"الدعارة"تنشط على الطرقات الساحلية وتحرك لنواب وفاعليات
تنشط عصابات الإتجار بالبشر والدعارة على "عينك يا تاجر" على الطرق العامة والأحياء الشعبية فتحولها إلى "كباريه" بالهواء الطلق، تعرض فيه النساء كرقيق وتقلق ساكني المناطق المحاذية وتمنعهم من التجول ليلا.
مشهد بائعات الهوى المنتشرات على طول الخط من بيروت وصولاً إلى جونية دليل واضح على غياب الرقابة وحضور "الكارتيلات". فماذا يحصل بعد مغيب الشمس على الطرقات اللبنانيّة؟ ومن هي تلك العصابات التي تدير تلك الشبكات المنظمة؟
اتجار بالبشر
"سمرا، بيضا، حنطية... شو بدك موجود وما منختلف، عنّا صبايا من كلّ الجنسيات حوّل". هذا ما تسمعه في فيديو مرفق يعرض على الزبون بائعات الهوى. يقفن أمامه وما عليه سوى الاختيار. بعدها يتفاوض على "السعر" مع "الديلر" المنتدب لكلّ شارع، ومن ثمّ إلى الفندق درّ.
هي عينة عما يحصل تحديداً في جونية، المنطقة السياحية ، التي لطالما واجهت مشاكل من هذا النوع خصوصاً في شارع المعاملتين. إلّا أن هذه المشاهد التي ازدادت كثيراً مؤخراً ، والتي اخذت تتوسع وتتغلل بين الأحياء السكنية أثارت استياء وسخط الأهالي ، استدعت تحرّك نواب كسروان وشبان المنطقة والبلديات لإيقافها، فماذا حصل؟
رعب واطلاق نار
يروي أحد أهالي المنطقة لجريدة "المدن" بعضاً مما يحدث، لافتاً إلى أن "شوارع جونية تحوّلت إلى أوكار لاستقطاب الزبائن بشكل علنيّ، مع العلم أن هذه الظاهرة كانت محصورة في أماكن معيّنة وملاهٍ معروفة، لكن يبدو أن الأمر لم يعد مربحاً بالنسبة لتجّار البشر، فانتقلوا إلى الشوارع العامة". يضيف "لم يكن بإمكاني الخروج من المنزل بعد مغيب الشمس مع أطفالي وزوجتي، ناهيك عن الضجة الصاخبة التي كانت تحدث والمشاكل وإطلاق النار ممّا عرّض حياتنا للخطر مرات عدّة، لدرجة أنّنا اختبأنا في إحدى المرات في غرفة النوم وراء السرير لنحو نصف الساعة ريثما يتوقف إطلاق النار".
عريضة باسم نواب كسروان
"مشاهد لا تجوز حتّى لمَن هم فوق الـ18 عاماً"، هكذا وصف الشاب الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه الأجواء في منطقته قبل شهر تماماً والتي انحصرت نوعاً ما خلال الفترة الأخيرة، حيث "كانت الأوضاع لا تُحتمل قبل أن يتحرّك عدد من الناشطين في المنطقة ويُتابعوا الملف لوضع حدّ للتفلّت الحاصل. وقبل أيّام تمّ تقديم عريضة رسميّة موقعة من نواب كسروان تطالب شرطة الآداب بالتدخل الفوريّ والعاجل لإلقاء القبض على عدد كبير من المشغلين الذين باتت أسماؤهم معروفة. فالبلدية ومراكز الشرطة لا يحقّ لها اتخاذ أيّ إجراء قانوني بحقّهم لأن ذلك لا يندرج ضمن عملها القانونيّ، مع العلم أن كلّ مَن يحاول التدخل في هذا الملف يتعرّض لمضايقات تصل إلى التهديد بالقتل في حال عدم التراجع".
يوضح أحد الناشطين، والذي كان له الفضل في إقفال عدد كبير من الملاهي غير الشرعية في المنطقة بالشمع الأحمر، كما بكتابة العريضة التي سيتمّ تقديمها للجهات الأمنية لمتابعة الموضوع، في حديث خاص لـ"المدن" بأن "ما حصل في كسروان ليس إلّا عيّنة بسيطة لقضايا أكبر بكثير من الدعارة، أو إزعاج السكان والمسّ بالحياء العام، وهذا ما تمكنّا بوحدتنا من تخفيفه ومحاربته رغم التهديدات التي تعرّضنا لها"، منوهاً بـ"الدور الكبير الذي تلعبه البلديات ووزارة السياحة في هذا الإطار، مع العلم أن "أحد الوزراء حاول التوسط لدى وزير السياحة لإعادة فتح أحد الأماكن التي كانت تُتخذ كوكر للدعارة، ولكن محاولاته فشلت ولم تكتمل، ولن نسمح بأن تعود هذه الظاهرة إلى جونية وغيرها مجدّداً بعد كلّ ما فعلناه".
حبيش:عجز البلدية وتفلت العصابات
من جهته، يؤكد رئيس بلدية جونية واتحاد بلديات كسروان-الفتوح جوان حبيش لموقع "المدن" أن "البلديات في المنطقة متأهبّة وتفعل أكثر من اللازم ومن الصلاحيات المعطاة لها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية والجهات الوزارية أيضاً لمكافحة هذه الظاهرة"، مشيراً إلى أنّه "يتمّ تسيير دوريات وتسطير محاضر ضبط وإبلاغ الأمن عند حدوث أيّ خلل، الأمر الذي ساهم في ضبط هذه الظاهرة التي تراجعت كثيراً في كسروان اليوم بعد جهد كبير واتصالات عدّة، ولكن هذا لا يعني أن البلديات وحدها قادرة على المعالجة في حين أن العصابات لا تزال حرّة وطليقة".
جنسيات متعددة
يكشف مصدر أمني لـ"المدن" أن معظم الفتيات اللواتي تمّ إلقاء القبض عليهن من جنسيات أجنبية (سورية، فلسطينيّة، مصرية، سودانية، إثيوبيّة...)، يتم نقلهنّ واستحضارهنّ إلى لبنان بصورة شرعيّة للعمل في المنازل أو للرعاية الصحيّة، ومن ثمّ يتمّ "بيعهن" إلى عصابات الإتجار بالبشر وحجز أوراقهن الثبوتية عن طريق "مسهلي الدعارة"، وفق التسمية المتعارف عليها بلغة القانون؛ وطبعاً تختلف الكارتيلات الحاكمة بين منطقة وأخرى وفقاً للمصالح الشخصية، وغالباً ما يتمّ الأمر بالتراضي بين المافيات. مثلاً، في كسروان يُسيطر أشخاص من آل جعجع وطوق وحبشي على هذه الأعمال المشبوهة، حيث تنشط في نهر الكلب تحديداً شبكة تضمّ كلّ من "ط. جعجع" و"أ. جعجع" و"ز. جعجع"، الذين يتولون مهمة المراقبة والتنسيق على الصعيد المناطقيّ لتسهيل مهمتهم، فيما تعاونهم شابة سوريّة لاستقطاب الفتيات واستدراجهن للعمل مقابل 50 دولاراً على الساعة.
واللافت أن لهذه العصابة سلطة ونفوذ كبيرين في المنطقة، وبما أن الموسم كان واعداً، لم يكتفوا بمقر واحد لتسيير الأعمال، فقاموا بشراء شقة على أوتوستراد طبرجا، لتمكث النساء فيها، وغالباً ما يتمّ عقد الصفقات هناك أيضاً.
الرواية الأمنية
ووفقاً للرواية الأمنية، فإن أفراداً من آل جعجع وطوق وحبشي ليسوا وحدهم في الساحة، إذ أن لاشخاص من آل آفرام، الأشهر في سوق جونية والمعاملتين، حصة وازنة في هذه الأعمال، حيث وظفوا قبل نحو شهرين أكثر من 10 شبان لمراقبة الفتيات وملاحقتهنّ كي لا يهربن أو يسرقن الأموال، لا سيما بعدما تمّ تناول هذه الظاهرة في الإعلام، ممّا أثار خوف تلك النساء اللواتي حاولن، معظمهن، الهروب لأكثر من مرّة أو الانتحار.
قانونياً، لا يقع على عاتق البلديات محاكمة هؤلاء التجار أو محاسبتهم، مع العلم أنّه تمّ إلقاء القبض عليهم لأكثر من مرّة ومن ثمّ أُطلق سراحهم، وفق المعلومات، لعدم صدور إشارة من قبل شرطة الآداب، فيما تُشير مصادر مطلعة لـ"المدن" إلى أن "هذا الملف خطير ويتمّ إنفاق أموال طائلة لتسهيله وعدم إدراج أسماء وجهات لها مكانتها فيه. وهو ما يؤخر تحرّك شرطة الآداب التي تعلم تماماً ما يحصل ولكنها تختار في كلّ مرّة عدم التدخل المباشر لموعد يُحدّد لاحقاً".
إذا كان تحرك نواب كسروان وبلدية جونية واتحاد بلديات كسروان-الفتوح قد اسفر عن ضبط نسبي للظاهرة، فان مناطق ساحلية أخرى تعاني الكثير منها، خصوصاً في الأحياء الداخلية بين المنازل، هرباً من المراقبة.
والسؤال الأبرز الذي يطرح نفسه اليوم، مَن الذي يمنع شرطة الآداب من مداهمة أوكار الدعارة في جونية وسواها من المناطق والضرب بيد من حديد في هذا الملف؟ وهل نشهد عودة قويّة لتلك العصابات على أبواب الأعياد ليقطفوا "موسم الشغل" مجدّداً؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|