منصات تهدّد لبنان: أيّ مستقبل ينتظرنا؟
لا تقتصر زعزعة أمن واستقرار لبنان على منصاتٍ بدائية الصنع، تائهة في براري الجهل، كادت أن تطيح باتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل قبل أيام، بل تمتد إلى منصاتٍ مشبوهة، تخدم إرادة مموليها الهدّامة وأنشطتهم التضليلية الهادفة إلى تغيير وجه لبنان، الدولة والفكرة.
منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية عام 2016، فرض محور المقاومة سيطرته على مفاصل السلطة في لبنان، ما أتاح بيئة خصبة لتسويق فكرة تغيير النظام.
تفاقم التحديات المالية، الناتج عن هيمنة سلاح غير الشرعي على الدولة، أفسح المجال أمام منصات إعلامية تدّعي أنها “بديل إعلامي” لنظامٍ بديل، لاستدراج الرأي العام اللبناني، خصوصاً بعد ثورة 17 تشرين 2019، نحو خطاب تحريضي يستهدف تركيبة النظام اللبناني ومؤسساته المالية والأمنية والاقتصادية.
تحكّم “حزب الله” وحلفاؤه بكامل مفاصل حكومة الدكتور حسان دياب عام 2020، شكّل قاسماً مشتركاً بين جمعيات “الإرادة الهدّامة” وأذرعها الإعلامية، ومشروع الحزب الهادف إلى الإطباق على النظام. وبدلاً من أن تتّخذ الحكومة آنذاك إجراءات صارمة تحدّ من عزلة لبنان وتغلغل الفساد في بنيته المؤسساتية، انتهجت سياسة التفريط بما تبقى من مقومات الدولة.
وجدت جمعية “الإرادة الهدّامة” الفرصة سانحة لحصر أزمة لبنان بالنظام الفاسد ومؤسساته، متجاهلةً تحكم الميليشيات المتمادي في قرار السلم والحرب وتبعاته المدمّرة على الاقتصاد الوطني. ووضعت على رأس أولوياتها الترويج، عبر أعوانها، لخططٍ تهدف إلى الإطاحة بالنظام المصرفي القائم، محملةً إياه وحده مسؤولية تداعيات سيطرة الميليشيات على السلطة، وويلات الحروب وإعادة الإعمار وفساد الصناديق والصفقات الحكومية. وكان الهدف من ذلك استبدال المصارف التقليدية بأربع إلى خمس مصارف “بديلة”، تلبي حاجات السوق اللبناني على حساب حقوق المودعين وأموالهم. في موازاة ذلك، وجد “حزب الله” في هذا التوجه فرصة ذهبية لتعزيز دور جمعية “القرض الحسن” واقتصاده الموازي، وتوسيع إطار عمله الذي استدعى، مرة جديدة، العدوان الإسرائيلي المدمر على لبنان بعد انخراطه في دعم “طوفان الأقصى”.
استذكار تلك المحطات يساعد في فهم امتعاض جمعية “الإرادة الهدّامة” من بدء استعادة الدولة اللبنانية مكانتها، مع انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية، وسعيه إلى إعادة الانتظام لعمل المؤسسات المالية والاقتصادية والتعليمية والقضائيّة، التي اضطلع “المسيحيون” بدور أساسي في بنائها، تحقيقاً لفكرة لبنان كدولة قوية ومتوازنة ومحايدة، تستوعب الجميع بدلاً من أن تكون ساحة لصراعات إقليمية وأجندات خارجية تعمل الجمعيات المشبوهة على تنفيذها.
وعلى أعتاب إتمام حكومة الدكتور نواف سلام شهرها الأول من نيل ثقة المجلس النيابي (26 شباط)، نشطت جمعية “الإرادة الهدّامة” وأذرع الإعلام البديل، في محاولة لإظهار تباين جدّي بين رئيسي الجمهورية والحكومة. ولم يقتصر دورها على شنّ حملات تهدف إلى تشويه خيارات رئيس الجمهورية في مسائل وتعيينات داخلية، بل امتد إلى استجداء تدخل خارجي لكسر إرادته، والسعي من خلال موقع الرئاسة الثالثة، إلى إيصال أعوانها إلى مراكز إدارية ومالية وقضائية حساسة، في محاولة واضحة لضرب الزخم المتصاعد لاستعادة لبنان مكانته ودوره، بدءاً من “عهد” الرئيس جوزاف عون.
وتكشف مصادر مطلعة أنّ هذه الحملات، التي تُدار عبر منصات محلية وخارجية، لا تستهدف شخص الرئيس فحسب، بل تسعى إلى تعطيل أي محاولة لاستعادة هيبة الدولة ومؤسساتها، من خلال بث الشائعات، والتشكيك في النوايا، وتصوير الإصلاح على أنه ضرب من المستحيل. وتلفت المصادر إلى توقيت الضغوط الرامية إلى عرقلة التعيينات التي يمتلك رئيس الجمهورية كلمة متقدمة فيها، ومحاولة جرّ المسيحيين بالتوازي إلى نقاش حول قانون انتخاب جديد طالما كان هاجساً بالنسبة إليهم. في حين أنّ التحديات التي تهدد اللبنانيين في غير مكان، يمكن تفاديها عبر الالتزام بتطبيق اتفاق الطائف وقرارات الشرعية الدولية، لا سيما ما يتعلق بنزع سلاح جميع الميليشيات، وبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها، باعتبار ذلك المدخل الأساسي للإصلاح الفعلي ووضع حدّ للنفوذ غير الشرعي والأجندات المشبوهة داخل الدولة.
وأمام تلاقي أهداف المنصات والجمعيات المشبوهة لعرقلة زخم العهد الجديد، يشكل إعادة تنظيم مؤسسات الدولة وفق المصلحة الوطنية العليا تحدياً كبيراً أمام الرئيس جوزاف عون. فالمطلوب اليوم تفادي إيصال شخصيات إلى مراكز حساسة تنفذ مصالح الخارج وجماعات “الإرادة الهدّامة” التي دفعتها إلى هذه المواقع، كما مصالح القوى السياسية التي تخدم مستقبلها الرئاسي بعد إنتهاء ولاية الرئيس، ما قد يقوّض فرص إنجاح عهد الرئيس عون الجديد. فما يمر به لبنان اليوم ليس مجرد مرحلة سياسية عادية، بل لحظة مفصلية تحدد مصير الدولة؛ فإما أن ينجح العهد في فرض مسار إصلاحي حقيقي، وإما أن تستمر القوى الهدّامة في حملاتها التضليلية لاستنزاف ما تبقى من مقدرات البلاد حتى الانهيار التام، وتعويم “البديل” المشبوه.
والخيار ليس فقط بيد رئيس الجمهورية، بل في يد كل لبناني يريد استعادة دولته. فالتغيير لا يصنعه فرد واحد، بل إرادة جماعية تقاوم التضليل، وتفرض معايير جديدة للحكم والإدارة. لذا، الرهان اليوم على قدرة اللبنانيين على التمييز بين الحملات الإعلامية التخريبية والحقيقة، وبين المشاريع التي تهدف إلى إنقاذ لبنان وتلك التي تريد إبقاءه في دوامة الفوضى والتبعية. فهل سيكون اللبنانيون على قدر هذا التحدي؟
طوني كرم -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|