الصحافة

سرديّة المقاومة أخطر من السّلاح ويجب إنهاؤهما

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في كلّ مرة كان يقال فيها إنّ وضع «حزب اللّه» لا يختلف عن وضع منظمة التحرير الفلسطينية ووضع نظام الأسد، كان يأتي من يعاكس هذا الكلام بقوله إنّ إخراج المنظمة وجيش الأسد كان ممكناً، فيما لا يمكن إخراج جيش «الحزب» باعتباره لبنانياً على الرغم من عقيدته الإيرانية، ولكن المقصود بعدم الاختلاف لا يتعلّق بالهويّة، إنما بالوظيفة الاستخدامية للبنان لحسابات إقليمية لا علاقة للبنانيين بها، كما المقصود بالحلّ ليس بإخراجه من لبنان، إنما بتجريده من سلاحه بهدف إنهاء قدراته التوظيفية للبنان خدمة لمشروعه الإقليمي.

والمطلوب لبنانياً في هذه المرحلة إحياء مشروع الدولة، والمعبر لذلك يكمن في جانبين أساسيين:

الجانب الأول، إنهاء المشروع المسلّح لـ «حزب اللّه» الذي لا يختلف عن مشروع منظمة التحرير ولا عن مشروع نظام الأسد باستباحة السيادة وتعطيل قرار الدولة وتوريط لبنان بالحروب، وبالتالي إنهاء المشروع المسلّح تطبيقاً للدستور والقرارات الدولية يشكّل ضرورة استراتيجية لإعادة إحياء مشروع الدولة.

الجانب الثاني، إنهاء السرديّة التي نشأت على خلفية الانقلاب على اتفاق الطائف والمتعلّقة بما يسمّى المقاومة، فكل ما يمتّ إلى سلاح «حزب اللّه» هو غير شرعي، ولا يجوز أن يكون هذا السلاح بأيّ شكل من الأشكال موضع نقاش ولا حوار تحت أي مسمّى، وبالتالي من الضروري القطع مع المرحلة السابقة كلّها وإعادة تكوين الدولة بدءاً باللحظة التي سبقت الانقلاب السوري والإيراني عليها.

فالسرديّة الرسميّة قبل خروج جيش الأسد من لبنان، كانت تعتبره ضرورياً للاستقرار ومنع التقاتل الداخلي والتوازن مع إسرائيل، وعندما خرج سقطت هذه السرديّة تلقائياً، وقبل انتهاء المشروع الفلسطينيّ المسلّح كان هناك من يعتبره واجباً إنسانياً وأخلاقياً لتحرير فلسطين، وبعد خروجه من لبنان انتهت سرديّته معه، وما يجب حصوله اليوم أن تنتهي سرديّة ما يسمّى المقاومة التي بدأت مع الانقلاب على اتفاق الطائف.

ولا تقل السرديّة خطورة عن السلاح، لا بل هي أخطر من السلاح كونها تعطي الشرعية والمبرِّر لوجود سلاح غير شرعي، ولا يكفي إنهاء السلاح من دون إنهاء السرديّة المرتبطة به، ومن هنا أهمية أن يكون الموقف الرسميّ شديد الوضوح ليس فقط لجهة أن الدولة وحدها تدافع عن لبنان، وهذا موقف طبيعي وبديهي، إنما من خلال القطع نهائياً مع المرحلة الممتدّة منذ العام 1991، ومن الخطيئة محاولة إرضاء الشيعية السياسية بتعويم سرديّة ما يسمّى المقاومة من خلال الكلام عن استراتيجية دفاعية وغيرها.

فالكلام عن استراتيجية لبنانية عسكرية ومالية واقتصادية وسياحية وإقليمية شيء، والكلام عن استراتيجية دفاعية لإرضاء الشيعية السياسية شيء مختلف تماماً، ويعدّ جريمة إضافية ترتكب بحق اللبنانيين وتضاف إلى الجرائم المرتكبة بحقهم منذ الانقلاب على مشروع الدولة في مطلع تسعينات القرن الماضي.

