رياضة

هل علينا مقاطعة “مونديال” قطر؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بشير أمين ـ كاتب سوري

 "درج"

ليس المونديال القطري الحالة الأولى التي تدفعنا للتفكير في ضحايا السياسة واللا أخلاق في العلاقة مع كرة القدم، فقد تحوّلت اللعبة إلى ملعب لرؤوس الأموال، يديرها أفراد، بغية أن تصبح قوة ناعمة للدول.

يدعو مشجّعون ألمان في دورتموند، ميونخ ومدن أخرى إلى مقاطعة المونديال الكروي في قطر قبل أيام قليلة من انطلاقته بسبب قضايا أخلاقية وحقوقية تتهم بها الدولة المضيفة، أبرزها التسبب بموت آلاف العمال الأجانب، استغلالهم، قمع الحرياتِ الفردية والأقليات الجنسية. فقبل أكثر من عام نشرت “الغارديان” تقريراً تبينُ فيه مصرعَ 6500 عامل على الأقل من دول جنوب شرق آسيا وحدها في العقد الأخير، في حوادث مرتبطة بأعمال البناء تحضيراً للمونديال. وأُثير الجدل حول المونديال منذ لحظة إعلان فوز قطر (2010) بعد تسريبات بتلقي الفيفا رشى من الحكومة القطرية، بغية الفوز بالتنظيم، وصولاً إلى التشكيك في قدرة قطر على تنظيم حدث عالمي بهذا الحجم دون امتلاكها بنية تحتية. 

لكن ليس المونديال القطري الحالة الأولى التي تدفعنا للتفكير في ضحايا السياسة واللا أخلاق في العلاقة مع كرة القدم، فقد تحوّلت اللعبة إلى ملعب لرؤوس الأموال، يديرها أفراد، بغية أن تصبح قوة ناعمة للدول. وبذلك يتم تحويل اللاعبين إلى آلات بشرية مدرّة للأموال، فيما تدفع الفيفا للجمهور واللاعبين، لتهميش السياسة في أماكن وإقحامها في أماكن أخرى، كلها قضايا أخلاقية تستحق الوقوف عندها وتشعرنا بالذنب لحب هذه اللعبة. وجوباً، ودفاعاً عن أنفسنا، نتوقف لنسأل: هل نقاطع اللعبة؟ ولماذا نحب هذه اللعبة؟ 

أتناول في القسم الأول من هذه المقالة الجوانب الأخلاقية المتعلقة باللعبة ومسألة مقاطعة المونديال من عدمه، أما الثاني، فمحاورةٌ مع الجزء الأول لأجيب عن سؤال: لماذا نحب هذه اللعبة؟ 

من السهل القول إن مؤامرة ما حيكت لتحظى قطر بتنظيم البطولة وبخاصة مع التقارير والجدل حول قضايا فساد داخل أروقة الفيفا، وتلك فرضية غير مستبعدة، وقد جرى كشف اثباتات عليها في وثائقي تعرضه “نتفلكس” تحت عنوان “FIFA Uncovered”. نظرية أخرى أجدها منطقية، أن السياسات الليبرالية للفيفا في إقامة كأس العالم في قارات ودول جديدة ضمن سياسات الهوية والتنوّع المتبعة، وفرّت لقطر فرصة التنظيم. بعد منح الفيفا اليابان وكوريا بطاقة الاستضافة كأول تنظيم آسيوي (2002)، ثم جنوب أفريقيا (2010) ليكون ضمن سياساتها في نبذ العنصرية ومنح القارة الأفريقية فرصة التنظيم، والآن من خلال قطر التي تطابق ثلاثة صناديق من لائحة الهويات: بلد شرق أوسطي مسلم وعربي في آن. سواء هذا الرأي أو ذاك، جميعها توصلنا إلى أسئلة يتوجب الوقوف عندها، منها الأخلاقي والسياسي وربما الترفيهي. هل قطر على قدر من الكفاءة لتنظيم هذا الحدث الكبير؟ هل صرف 220 مليار دولار هو مبلغ معقول؟ ما مصير حقوق آلاف العمال الذين لقوا حتفهم حتى تظفر قطر بتنظيم حدث عالمي تحول إلى أهم سلاح ناعم سياسياً؟ وماذا عن الحريات المقموعة في قطر حالها حال الكثير من الدول في المنطقة؟ 

