الصحافة

أيّ رؤوس تسقط في لبنان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لدى تقلّد كونراد اديناور منصب المستشار في المانيا، غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية بكل ويلاتها، قال لمواطنيه "لقد أرهقنا الماضي كثيراً، لندعه يستريح. الآن، آن الأوان لنرهق المستقبل. لكنه... المستقبل". كنا قد استعدنا قول السفير الفرنسي الأسبق رينيه آلا "لبنان ينتج اللبنانيين". تعليقنا... متى يصبح اللبنانيون لبنانيين حقاً؟

لندخل من هنا في هذا السؤال: متى تعامل الحكام السوريون مع لبنان تعامل الند للند ، من خالد العظم الى عبد الحليم خدام، ومن عبد الحميد السراج الى رستم غزالي؟ لا نتصور أن أحمد الشرع سيكون مختلفاً عن الآخرين. رجل آت من ثقافة الكهوف، والآن سيد القصر. لا شك أن مظهره يشي بالثقة بالذات وبقوة الشخصية. قال لنا زميل تركي ضاحكاً "ان حقان فيدان نحته بازميل مايكل انجلو، وان أردت باصابع ايف سان لوران" ليبدو بمظهر رجل الدولة الأنيق، وبالكاريزما التي كان يفتقد اليها سلفه بشار الأسد.

ولكن من يحكم سوريا الآن، ان من الداخل أو من الخارج؟ محاولات شتى لاحتوائها، أو لاحتواء جزء منها، بالنظر لموقعها الحساس ان في الجغرافيا أو في التاريخ. الأميركيون والأتراك و"الاسرائيليون" على أرضها عسكرياً وسياسيا، القطريون عرابو المال (والايديولوجيا). السعوديون يسعون سياسياً ومالياً، أن يكون لهم دور مؤثر، لابعادها قدر المستطاع عن البراثن التركية والبراثن "الاسرائيلية".

المايسترو الأميركي يريد أن يتقاطع الدور التركي مع الدور "الاسرائيلي" حتى في قلب دمشق،  لكن بنيامين نتنياهو، وبايحاء توراتي حاد، يعرف مدى خطورة المسافة بين ضفاف بردى وضفاف طبريا. هنا حلبة الصدام مع رجب طيب اردوغان، الذي لم يعد يكتفي بحلب التي كان يرى فيها مع الموصل العراقية، جناحي السلطنة. لطالما تمنى أن يصل على حصانه الى فناء الجامع الأموي، وحيث ترقد عظام صلاح الدين الأيوبي، وأن يدخن الأركيلة في التكية السليمانية التي يفترض أن يرفرف عليها هلال سليمان القانوني، لا نجمة سليمان الحكيم.

الاثنان اردوغان ونتنياهو اللذان يدركان ما يعنيه أن يغلي فجأة دم السوريين، اتفقا على ألاّ يبقى هناك من أثر للجيش السوري. ولكن كيف للجيش التركي والجيش "الاسرائيلي" أن يتقاسما الخريطة السورية بتضاريسها القبلية والاثنية والطائفية، دون اغفال الكتلة التي يحاول الجميع سحقها الآن، أي كتلة من يدعون للدخول في الحداثة (السياسية بالدرجة الأولى).

بدم العلويين، وهم الضحايا التاريخيون الذين لا حماية خارجية لهم، أرادت الفصائل  المستوردة من كل أقبية القرن، اثارة الهلع لدى الأقليات الأخرى. قائد احد الفصائل أراد تحويل كنيسة القديس حنانيا، الأقدم في دمشق، الى مستودع للأقمشة. كذلك تحويل دير مار تقلا في معلولا الى ثكنة عسكرية. كاهن من المدينة قال لنا "كانت عيونهم اشبه بالسكاكين التي تريد تمزيقنا ارباً اربا".

كان الرئيس سعد الحريري، وهو ولي الدم، يتمنى أن يكون أول الزائرين لدمشق. لكن رئيس "تيار المستقبل" قد يمنع بين يوم وآخر، حتى من زيارة بيروت. من بيدهم الحل والربط اختاروا الرئيس نواف سلام ليكون رجلهم في هذه المرحلة، لا داعي للكاريزما، ولا للقاعدة الشعبية. الآن وقت الأدمغة التي تحاول شق الطريق داخل الأدغال ، بالأحرى داخل الأهوال.

الحديث وراء الضوء عن أن مأساة الابن (سعد الحريري) لا تقل عن مأساة الأب (رفيق الحريري). في حديث مع الأخضر الابراهيمي قال "الغريب هنا أن ما من أحد يريد أن يكون رئيس الجمهورية لبنانياً بالكامل، أو أن يكون رئيس الحكومة لبنانياً بالكامل". أي لبنان في هذه الحال؟

ما على صهرنا العزيز (صهر العائلة) أحمد الحريري بالدماثة، وبالابتعاد الكلي عن اللوثة الطائفية، الا أن يتابع باسى التيار الأزرق وهو يتلاشى بين يديه. هل حقاً أن التيار منع حتى من خوض الانتخابات البلدية، وغداً النيابية بطبيعة الحال؟ ديفيد هيرست كتب عن رفيق الحريري "ظهر كما يظهر أبطال التراجيديات الاغريقية، وارتحل كما يرتحل ابطال التراجيديات الاغريقية".

واقعاً باستطاعة أولياء الأمر الاستغناء عن الشيخ سعد، لكن من المستحيل الاستغناء عن وليد بك (جنبلاط) الذي تمكن من زيارة دمشق مرة، دون أن يعطى موعداً لزيارة أخرى. من داخل الادارة الجديدة "ظننا أنه أكثر تأثيراً في دروز السويداء". هل بامكان الوزير جنبلاط، أو أي سياسي عربي، ولو كان بشاربي عنترة بن شداد أو بشاربي الزير المهلهل، مواجهة بنيامين نتنياهو؟

السعوديون شقوا الطريق (بالورود) أمام الرئيس سلام لزيارة دمشق. من أطرف ما سمعناه من الوزير الراحل فؤد بطرس "لبنان يختنق اذا عادى سورية، ويختنق اذا صادق سورية". الآن نظام ملتبس ، لا أحد يدري أين تتقاطع مواقف الدول، وأين تتباعد. لكن على لبنان الذي ينحني لواشنطن، أن ينحني أيضاً لدمشق. هذا هو منطق التاريخ حين يمشي على ساق واحدة. ولكن مثلما لبنان يحتاج الى الكثير ليعود دولة ( واي دولة؟)، سورية بحاجة الى الكثير لتعود دولة (أي دولة؟).

من يزر عاصمة الأمويين، اذ يرى ظل الحجاج بن يوسف الثقفي في العيون، يرَ أيضاً أن استقامة العلاقات بين لبنان وسورية لا تتحقق الا بسقوط بعض الرؤوس. من ومن...؟؟

نبيه البرجي-الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا