حكومة الـ”لا ضمانات”: استاتيكو مفتوح على كلّ الاحتمالات
لا ضمانات بأنّ “صواريخ السبت” قد لا تتكرّر في سياق سيناريو مماثل، أو من خارج قواعد اللعبة، ولا ضمانات في المقابل بأنّ العدوّ الإسرائيلي لن يتمادى أكثر في تحصين المنطقة العازلة جنوباً، وتحويلها إلى ورقة ضغط في مفاوضات السلام، وقصف أيّ هدف، بأيّ منطقة، بما في ذلك الضاحية وبيروت، كما هدّد.
هذا الاستاتيكو، الذي يُظلّله قرار “الحزب” بالنأي بنفسه عن أيّ عمل عسكري، من دون ضمانات لتاريخ “صلاحيّته”، يُشكّل مزيداً من الضغط على حكومة نوّاف سلام لأنّه قد يستمرّ لفترة طويلة، ويستولد توتّرات داخلية لم تَسلَم الحكومة منها في ظلّ الاختلاف السياسي الذي بات يُباعد بين بعض وزرائها، وبين رأس الحكومة و”الحزب” و”جمهوره”.
عَكَس البيانان الصادران عن رئيسَي الجمهورية والحكومة، عقب إطلاق الصواريخ المجهولة المصدر باتّجاه الأراضي المحتلّة، ما يُشبه “نداء استغاثة” متكرّراً للخارج كي يضغط على إسرائيل للانسحاب، وللداخل مستهدفاً “الحزب”، بشكل مبطّن، أو فصائل موالية له، كي لا يجرّ لبنان إلى المحظور.
النتيجة: لا نتيجة، باستثناء كبح جماح إسرائيل، مؤقّتاً، عن توجيه ضربات عسكرية أكثر تدميراً، مع العلم أنّه للمرّة الأولى منذ تطبيق قرار وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني الماضي، ركّز العدوّ ضرباته شمال الليطاني، جنوباً وبقاعاً، وصولاً إلى الحدود الشرقية مع سوريا، مستهدفاً بلدة حوش السيّد علي التي شهدت مواجهات ضارية بين الجانبين اللبناني والسوري منذ أيّام، وتشهد حاليّاً انتشاراً للجيش في جزئها اللبناني.
“عدّاد” للخروقات
منذ إعلان البيان الرئاسي الثلاثي من قصر بعبدا في 18 شباط الماضي، وتكثيف الضغوط من جانب رئيس الجمهورية، عبر الأميركيين تحديداً، لدفع إسرائيل إلى تقليص بقعة احتلالها جنوباً، والكفّ عن الخروقات الجوّيّة، تمهيداً للانسحاب الكامل، ازداد الضغط الإسرائيلي بالاتّجاه المعاكس، فتحوّلت بذلك اللجنة الخماسية المكلّفة مراقبة وقف إطلاق النار والحكومة واليونيفيل إلى “عدّاد” للخروقات الإسرائيلية لا أكثر، مقابل محاولة فرض ورقة “اللجان الدبلوماسية” للتفاوض على ترسيم الحدود والانسحاب والأسرى. يحصل ذلك في ظلّ معادلة ثابتة لـ”الحزب” رَفَع من خلالها “العشرة”: لسنا معنيّين بأيّ تحرّك عسكري جنوباً، ونلتزم وقف إطلاق لنار، ونقف خلف الدولة.
وفق مصادر سياسية مطّلعة قريبة من “الحزب”، سيَحكم هذا الموقف أدبيّات “الحزب” في التعاطي مع الحكومة، حتّى إشعار آخر، ولو كان يُدرك أنّ ما أعلَنه مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق ديفيد شنكر من “تفضيل الحكومة اللبنانية مواصلة إسرائيل عمليّاتها العسكرية ضدّ “الحزب”، على أن تجري الحكومة اللبنانية (الجيش) هذه العمليات بنفسها”، هو الموقف “العميق” للسلطة الحالية وترجَمَته الوقائع العسكرية على الأرض منذ اليوم الأوّل لتطبيق وقف إطلاق النار. وأكّدت هذه المصادر أنّ “هذا القرار سياسي، منسّق مع الأميركيين، في ظلّ عدم قدرة لبنان أصلاً على دفع الإسرائيلي للالتزام بتطبيق اتّفاق وقف إطلاق النار بحرفيّته، والجيش بهذه الحال يتحرّك وفق القرار السياسي، مع استعداده بعديده الحالي للانتشار في مواقع تمركز العدوّ الإسرائيلي في حال انسحابه”. اللافت أنّه حتى يوم أمس لم يصدر أيّ موقف رسمي ردّاً على كلام شينكر.
