضيّة! ولعل الملفت أن ثروات هؤلاء العشرة معًا، باتت اليوم توازي قيمة ثروات 3.1 مليار شخص الأفقر في العام، والذين يمثّلون 37.5 %من سكان العالم بأسره.
وفي جميع أنحاء العالم، تتزايد مؤشّرات الثراء الفاحش الذي تنعم به هذه الفئة المحدودة والصغيرة من البشر. خلال العام الماضي، تزايد عدد القوارب السياحيّة الضخمة والفارهة المصنّعة بنحو الضعف مقارنة بالعام السابق، فيما تجاوز سعر بعض هذه القوارب –كحال قارب مؤسس موقع أمازون جيف بيزوس- حدود 500 مليون دولار. وفي جميع الجنّات الضريبيّة والأسواق العقاريّة وصناديق الخدمات الاستثماريّة الخاصّة، تزايد حجم الثروات التي تُدار لمصلحة الشريحة الأثرى في العالم.
كل ما سبق ذكره، من تزايد أعداد الميليارديرات وتنامي تركّز الثروة بيدهم خلال السنتين الماضيتين، كان يمكن أن يمرّ مرور الكرام، لولا أنّ هناك وجهاً آخر لحكاية توزّع الثروات العالميّة. فعلى المقلب الآخر، كان عدد فقراء الكوكب الذين يقتاتون على أقل من 5.5 دولار أميركي في اليوم يزداد بنحو 160 مليون شخص جرّاء تفشي جائحة كورونا. وفي النتيجة، من المتوقّع أن يبلغ عدد الأشخاص الذين يعانون من فقر مدقع حول أنحاء العالم نحو 698 مليون شخص، أي ما يقارب 9% من سكّان الكرة الأرضيّة. مع الإشارة إلى أنّ تعريف الفقر المدقع هنا يحدد الحد الأدنى للدخل اليومي بحدود 1.9 دولار أميركي.
عوامل تركّز الثروة
عمليًا، يتركّز السؤال اليوم حول العوامل التي دفعت باتجاه تركيز الثروات بهذا الشكل الفادح، خلال السنتين الماضيتين بالتحديد. فمع تفشّي جائحة كورونا عام 2020، وعلى هامش حالات الإقفال العام، لجأت المصارف المركزيّة حول أنحاء العالم إلى ضخ السيولة في الأسواق، للتغلّب على عوامل الانكماش الاقتصادي التي استجدّت بعد تفشّي الوباء. إلا أنّ كميّات السيولة التي جرى ضخّها منذ ذلك الوقت سرعان ما حطّت الرحال في البورصات العالميّة وأسواق المال، ما ساهم بإنعاش قيمة أسهم الشركات والأصول العقاريّة وغيرها من الأدوات الاستثماريّة، التي تستخدمها الفئات الأثرى في أي مجتمع. وهذه التحوّلات تحديدًا هي ما يمكن رصده من خلال مؤشّر الأسهم الأميركيّة S&P 500، الذي توازي قيمته اليوم نحو 3957 نقطة، مقارنة بـ2584 نقطة فقط في بداية شهر آذار 2020.
منذ هذه الزاوية بالتحديد، يمكن فهم زيادة ثروة جيف بيزوس بقيمة 70 مليار دولار خلال عام 2020، الذي شهد تفشّي الجائحة، بعدما ازدادت قيمة أسهم شركة أمازون بنسبة 75% خلال ذلك العام، فيما استمرّت قيمة السهم بالارتفاع خلال العام التالي. وكذلك يمكن فهم الزيادة السريعة في ثروة إيلون ماسك، والتي بلغت نسبتها 1000% منذ تفشي الجائحة، بعدما ارتفعت باضطراد أسهم شركاته المسجّلة في البورصة.
وبينما كانت هذه الفئة من المليارديرات تنعم بالأرباح الناتجة عن تدفّق السيولة إلى الأسواق، كانت الفئات الأفقر والأكثر هشاشة تدفع ضريبة هذا التوسّع في ضخ النقد، من خلال التضخّم الذي بدأت تشهده الأسواق العالميّة منذ العام الماضي، بعدما استعاد الطلب على السلع الأساسيّة عافيته، مقابل استمرار الضغوط على سلاسل التوريد. مع الإشارة إلى أنّ الفئات المحدودة الدخل غالبًا ما تدفع ثمن الضغوط التضخّميّة، بالنظر إلى محدوديّة قدرتها على مواءمة أجورها ومداخيلها مع معدلات التضخّم المستجدة، في حين أن الفئة الأثرى من المستثمرين غالبًا ما تستفيد من ارتفاع الأسعار وانتعاش أسواق المال العالميّة، تمامًا كما حصل مع ماسك وبيزوس في سوق الأسهم.
على أي حال، وبالإضافة إلى تحمّل كلفة التضخّم نفسه، كان على المجتمعات الأكثر هشاشة اليوم تحمّل كلفة المعالجات التي تم اعتمادها للتعامل مع هذا التضخّم، وتحديدًا تلك المتصلة برفع الفوائد العالميّة. ففي النتيجة، ساهمت هذه التطوّرات برفع كلفة خدمة الديون الخاصّة، وزادت الأعباء على قيمة عملات الدول الناميّة، كما تزايدت الضغوط على الميزانيّات العامّة التي ستتحمّل كلفة الفوائد المرتفعة. في المقابل، ساهم ارتفاع نسبة الفوائد بزيادة عوائد الودائع المصرفيّة والتوظيفات في أسواق السندات.
باختصار، لم يكن تزايد معدلات اللامساواة، وتركّز الثورة بيد القلّة، مجرّد نتائج عرضيّة لأحداث غير مقصودة، بل كان نتيجة السياسات التي جرى اعتمادها خلال السنتين الماضيتين للتعامل مع الجائحة أولًا، ولمعالجة آثار التضخّم بعد انحسار الجائحة ثانيًا. أمّا الأهم، فهو أنّ تركّز الثروة هذا بات أيضًا نتيجة لنوعيّة السياسات الضريبيّة المعتمدة في الغالبيّة الساحقة من دول العالم، والتي باتت تسهّل كل أشكال التهرّب الضريبي القانوني والشرعي، مع كل ما يعنيه ذلك من تفلّت الأثرياء من سياسات إعادة التوزيع الضريبيّة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|