بعد “الحاكِم”: معارك رئاسيّة مقبلة
لم تنتهِ تماماً ذيول تعيين الحاكم الجديد لمصرف لبنان، والأرجح سيُمهّد التضارب في التوجّهات بين الرئيسين جوزف عون ونوّاف سلام لمزيد من جولات الكباش داخل مجلس الوزراء، وخارجه. وفق معلومات “أساس” برز إلى الواجهة، أيضاً، تباعد في التوجّهات الرئاسية في ملفّ الانتخابات البلدية حيث يميل رئيس الحكومة إلى التأجيل التقني المحدود، وقد عبّر عن ذلك النائبان المقرّبان من سلام مارك ضو ووضّاح الصادق، بتقديم اقتراح قانون بالتأجيل حتّى تشرين الأوّل المقبل “تأميناً لحسن التمثيل وإدخال إصلاحات ضرورية”، فيما يفضّل رئيس الجمهورية إجراء الاستحقاق البلدي في موعده.
بعد فترة قصيرة من تكليف نوّاف سلام، وتأليف حكومة “الإصلاح والإنقاذ”، انفرد النائب ياسين ياسين برفع صورة ضخمة على مدخل القصر الجمهوري للرئيسين عون وسلام، ذيّلها بعبارة “ثنائيّ لن يتكرّر”. قدّم رئيسا الجمهورية والحكومة، باكراً جدّاً، نموذجاً عن ثنائي قد لا يتكرّر فعلاً بعد “المباطحة الرئاسية” على اسم حاكم مصرف لبنان، التي انتهت بتصويت هو الأوّل من نوعه، منذ عقود، على مستوى موقع بالغ الحساسيّة والأهميّة يحتاج إلى تضامن وزاري لا غبار عليه.
ذكّر هذا المشهد بواقعة تعيين جان قهوجي قائداً للجيش عام 2008. لم يصَر يومها إلى التصويت داخل مجلس الوزراء على الرغم من توافر الثلثين بيد رئيسَي الجمهورية والحكومة آنذاك ميشال سليمان وفؤاد السنيورة. لكن، بخلاف أسلاف قهوجي في قيادة الجيش، لم يحظَ شاغل أرفع موقع عسكري ورقم 2 في المواقع المارونية، بالإجماع المطلوب، فعُيّن قهوجي في ظلّ غياب ثلاثة وزراء، ومعارضة ثلاثة، وامتناع وزيرين.
براءة ذمّة
بالمحصّلة، لم تنفع كلّ الوساطات، التي دخل على خطّها “الكتائب” و”القوات اللبنانية”، في عدم تجرّع كأس التصويت. بدا سلام كمن يقدّم براءة ذمّة عن كلّ إخفاقات محتملة لحاكم مصرف لبنان كريم سعيد أو خيارات مالية خاطئة، إلى جانب ستّة وزراء آخرين، في مقابل تحميل 17 وزيراً، على رأسهم رئيس الجمهورية، مسؤوليّة “أفعال الحاكم”منذ لحظة التعيين.
لم يكن كلام سلام المقتضب بعد انتهاء جلسة التعيين تفصيلاً وحسب. فرأس السلطة التنفيذية غير الموافق على تعيين سعيد اتّهم رأس السلطة النقدية باتّهامات خطيرة، من خلال احتمال تفريط كريم سعيد بحقوق المودعين وبأصول الدولة، فارضاً عليه “الالتزام بالسياسة المالية لحكومتنا الإصلاحية”.
بالتأكيد سجّل رئيس الحكومة سابِقة بمعارضته لخيار تعيين بهذا المستوى الرفيع، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأجندة الحكومة الماليّة ومتطلّبات صندوق النقد، ثمّ يعود، عملاً بمبدأ التضامن، بتوقيع مرسوم تعيينه.
في هذا السياق، علّقت شخصية خبيرة في السياسة والمال قائلة: “كان يفترض بسلام أن لا يضع نفسه في موقع الخاسر لمعركة تعيين الحاكم، وأن “يَدفن” رأيه على طاولة الحكومة. بالنهاية، كان عليه أن يتذكّر أنّ حاكم مصرف لبنان موظّف لديه، ويأتمر بسياسة الحكومة المالية ويعمل تحت سقفها”.
تصويت الحجّار
فعليّاً، ليست الخسارة الأولى لسلام أمام رئيس الجمهورية. فالمعلومات تؤكّد أنّ الرئيس عون كانت له الكلمة الحاسمة في تحديد هويّة وزير الداخلية، على الرغم من كون حقيبة الداخلية عادة من مكتسبات رئيس الحكومة. ترجم الوزير الحجّار ذلك عند أوّل استحقاق بالتصويت لتعيين كريم سعيد بعكس الوزراء السنّة الأربعة الآخرين، فيما اصطفّ أربعة وزراء شيعة، والوزيران الدرزيان، وعشرة وزراء مسيحيّين، إلى جانب رئيس الجمهورية، فتداخلت القوى “الإصلاحية” مع وزراء المنظومة التقليدية ضمن خيار ماليّ واحد. ولم يسأل القصر الجمهوري الرئيس سلام رأيه في تعيين القادة الأمنيين السنّة، تحديداً موقع المدير العامّ لقوى الأمن الداخلي الذي أتى نتاج خيار شخصيّ لرئيس الجمهورية أراد من خلاله أن تكون “المديرية” كأنّها من مكتسبات العهد، تماماً كما أمن الدولة، وقيادة الجيش. وهو خيار عكسه الفريق الأمنيّ لرئيس الجمهورية لاحقاً في تعيينات قادة الوحدات التي طُلِب من وزير الداخلية أن يوقّعها ويعمّمها، ثمّ من خلال التشكيلات العسكرية والأمنيّة المرتقبة.
“تقليعة” ثقيلة
هذا الفرز السياسي الأوّل من نوعه في الحكومة، الذي قد يتكرّر في ملفّات أخرى، عند تضارب التوجّهات على مستوى الرئاستين الأولى والثالثة، يشير إلى أنّ “تقليعة” العهد ثقيلة بغياب الانسجام عند أوّل محطّة فاصلة.
تقول مصادر مطّلعة إنّ “إقرار الحكومة مشروع تعديل رفع السريّة المصرفية وإحالته إلى مجلس النواب أتيا ضمن سياق الضغط الكبير الذي يتعرّض له لبنان، ومن ضمنه ثلاث رسائل أميركية أرسلت إلى رئيسَي الجمهورية والحكومة والرئيس نبيه بري، بضرورة تعديل قانون سرّية المصارف، وإقرار قانون إعادة هيكلة المصارف وإعادة تنظيم مجلس الإنماء والإعمار، قبل 21 نيسان موعد انعقاد اجتماعات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن”.
تضيف المصادر: “في المرحلة الأولى أرسلت الحكومة الخميس مشروع قانون رفع السريّة المصرفية، وتتحضّر لمعركة إعادة هيكلة المصارف. هي معركة لن تكون سهلة، تتداخل معها معارك التدقيق الجنائي وتعقّب الأموال التي حُوّلت إلى الخارج، وإعادة أموال المودعين، وتحديد السياسة النقدية للحكومة، والحدّ من اقتصاد الكاش… وهنا يُسجّل تباعد رئاسيّ في التوجّهات، عكسه بشكل كبير الخلاف على اسم حاكم مصرف لبنان”.
إعادة الإعمار
أكثر من ذلك، ينتظر الداخل معركة أساسية بعد موافقة الحكومة على قرض الـ 250 مليون دولار لإعادة الإعمار والموافقة على الآليّة المقترحة من البنك الدولي لتحديد الأولويّة في مشروع الدعم الطارئ. هذا الملفّ تحديداً قد يضع الحكومة ومجلس النواب أمام فرز سياسي مختلف بعكس التموضع الذي حصل في شأن الحاكم. إذ إنّ الطرف الشيعي، وفق معلومات “أساس”، “يعارضه بقوّة ويتشكّك في وجهة صرف القرض بما يُكرّس حالة “العزل” للقرى الأمامية المدمّرة، ويؤخّر إعادة الإعمار في هذه البلدات، ويُحدّد أولويّات لا تتماشى مع أولويّات الأمر الواقع وتتماهى مع مصلحة العدوّ الإسرائيلي”.
يُنقل عن نائب قريب من الثنائي الشيعي قوله: “سنخوض معركة إسقاط هذا القرض، وما سيليه من قروض، لأنّنا نرى فيها استهدافاً للجنوب لا مساعدة دوليّة له”.
ملاك عقيل -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|