لكن كان لافتاً في هذا السياق تأكيد الرئيس برّي، في حديث لـ”الشرق الأوسط”، أنّ “الجيش اللبناني هو الآن على جهوزيته لاستكمال إنتشاره في جنوب الليطاني، لكن المشكلة تكمن برفض إسرائيل الإنسحاب من عدد من النقاط، وهذا ما حال دون انتشاره حتى الحدود الدولية بمؤازرة قوات الطوارئ الدولية المؤقتة (يونيفيل)”.
كما أكد إن اقتراح اللجان الدبلوماسية “غير قابل للبحث لأن مجرد القبول به يعني الإطاحة باتفاق وقف النار”.
مواجهة بين الجيش و”الحزب”؟
تبدو حكومة الرئيس نوّاف سلام فعليّاً تحت ضغط هائل على الرغم من الموقف الحيادي لـ”الحزب”. إذ ثمّة فريق داخل الحكومة، قريب من “القوات”، بات يتحدّث علناً عن ضرورة سحب الجيش اللبناني سلاح “الحزب” بالقوّة أو بالتراضي، و”لتفتح المواجهة بين الجيش و”الحزب”، وليس هناك من حلّ آخر”، على حدّ تعبير الوزير السابق غسان حاصباني. ذهب الأخير بعيداً في “تلزيم” مهمّة نزع السلاح إلى الإسرائيلي جنوباً، والسوري على الحدود الشمالية الشرقية، إذا لم ينجح الجيش اللبناني في ذلك.
في المقابل، ثمّة فريق يسحب أيّ مشروعيّة لسحب السلاح، أو وضع روزنامة له راهناً، ما دام لبنان تحت الاحتلال، وعبّر عنه صراحة وزراء داخل الحكومة. في الوسط، وقف الرئيس نوّاف سلام ماسكاً العصا من النصف، بتأكيد “طيّ صفحة سلاح “الحزب” بعد البيان الوزاري” (الذي منحته كتلة “الحزب” ثقتها)، لكن من دون أن يتمكّن من فرض مسار، إلى جانب رئيس الجمهورية، يُخفّف من وهج الانقسام الداخلي المتمادي بسبب موضوع السلاح والمقاومة، أو يُقنِع إسرائيل بالتراجع عن تصعيدها المتمادي، بما يمنح الحكومة ورقة قويّة بوجه “الحزب”، وقواعده “الناشطة” على مواقع التواصل الاجتماعي.
برّي مستاء
في هذا السياق، تفيد معلومات “أساس” بأنّ الرئيس نبيه برّي أبدى استياءً كبيراً من بعض تصريحات وزراء وشخصيات حزبية تصبّ في خانة تأجيج الوضع الداخلي في لبنان وإدخاله نفق المواجهات السياسية المحلّية، فيما هو بحاجة إلى رصّ صفّه الداخلي. وقد سمّى وزير الخارجية يوسف رجّي بالاسم، المحسوب على “القوات”، متمنّياً أن يعتمد خطاباً وطنياً يمثّل اللبنانيين لا فئة معيّنة، في مرحلة بالغة الخطورة، بحيث لا يمنح الإسرائيلي ضوءاً أخضر لاستكمال خرقه الاتّفاق، وتكريس احتلاله. وهذا ما دفع برّي إلى “المطالبة بتنقية الخطاب السياسي، ووعي مخاطر خلق الذرائع أمام العدوّ”.
زيارة لودريان
لا يعوّل أحد من أطراف الداخل فعليّاً على الزيارة التي سيقوم بها غداً إلى بيروت الموفد الفرنسي جان إيف لودريان لتصويب بوصلة الأحداث التي تأخذ منحى أكثر خطورة جعل لبنان بين فكّي كمّاشة حدوده الجنوبية والشرقية، بالنظر إلى الدور غير المؤثّر كثيراً لباريس في لجنة الإشراف على تطبيق القرار 1701 التي تكاد “تودّع”، بعكس دورها المؤثّر المتوقّع في ملفّ إعادة الإعمار والمؤتمر الذي تُعدّ له باريس لإطلاق عجلة هذا الملفّ، من دون أن يتّضح حتى الآن “الثمن” الذي سيتعيّن على لبنان و”الحزب” الشريك الأساسي فيه دفعه في مقابل ذلك.
ملاك عقيل - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|