الصحافة

الجنوب بين خطوط النار والمساومات الاقليمية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عندما يُصبح الدخان عنواناً للصباح، والركام ظلّاً للمنازل، وتتحول الأجساد إلى شواهد على الغياب، تُفصح الأرض عن حكاية بلد لا يتوقف عن النزف.

في الجنوب اللبناني، حيث ينمو الزعتر بين الحجارة ويزهر الحنين على الرغم من الخراب، تقف البيوت شاهدة على أمل يُقصف، وأطفال يولدون على وقع طائرات مسيّرة تُرسم بها سياسات الردع والإذلال.

هنا، لا تنتهي الحرب، بل تتبدّل أشكالها، وتظل الأسئلة معلقة بين السماء والنار: إلى متى يبقى الإنسان هدفاً؟ ومتى يُسمح للسلام أن يتنفس؟

العدوان متواصل.. والقرى تحت النار

تُعيد إسرائيل الكرّة في جنوب لبنان، مؤكدة للعالم مرة أخرى أنها تتعامل مع القوانين الدولية كأنها حبر على ورق. لا تسوية تردعها ولا هدنة توقفها، إذ تتكرر الغارات على الجرافات والمراكز الصحية ومنازل المدنيين في بلدات مثل عيترون، طيرحرفا وحانين، في مشهد يُبرز نية واضحة: لا عودة آمنة للسكان، ولا استقرار في الأفق.

في الأيام الأخيرة فقط، سقط أربعة ضحايا نتيجة غارات شنتها طائرات مسيّرة إسرائيلية، في تصعيد لم يكن عابراً بل ممنهج، يستهدف كل ما يمتّ الى الحياة بصلة. وما يُسوّق له عن ضرب “بنى تحتية لحزب الله” ليس سوى ذريعة لعدوان يستهدف المدنيين ويحوّل القرى إلى أهداف مفتوحة.

“المقاومة”: السلاح ليس خياراً بل ضرورة

في خضم هذا المشهد، تعود مقولة “اليد التي تمتد إلى سلاح المقاومة ستُقطع” لتشكّل موقف “حزب الله” الحاسم. فالحزب، الذي التزم بالصمت طويلاً تجاه الدعوات الداخلية والدولية الى نزع سلاحه، يرى في استمرار العدوان دليلاً قاطعاً على ضرورة بقائه. فبينما تتقاعس الدولة وتبدو عاجزة عن حماية مواطنيها، تبقى المقاومة بنظر شريحة واسعة من اللبنانيين خط الدفاع الأول.

مصادر سياسية رأت في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن التصعيد لن يتوقف في المدى المنظور، معتبرة أن حكومة بنيامين نتنياهو تسعى إلى إبقاء التوتر مشتعلاً، لصرف الأنظار عن أزماتها الداخلية. هذه المعادلة، بحسب المصادر، تمنح “حزب الله” ذريعة إضافية للتمسك بسلاحه، في ظل غياب الردع الدولي وتقاعس الأمم المتحدة.

في حين رأت أوساط قريبة من الثنائي الشيعي أن مواقف رئيس الجمهورية جوزاف عون – الذي يحمّل إسرائيل مسؤولية العدوان على الرغم من تأكيده حصرية السلاح بيد الدولة – تلقى ارتياحاً واسعاً، وتُعتبر موازنة بين المبدأ والدور السياسي المطلوب.

ضحايا بلا ذنب

بحسب مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قُتل منذ بدء وقف إطلاق النار أواخر العام الماضي 71 مدنياً لبنانياً، بينهم نساء وأطفال، بغارات إسرائيلية مباشرة. المتحدث الأممي ثمين الخيطان شدد على ضرورة احترام القانون الدولي الانساني، داعياً الى تحقيقات مستقلة في هذه الانتهاكات.

لكن، على الأرض، لا تعيد التحقيقات من قضوا، ولا بناء ما دُمّر. حتى مراكز الدفاع المدني لم تسلم، كما حصل مع مركز “جمعية الرسالة الاسلامية” في طيرحرفا، في دليل إضافي على رغبة إسرائيل في تقويض كل مقومات الصمود وإعادة الإعمار.

قماطي: العلاقة مع الجيش تكاملية

مع استمرار التصعيد رفع “حزب الله” من نبرة خطابه، فأكد عضو المجلس السياسي في الحزب، محمود قماطي، في لقاء متلفز أن سلاح المقاومة هو ثمرة تضحيات آلاف الشهداء، وليس بنداً قابلاً للتفاوض. وأشار إلى أن الحوار بشأن الاستراتيجية الدفاعية أمر مرحب به، لكن ليس في الاعلام، ولا في ظل استمرار العدوان.

وشدد قماطي على أن العلاقة مع الجيش اللبناني تكاملية لا تنافسية، مشيداً بتصريحات الرئيس عون، لكنه شدد على أن أي نقاش حول استيعاب سلاح المقاومة يجب أن يتم فقط على طاولة الحوار.

الدولة عاجزة… وقرارات مجلس الأمن بلا أنياب

على الرغم من جهود الدولة، وعلى رأسها رئيس الجمهورية، في تحميل الاحتلال مسؤولية التصعيد، إلا أن هذه الجهود تفتقر إلى الفاعلية. التعاون مع قوات “اليونيفيل” لم يمنع استمرار الخروق، وقرارات مجلس الأمن، وخصوصاً القرار 1701، لا تزال حبراً على ورق.

وبناءً على المعطيات الميدانية والسياسية، من غير المتوقع أن تتراجع وتيرة الاعتداءات على الجنوب اللبناني في المدى القريب، ما لم يظهر عامل رادع فعلي. وفي ظل غياب إرادة دولية حاسمة، وتراجع قدرة الدولة على فرض التهدئة، تبقى أمام لبنان خيارات محدودة: إما ردع عسكري يفرض توازناً جديداً بقوة المقاومة، أو انفراج سياسي قد يأتي عبر نجاح المفاوضات الأميركية-الايرانية، بما ينعكس على ساحات الاشتباك المفتوحة. وحتى ذلك الحين، يبقى الجنوب رهينة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا