استئصال "أخشاب" حزب الله... أو العُزلة
منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، يعيش اللبنانيون وهماً كبيراً لأكثر من عَقدين على التوالي، وهو أن سلاح "حزب الله" يُشكل مَعضِلة إقليمية ودولية، وأن الخلاص منه لن يأتي إلا بعد أن تتوافق القوى الكبرى على اقتلاعه. هذا الوهم دفع بالجميع، حتى خصوم الحزب، إلى التطبيع معه، علّ التسوية الإقليمية تأتي يوماً وتُريح لبنان من عِبئه.
لكن ما لم يكن في الحسبان، هو أن الزلزال سيأتي من الداخل الفلسطيني. فبَعدَ عملية "طوفان الأقصى" وما تَبعها من تطورات، دُمِّرَت بنية الحزب العسكرية واغتيل كبار قادته وعلى رأسهم حسن نصر الله. أمرٌ كان يُظن أنه لن يحدث إلا من خلال حرب أهلية دَموية قد تُقََسِّم لبنان أو تُطيح به. إلا أن الواقع كان مُغايراً.. ولم تُطلَق رصاصة واحدة في الداخل اللبناني.
في الأسبوع الماضي، أَطلقت جهة "مجهولة" صواريخ بدائية من جنوب لبنان عبر منصات خشبية، لتعود إسرائيل وتضرب بدورها مواقع لـ "حزب الله"، مكرّرة مشهداً يقول إن "وقف إطلاق النار لا يعني وقف الحرب".
لكن الأخطر من القصف، كان ردّ فعل الدولة اللبنانية، أو بالأحرى غيابها. لا إدانة، لا موقف، لا إجراء؛ وكأنّ هذه الصواريخ لا تعني شيئاً، أو كأنّها لم تُطلق من أرض لبنانية.
في الحقيقة، هذه الصواريخ لم تُطلق على إسرائيل بقدر ما كانت رسالة داخلية موجّهة إلى نواف سلام، رئيس الحكومة، وإلى الرئيس جوزاف عون. كانت ردّاً واضحاً على تصريح سلام بأن "ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة أصبحت من الماضي". الحزب لم يرد عبر خطاب أو بيان، بل عبر "منصّة خشبية".
"حزب الله" لا يملك ترسانة إستراتيجية تُقلق إسرائيل، لا صواريخ دقيقة ولا مَنظومات متطورة. معظم ما تبقى من ترسانة الفصيل الايراني، كما أثبتت الغارات الأخيرة، صار خُردة. لكن الخطر الحقيقي لا يزال قائماً، وهو السلاح بوصفه أداة داخلية للضغط والابتزاز السياسي.
هذه هي وظيفة السلاح في نسخته الخشبية، ليس حماية لبنان بل ترهيب الحكومة، وتعطيل التعيينات، وفرض الأسماء، وابتزاز الدولة في كل شاردة وواردة. صواريخ المنصات الخشبية هذه لم تكن محاولة للتصعيد مع العدو، بل تلويح بالسلاح "المتبقّي" لفرملة مسار الدولة الإصلاحي، وبالأخص سحب ملف "المقاومة" من يد الحزب.
أن تلتزم الدولة الصمت، لا بل أن تتواطأ أحياناً مع هذا الواقع، فذلك يطرح سؤالًا وجودياً، عن أيّ دولة نتحدّث؟ أين الجيش اللبناني من انتشاره على الحدود؟ أين الحكومة من اتخاذ قرار سيادي واضح؟ وأين الرئيس من استعادة هيبة الرئاسة التي كانت أولى بشائر عهده الجديد؟ الأخطر من كل ذلك أن البعض في السلطة يتوهّم أن بإمكانه استخدام "الخشب" ذاته، أي إضاعة الوقت والتذرّع بالاستقرار كوسيلة لتأجيل المواجهة مع واقع لم يعد يَحتمل التأجيل.
كل يوم تتأخر فيه الدولة في حسم أمر السلاح غير الشرعي، هو خطوة إضافية نحو عزلة عربية ودولية شاملة. لا مساعدات خليجية، ولا دعم دولي، ولا قروض، ولا إعمار. ولا حتى احترام. كل ذلك مرهون بقرار واحد، أن تحسم الدولة أمرها، وتستعيد قرارها.
هل من المقبول أن تتحوّل "المنصات الخشبية" إلى عنوان السيادة في لبنان؟ هل يُعقل أن نُدير بلداً بحجم لبنان وموقعه وتاريخه من خلال حكومة تقول "لا" بدون أن تُنفّذ شيئاً؟
لبنان يقف اليوم على مفترق طرق، إمّا أن يقرّر بجرأة إنهاء المرحلة الخشبية واستعادة قراره ومؤسساته، أو أن يبقى رهينة لمنصات من خشب، وسلاح من ورق، ومواقف من غُبار.. في دولة لا تليق بشعبها. فهل يجرؤ لبنان هذه المرّة على استئصال حريته من خشب الحزب؟ أم أن العُزلة باتت مصيره الوحيد؟
مكرم رباح-نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|