فالثورة الفلسطينية انطلاقاً من الأراضي اللبنانية كانت خطيئة، وأيّ تبرير لها يعني إعادة تشريع الحدود أمامها، والاحتلال السوري للبنان حصل بقوة الأمر الواقع، وأي تبرير أو تخفيف من دوره الاحتلالي يعني تشريع مبدأ الاحتلالات الخارجية، وما يسمّى المقاومة هو نتاج تقاسم النفوذ السوري والإيراني، وأعطي تسمية المقاومة في محاولة لجعلها وطنية وعابرة، فيما هي كناية عن سلاح لذراع إيرانية اسمها «حزب اللّه»، وتكمن خطورة أي محاولة للتخفيف من الجريمة التي ارتكبت بحق اللبنانيين، في إبقاء الوضع في لبنان مفتوحاً على إحياء هذه التجربة المدمّرة للنسيج اللبناني والكارثية على مستوى البلد.

لا يختلف دور «حزب اللّه» كذراع إيرانية عن دور نظام الأسد وعن دور منظمة التحرير، والحقيقة يجب أن تقال كما هي وإلّا يستحيل بناء وطن ودولة، وبهدف بناء وطن ودولة يجب إزالة كل التباس من خلال تقديم سرديّة رسمية واضحة: الدولة وحدها المرجعية، ولا سلاح سوى سلاح الدولة، والعلاقة مع إسرائيل تحكمها اتفاقية الهدنة، والدولة مسؤولة عن حدودها، وأي أعمال عسكرية من الجانب اللبناني ضد إسرائيل أو سوريا هي أعمال إرهابية تصنيفاً وعلى الدولة أن تتعامل معها على هذا الأساس.

وهناك مقاربة في البلد تتحدّث عن ضرورة استيعاب الشيعية السياسية من خلال التعويض عليها بإبقاء سرديّتها مقابل تسليم سلاحها، وهذا ما يفسِّر استمرار الكلام عن استراتيجيات وغيرها، وعدا عن أن هذه المقاربة تُبقي لبنان ساحة، وتُبقي الانقسام قائماً، فإنها تؤسّس لحروب جديدة متى توافرت الظروف للفصيل المسمّى مقاومة.

إنهاء المشروع المسلح

ما يريده «حزب اللّه» اليوم هو إنهاء مشروعه المسلّح بصمت حفاظاً على صورته ومعنويات بيئته، والحفاظ على سرديّته بأنّ ما يسمّى المقاومة ضرورة للبنان، ويعني أي تساهل رسمي إبقاء لبنان في دوّامة الصراع والنزاعات، وحرمان اللبنانيين من فرصة قيام دولة فعلية.

ما يجب أن يكون واضحاً ومحسوماً، أن سرديّة «حزب اللّه» أخطر من سلاحه، لأنّ السلاح يُستخدم في الحروب التي تحصل كل عشر سنوات مرة افتراضاً، فيما السرديّة تشكل محور الانقسام كل لحظة وكل دقيقة، فلا مقايضة بين السلاح والسرديّة، وأي مقايضة هي خطيئة وجريمة بحق لبنان واللبنانيين، وتستدعي المصلحة اللبنانية العليا إنهاء المشروع المسلّح لـ «حزب اللّه»، كما تستدعي القطع نهائياً مع سرديّة ما يسمّى المقاومة التي هي أسوأ من نظام الأسد ومن منظمة التحرير، لأنه كان الأولى بأهل البلد ألّا يستنسخوا مشروعاً مدمّراً للبنان، وإذا كان من أسباب تخفيفية فتعطى للغريب ولا تمنح لأهل البيت، وبالتالي المقايضة مرفوضة، ويجب إنهاء المشروع المسلّح وسرديّته معاً من أجل إزالة العوائق أمام مشروع الدولة والاستقرار والازدهار.

شارل جبور - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا