الولايات المتحدة تبحث في مسقط عن إيران المفيدة
يفرك الرئيس الأميركي دونالد ترامب كفيه حبوراً، بينما يطل من كابينته على صحافيين يرافقونه على متن الطاائرة الرئاسية، مؤكداً ثقته في انتزاع اتفاق مع طهران يضع حداً نهائياً لبرنامجها النووي المثير للجدل.
لا أعرف سر ولع الرؤساء الأميركيين في الإدلاء بتصريحات بعضها فائق الأهمية بينما يقطعون فاصلاً قصيراً بين كابينة الرئاسة وبين مقاعد الصحافيين المرافقين للرئيس، هل هو مزاج الاستقواء الأميركي، والميل الاستعراضي بتأثيراته النفسية، وما قد يلقيه في نفوس أعداء أميركا من مخاوف، يرى الرئيس أن استثارتها ربما يسهل مهمته وتجعله أقرب إلى أهدافه؟!
قبيل إقلاع طائرته الرئاسية، اطمأن الرئيس ترامب إلى استكمال نشر حاملتي الطائرات "هاري ترومان" و"كارل فنسون" في منطقة الشرق الأوسط، بينما كان مبعوثه الرئاسي ستيف ويتكوف يضع حقائبه في مسقط، قبل أن ينخرط في مفاوضات أميركية-إيرانية ترعاها سلطنة عمان، ويصر وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي طول الوقت على وصفها بأنها مفاوضات غير مباشرة.
في الطريق إلى طاولة التفاوض، حرص ويتكوف على تأكيد أن هناك بديل وحيد إن فشلت المفاوضات (في إشارة إلى الحرب). بينما بدا عراقجي حريصاً على ضبط مصطلحاته، وتأكيد حرص بلاده على التوصل إلى تسوية، تضمن سلمية برنامجها النووي، واستعدادها للعودة إلى معدل التخصيب السابق 3.67 طبقاً لاتفاق 2015 الذي إنسحب منه ترامب خلال فترة رئاسته الأولى عام 2018.
حال ترامب مع طهران، يعكس روحاً عملية لدى الرجل، فهو لا يريد الذهاب إلى الحرب، ولا يبدي اهتماماً كافياً بمطالب رئيس الوزراء الاسرائيلي بضرورة تفكيك البرنامج النووي الإيراني تماماً، كما تم تفكيك البرنامج النووي الليبي.
ترامب يرفض أن تحصل إيران على سلاح نووي، لكنه لا يرفض أن يكون لدى إيران برنامجاً نووياً سلمياً لا يؤدي في نهاية المطاف إلى امتلاكها سلاحاً نووياً. وإيران في المقابل تقول إنها لا تسعى ولا تتطلع إلى امتلاك سلاح نووي، مشيرة إلى فتوى المرشد علي خامنئي بأن أسلحة الدمار الشامل (حرام).
جوهر المفاوضات إذن لا يستهدف برنامج إيران النووي إلا إذا أضمرت طهران النية لإنتاج وامتلاك سلاح نووي تراه واشنطن تهديداً للسلام في المنطقة والعالم. وهذا بالضبط ما تشير إليه بالتلميح، تصريحات ترامب وفريقه.
في الطريق إلى مفاوضات مسقط، أطاح ترامب بكل شركاء الولايات المتحدة في مفاوضات الملف النووي الإيراني، (بريطانيا وفرنسا وروسيا والصين والولايات المتحدة وألمانيا )، فهو قد انسحب في رئاسته الأولى من اتفاق (ستة+واحد)، ما قوض الاتفاق، واستغلت طهران ذلك بالعودة إلى تخصيب اليورانيوم عند معدل 60 في المئة حتى راكمت منه مخزوناً يقدر بنحو ثلاثمائة كيلوجرام، يكفي لانتاج ما بين ست الى سبع رؤوس نووية صغيرة.
وها هوذا ترامب يعود ليتفاوض بمفرده مع ايران، غير مبال بغضب شركاءه الأوروبيين، تماماً كما فعل مع ملف الحرب الأوكرانية حين ذهب بمفرده إلى مفاوضات ثنائية مع روسيا، انطلقت من إقرار ترامب مسبقاً بأن روسيا ربما تحتفظ بأراض انتزعتها من أوكرانيا بالحرب.
ترامب لا يريد إشعال حرب ضد إيران، لكنه يريد تقليم كافة أظافرها، ولهذا فهو معني بدك حصون حلفاءها الحوثيين في اليمن، أكثر من حرصه على تدمير إيران ذاتها، وهو مشغول بحسابات قوة عظمى، تمتلك بالضرورة مصالح باتساع العالم، بل إنه ربما أبدى حرصاً على تجنب خيارات قد تنتهي بتمزيق وحدة إيران، أو بإضعافها الى حد كبير.
ترامب يريد إيران المفيدة، أو المطيعة، ويرغب في حرمان الصين وروسيا من مزايا إكتساب ايران كحليف استراتيجي لهما او لأي منهما. ولا ينسى تحالف طهران مع موسكو في الحرب ضد اوكرانيا.
يعرف ترامب أن لدى إيران روحاً براغماتية، تنطلق أحياناً من ثقافة شيعية تعلي قيمة (التقية)، وأن أسلوب التفاوض الإيراني هو جزء من الشخصية الإيرانية، يعكس فى جانب منه رؤية إيران لذاتها، ونظرتها للآخرين، وهي ماتزال تفتش في جوارها الاقليمي عن حلفاء برتبة النعمان بن المنذر، تستعيد معهم مجد فارس القديم. فهناك طول الوقت كسرى الذي يختفي تحت طيات فقراء إيران حتى الآن. بينما تنهمك إيران بصبر(استراتيجي) في نسج سجادتها (النووية) خيطاً تلو خيط، وعقدة فوق عقدة. يعرف ترامب أيضاً أن لدى الإيرانيين ولع بالتفاوض، بغض النظر عن نتائجه النهائية، ويعرف كذلك أن البازار في إيران حالة راكمت على مدار قرون متتابعة، خبرات وقدرات وميول ومهارات، وأن المساومات اليومية في البازار الإيراني باتت جزءاً لا يتجزأ من الشخصية الإيرانية.
إيران لن تخوض بنفسها حرباً، وأميركا لن تشن بذاتها حرباً، لكنهما سوف يصطنعان كل لنفسه صيغة إنتصار ما تسمح لترامب بحصد بعض مكاسب من سوق البازار الايراني، وتسمح للنظام في طهران بالبقاء، مدعياً إحراز انتصار ما. ولكن في كل الأحوال يبقى الفارق كبيراً على طاولة التفاوض بين من يريد الحد من خسائره. ومن يريد مراكمة المزيد من المكاسب.
اليقين غائب عن مفاوضات مسقط، فالولايات المتحدة غير متيقنة في لحظة التفاوض من قدرات ايران النووية. وإيران بدورها غير متيقنة من جدية واشنطن في الذهاب الى الحرب، هذا الغموض البناء، كان وراء جلسة سبر الأغوار في مسقط، وهو أيضاً كان وراء مقدمات حسن النية و إجراءات بناء الثقة، او المقبلات على طاولة التفاوض.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|