هل تستطيع الحكومة مواجهة عواصف المنطقة؟
يسأل المواطن، الذي لا تعني له الشيء الكثير خلافات أهل "الترويكا" على التعيينات أو اتفاقهم على تمريرها بأفضل الشروط التحاصصية، عمّا تغيّر بين الأمس واليوم. قد يكون في حكم هذا المواطن، الذي كان ينتظر أن تحمل إليه هذه الأيام المنّ والسلوى، شيء من المبالغة في التقليل من شأن ما يمكن أن تحقّقه الحكومة من إنجازات إصلاحية، وما تستطيع أن تنقذه قبل فوات الأوان، وقبل أن يسبق سيف نتنياهو المسلط على رقاب الغزاويين العذل. وما تقترفه إسرائيل من مجازر متجدّدة في قطاع غزة لن تكون مفاعيله محصورة بالقطاع، بل ستتخطّاه ليشمل
المنطقة بأسرها بدءًا من لبنان، باعتباره الخاصرة الأكثر ضعفًا، وذلك نظرًا إلى ما تشهده ساحته السياسية من خلافات علنية وظاهرة وأخرى مخفية، مع ما يكتنف علاقة اللبنانيين بين بعضهم البعض من التباسات بالنسبة إلى الأولويات.
وعلى رغم أن ما يصدر عن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون من مواقف يومية لا تخلو مما افتقد إليه هذا الموقع منذ مدّة فإن آمال المواطنين كانت أكبر مما يسمعونه ومما يرونه. وقد يكون في هذه المقارنة بعضٌ من ظلم يلحق بمن لم تسخن بعد الكرسي الرئاسي التي جلس عليها قبل نحو شهرين. إلاّ أن ما يطالب به جميع المواطنين من دون استثناء محقٌ ومنطقي، خصوصًا أن ما تعرّضوا له في الماضي، أقّله بالنسبة إلى ودائعهم المنهوبة، يجعلهم ينفخون على كل ما يشبه الحليب، بعدما اكتووا منه أكثر من مرّة حتى ولو كان هذا الذي ينفخون عليه يبدو أكثر بياضًا من الحليب المغلي.
في الواقع الحياتي اليومي للمواطنين لم يتغيّر الشيء الكثير. كل ما كان يؤمل به لم يتحقّق منه شيء، وبقي الماضي وما فيه من تعاسات على حاله. وهذا ما سبق أن حذّر منه كثيرون، باعتبار أن خيبة الأمل تكون عادة أشدّ وطأة عندما تتخطّى هذه الآمال حجمها العادي والطبيعي. وهذا ما يفسّر الحالة النفسية لدى أغلبية الناس، الذين انتظروا أن يروا ما كانوا يتوقعونه أو يطمحون إليه فلم يروا في الحاضر ما لم يروه في الماضي. ولذلك كانت الخيبة كبيرة، خصوصًا أن حكم الناس فيه الكثير من التسّرع العفوي، والذي قد يكون مبرّرًا. إلا أن بعض الذين وطأت أقدامهم حديثًا السرايات يأخذون على الناس هذا التسّرع في إصدار الأحكام، خصوصًا أن من يتوّلى مسؤولية كتلك الملقاة على أكتاف الحكومة الجديدة ورئيسها يعترف بأنه لن يستطيع أن يقدّم الحلول للمشاكل التي لا تعدّ ولا تحصى، والتي يعاني منها الجميع، بكبسة زرّ، وهو الذي لا يحمل عصى موسى.
صحيح أن المواطن النازلة على "نفوخه" كل أنواع الضربات ليس كمن يعدّ تلك الضربات. فهو المحروم من التيار الكهربائي أقّله 12 ساعة على 24، وهو الذي يعاني في كل مرة يريد فيها أن يستخدم ما يحتاج إليه من مياه فلا يجدها في "الحنفيات" سوى بالقطارة، وهو الذي يعلق كل يوم في تنقلاته بزحمة سير كيفما اتجه، وهو الذي لم يعد يكفيه راتبه الشهري حتى الأيام الأولى من كل شهر، وهو الذي نُهبت ما حوشه من مدخرات بيضاء لأيامه السود، وهو يعيش من دون أي ضمانة طبية، وهو الذي لا يعرف متى تسقط على رأسه رصاصة طائشة، وهو الذي ترهبه أصوات المسيرات الإسرائيلية التي لا تفارق سماء لبنان، من جنوبه إلى شماله، ومن سهله إلى بحره، وهو الذي بات "ينقز" من "طبشة" الباب لكثرة ما سمعه من أصوات القذائف التي لا تزال تطّن في رأسه، وهو الذي بات يمشي في الطرقات يحاكي نفسه، وهو الذي بات يخاف أن تحمل له الأيام الطالعة ما حملته الأيام المنصرمة من تعاسة وسوء حظ.
وقد لا نزيد شيئًا على ما أورده موقع "ميدل أيست أي" من شكوك عن إمكانية قدرة الحكومة، التي تضم، وفق تعبير كاتب المقال في الموقع المذكور، القوى السياسية الرئيسية المسؤولة عن انهيار لبنان، على إنهاضه من كوته. ويرى أن لبنان يحتاج قبل كل شيء إلى رؤية سياسية مشتركة لمستقبله. ولتحقيق ذلك، يجب على هذه القوى تجاوز انقساماتها الطائفية المتجذرة. ويتعيّن على الحكومة، كسابقاتها، أن تجتاز الانقسامات العميقة بين مختلف مكوناتها السياسية. وإذا لم تتوافق القوى السياسية، ومن داخل مؤسسة مجلس الوزراء هذه المرة، على الطريقة الممكنة والمتاحة لتجاوز خلافاتها السياسية بأقل أضرار ممكنة، فإن طريق التعافي ستكون شاقة ومحفوفة بالمخاطر والألغام القابلة للانفجار عند الاستحقاقات الداهمة، خصوصًا أن ما يشهده الجنوب اليوم من اعتداءات إسرائيلية قد أعاد عقارب الساعة الحكومية إلى الوراء، والتي ستجد نفسها عاجزة عن القيام بما قامت به حكومة تصريف الأعمال، التي تمكّنت من التوصّل إلى اتفاق لوقف النار، الذي لم تلتزم به إسرائيل.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|