تحتكر قطر من خلال ترويجها للمونديال مفهوم أن الثقافة الإسلامية هي ثقافة المنطقة كاملة، متجاهلة وجود شرائح لا تتبنى الثقافة الإسلامية كهوية سياسية وثقافية. ابتداءً من ترجمة آيات قرآنية للغات الأجنبية وتوزيعها في شوارع المدينة، بالإضافة إلى تبرير قمعها للأقليات والحريات الفردية ضمن التبرير ذاته، وهو ثقافتها العربية الإسلامية. “عالم واحد، موطن واحد” هو الشعار الذي اختارته قطر للمونديال، تقول من خلاله إنها “منفتحة على العالم”، وستبهر العالم في تنظيمها، وذلك من خلال منصتها الإعلامية الأكبر “بي ان سبورت”، لكن تشترط قطر “احترام تقاليدها”. لتكون بذلك روّجت صورة الانفتاح على العالم بشروطها، برغم تصديرها صورة أحادية ونمطية عن الشرق، فتفتح لنفسها ممرات اقتصادية وسياسية، ناهيك بالشعبية المحلية.

كان العائق الرئيسي بالنسبة إلى قطر في هذا المونديال، هو حصولها على التنظيم بدون امتلاكها بنية تحتية كافية فاستغلت الفرصة لبناء ملاعب، شبكة مترو، تجهيز المطار والفنادق وغيرها. ومن المتوقع أن يصل الناتج المحلي لقطر إلى 200 مليار مع العام 2025، وهو تقريباً ضعف ناتجها المحلي عند ظفر قطر بتنظيم المونديال. سابقت الزمن لتصبح جاهزة وبمبالغ مهولة، تطلبت بناءها مئات الآلاف من العمال الأجانب، لساعات طويلة، وفاتورة ضحايا باهظة. 

حذت قطر حذو دول أخرى مثل كندا والبرازيل. عام 2010 نظمت كندا الأولمبياد الشتوية لتأخذ مدينة فانكوفر نصيبها من الكعكة، إذ صرفت الكثير وسط اعتراض الأحزاب المعارضة والسكان الأصليين، في مدينة عدد مشرديها هو  الأعلى في كندا. كذلك البرازيل، التي قامت حكومتها بإنفاق أموال طائلة من أجل إظهار البرازيل “بأفضل حلة”، بينما يعاني أبناء العشوائيات على مقربة من الملاعب من سائر أنواع الأمراض والعوز الاقتصادي. ما يثير الجدل، أن قطر لم تمتلك أدنى مقومات البنية التحتية، فسباق الزمن دفع ثمنه العمال الأجانب. المقارنة هنا لا تبرئ قطر من الاتهامات الموجهة لها، وإنما تضع الفيفا أيضاً في دائرة المساءلة.

عندما سئُل أرماندو دييغو مارادونا، قبل وفاته، عن المونديال قال: “لا أعرف إذا كانت قطر مستعدة لاستضافة كأس العالم، ولكن بأية حال أنا أهنئ قطر، لكنني أعتقد أن تلك تجارة أخرى لبلاتر والفرنسي ديفيد أيولا”. لم يركز مارادونا على الجانب المرتبط بقطر كلّما سُئل عنها، بل ركز بشكل كبير على الفيفا بوصفها الحاضنة لهذا الحدث الكبير. ولطالما انتقد مارادونا الفيفا واتهم رئيسها جوزف بلاتر “بالخوف من افتقاد السلطة، وتفويت قطعة من الكعكة في كل كأس عالم”.
بالنسبة إلى الأرجنتيني الراحل المسألة ليست تحول اللعبة إلى صناعة فحسب، ولكن استغلال اللاعبين ضمن هذه الآلة الكبيرة. فلاعبي كرة القدم اليوم، ورغم المبالغ الخيالية التي يتحصلون عليها، فهم أدوات مُستغلة يتحصلون على جزء بسيط مما تدره هذه اللعبة على المستثمرين أصحاب رؤوس الأموال، وعلى مسؤولي الفيفا الفاسدين. “لا يمكن لهم أن يأكلوا الكافيار [يقصد جوزف بلاتر ومسؤولي الفيفا]، ونحن نلعب الساعة الثانية عشر ظهراً، تحت أشعة الشمس الحارقة” يقول مارادونا. 

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا