لوحة عملاقة في الضاحية: خامنئي وترامب يتعانقان
أحرق “مجهولون” حتّى إشعارٍ آخر، ليل الخميس – الجمعة، الفائتيْن لافتات رُفعت على الطريق إلى مطار رفيق الحريري الدولي تحمل شعار “عهد جديد للبنان”، في إشارة إلى بداية مرحلةٍ جديدةٍ مع انتخاب الرئيس اللبناني جوزاف عون وتشكيل حكومة برئاسة القاضي نوّاف سلام. ماذا لو مضى الحوار بين طهران وواشنطن الذي انطلق السبت الماضي في سلطنة عمان إلى نهاية إيجابية؟ فهل من المتوقع ان ترتفع لافتات ترحيب على الطريق نفسِها، كما ترتفع لوحةٌ عملاقةٌ في الضاحية الجنوبية لبيروت تحمل صورةً مركبةً لعناق بين المُرشد الإيراني والرئيس الأميركي؟
سيعتبر البعض أنّ طرح هذه الفكرة هو من باب الخواطِر التي ترتقي إلى الخيال. وسيقول إنّ الواقع هو على خلاف هذا الخيال. وسيضيف: “إذا كانت جماعة “حزب الله” لا تُطيق حتى الآن رفع صورة رئيسيْ الجمهورية والحكومة وتتوارى صورة زعيمهم المقدّس حسن نصر الله، فكيف ستتحمل أن تضع مُرشدها وولي أمرها الإيراني في وضعٍ حميمٍ مع من لا يزال مجسّدًا لـ”الشيطان الأكبر”؟
لا ينفع المضي في متابعة هذا الموضوع على قاعدة ما يريد من هم من رعايا الحرس الثوري الإيراني. وسيكون المرجع على هذا المستوى ما حصل مع لوحات “الشيطان الأكبر” التي كانت تحتلّ ساحات العاصمة الإيرانية قبل ان تختفي بعد إبرام الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة وعدد من الدول الكبرى عام 2015 في زمن الرئيس باراك أوباما.
يأخذنا تقريران نشرتهما الـ”نيويورك تايمز” نهاية الأسبوع الماضي إلى عالم واقعي لا افتراضي حول ما يمكن أن يُفضيَ الحوار الجاري بين الإيرانيين والأميركيين. فقد حمل التقرير الأول في 11 نيسان الجاري عنوان “لماذا جاء المرشد الأعلى الإيراني إلى محادثات نووية مع الولايات المتحدة؟”، وجاء في مقدمته “أن كبار المسؤولين الإيرانيين ضغطوا على زعيم البلاد للتراجع عن موقفه، بحجّة أنّ خطر الحرب مع الولايات المتحدة والأزمة الاقتصادية المتفاقمة يمكن أن يُطيح بالنظام”.
وروى التقرير: “كانت إيران تفكّر في الرّد على رسالة الرئيس ترامب المتعلقة بإجراء مفاوضات نووية. لذلك اجتمع رئيس البلاد، وكذلك رؤساء السلطة القضائية والبرلمان، مع المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، الشهر الماضي، وفقًا لاثنين من كبار المسؤولين الإيرانيين المطلعين على الاجتماع”.
وكان السيد خامنئي قد حظّر علنًا ومرارًا التعامل مع واشنطن، واصفًا إياه بأنّه غير حكيم وغبي. وحثّه كبار المسؤولين، في جهدٍ منسّقٍ غير عادي، على تغيير المسار، حسبما قال المسؤولان اللذان طلبا عدم الكشف عن اسمهما لمناقشة القضايا الحسّاسة.
وكانت الرسالة الموجّهة إلى السيد خامنئي صريحةً: “إسمحوا لطهران بالتفاوض مع واشنطن، حتّى بشكل مباشر إذا لزم الأمر، لأنه بخلاف ذلك يمكن الإطاحة بحكم الجمهورية الإسلامية”.
كانت البلاد تتعامل بالفعل مع اقتصادٍ في حالةٍ من الفوضى، وهبوط العملة مقابل الدولار ونقص الغاز والكهرباء والمياه. وحذّر المسؤولون من أنّ التهديد بالحرب مع الولايات المتحدة وإسرائيل خطير للغاية. إذا رفضت إيران المحادثات أو إذا فشلت المفاوضات، كما قال المسؤولون للسيد خامنئي، فإنّ الضربات العسكرية على الموقعيْن النووييْن الرئيسييْن لإيران، نطنز وفوردو، ستكون حتميّة.
وقال المسؤولون إنّ إيران ستضطرّ بعد ذلك إلى الانتقام، ما يخاطر بحربٍ أوسع نطاقًا، وهو سيناريو يمكن أن يضرّ بالاقتصاد ويثير اضطرابات داخلية، بما في ذلك احتجاجات وإضرابات. وأضافوا أن القتال على جبهتيْن يشكل تهديدًا وجوديًا للنظام.
وفي نهاية الجلسة التي استمرت ساعات، رضخ السيد خامنئي. وقال المسؤولان “إنّه منح إذنه بإجراء محادثات، أولًا بشكل غير مباشرٍ، من خلال وسيط، وبعد ذلك، إذا سارت الأمور على ما يرام، بإجراء محادثات مباشرة بين المفاوضين الأميركيين والإيرانيين”.
ونشرت الـ”نيويورك تايمز” في اليوم التالي، أيّ في 12 الجاري، التقرير الثاني تحت عنوان: “الولايات المتحدة تجري محادثات مع إيران حول برنامجها النووي”. فقد صدر التقرير ليتحدث عن المفاوضات التمهيدية التي أجراها الأميركيون والإيرانيون السبت الماضي حيث قال مسؤول إيراني إنّ الجانبيْن سيستأنفان المفاوضات هذا الأسبوع.
وروى التقرير الثاني: “انتهت المحادثات الديبلوماسية الأوليّة بين مسؤولين أميركيين وإيرانيين بشأن برنامج طهران النووي ووصفها مسؤول إيراني كبير بأنّها إيجابية”.
اعتمادًا على ما سيحدث بعد ذلك، يمكن أن تؤدّي إلى أوّل مفاوضات رسمية وجهًا لوجه بين البلديْن منذ تخلّي الرئيس ترامب عن اتفاق نووي تاريخي قبل سبع سنوات.
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إنّ المحادثات غير المباشرة قد اختتمت، وقالت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية إنّ المحادثات كانت “بنّاءةً وإيجابيةً وقائمةً على الاحترام المتبادل”، وتضمّنت مناقشة البرنامج النووي.
وجاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية الإيرانية أنّ ستيف ويتكوف، المبعوث الخاص للسيد ترامب الذي يقود جهود الإدارة، والسيد عراقجي التقيا شخصيًا لبضع دقائق أثناء مغادرتهما المجمّع”.
كيف انعكس هذا التطوّر غير المسبوق بين سلطتيْن متشددتيْن في إيران وواشنطن على ايران نفسِها؟
كانت خلاصة تقييم الصحف الإيرانية الصادرة أمس للجولة الأولى من المفاوضات بين وواشنطن وطهران بوساطة عُمانية الآتي: “خطوة كبيرة إلى الأمام، وتطوّر إيجابي في مسار المفاوضات بين إيران وأميركا، والاتفاق على استمرار المفاوضات”…
كما اهتمّت بعض الصحف الاقتصادية بالانعكاسات السّريعة لهذه الأخبار الإيجابية على سوق العُملات الصعبة؛ حيث شهدت العُملة الإيرانية تحسنًا طفيفًا في قيمتها مقابل الدولار، وأكّدت أنّ هذا التأثير السريع والملحوظ يؤكّد خلاف ما يدّعيه المعارضون للمفاوضات بأنّ العقوبات لا تأثير لها في الوضع الاقتصادي في إيران.
ولم تخفِ بعض الصحف الأصوليّة والمعارضة للمفاوضات غضبَها من الجولة الأولى، التي عُقدت السبت، ونشرت تعليقاتٍ متشائمةً تجاه مستقبل هذه المفاوضات، وما قد تؤول إليه في الجولات المقبلة.
إذًا، انطلق قطار العلاقات الأميركية – الإيرانية بعد أهوال شهدها الشرق الأوسط عمومًا ولبنان خصوصًا. وعلّمنا التاريخ أنّ تحرّك عجلات القطارات يعني انفتاح الآفاق.
سيقوم “الشاطرون” أنفسهم الذي أحرقوا لافتات العهد الجديد على مطار بيروت برفع لافتة عملاقة لتحتفل بولادة زمن الودّ بين خامنئي وترامب وفي قلب الضاحية نفسِها كي تقول: “نحن على العهد الأميركي – الإيراني الجديد”. لا تستبعدوا هذه النهاية.
أحمد عياش -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|