الصحافة

"المعاش التقاعدي" ينتظر الإصلاحات: العين على إدارة أموال الصندوق

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

 

عندما صدر المرسوم الاشتراعي للضمان الاجتماعي في العام 1963 تم إنشاء صندوق تعويض نهاية الخدمة، حينها كان من المفترض أن يكون هذا الصندوق مؤقتًا لحين إقرار تشريع لضمان الشيخوخة. احتاجت البرلمانات اللبنانية المتعاقبة حوالي 40 سنة للبدء بمناقشة قانون للمعاش التقاعدي، وبعد حوالي 20 سنة أخرى من بدء النقاش، أقرّ مجلس النواب أخيرًا في نهاية العام 2023 قانون التقاعد والحماية الاجتماعية. ومنذ ذلك الحين، دخل القانون الجديد فترة انتظار إضافية، أو تعطيل متواصل، بسبب امتناع الحكومة عن وضع وإقرار المراسيم التطبيقية التي يشترطها القانون لنفاذه.

يعتقد رئيس الديوان والمدير المالي في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي شوقي بو ناصيف أن الانهيار الاقتصادي شكّل عاملاً ضاغطًا من أجل إقرار قانون التقاعد والحماية الاجتماعية بعد انتظار طويل جدّاً. وأكد لـ"المدن" أنه جرى ترحيل القضايا الخلافية التي كانت من ضمن أسباب عرقلته سابقاً إلى المراسيم التطبيقية. وقد نصّت المادة 12 من القانون على أنه: "يستمر العمل في فرع تعويض نهاية الخدمة بأحكامه كافة المنصوص عليها في قانون الضمان الاجتماعي لحين الانتهاء من إقرار المراسيم كافة ووضع هذا النظام موضع التنفيذ الفعلي".

اليوم ومع انطلاقة عهد رئاسي جديد وحكومة جديدة، ومع الوعود الاصلاحية لاسيما المتعلقة بتفعيل الحماية الاجتماعية نجد من الأهمية بمكان الحديث مجددًا عن القانون والإضاءة على أبرز التحديات التي تواجهه لاسيما لناحية الادارة المالية لصندوق المعاش التقاعدي ومدى شفافيتها.

ما هو صندوق المعاش التقاعدي ومن يديره؟
بانتظار صدور المراسيم العتيدة، حسم القانون الجديد الخلافات في شأن الجهة المسؤولة عن إدارة صندوق المعاش التقاعدي، وتقرّر إبقاء هذا الفرع تحت إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بعد اشتراط إجراء تعديلات على إدارة وحوكمة الصندوق. فأقرّ قانون نظام التقاعد والحماية الاجتماعية رقم 319  تخفيض عدد أعضاء مجلس الإدارة من 26 عضواً إلى 10 أعضاء (المادة 10). ووُضعت شروط خاصة لعضوية مجلس الإدارة. كذلك أنشأ القانون لجنة استثمارات بصلاحيات أوسع من اللجنة المالية الحالية (المادة 8)، وفرض إطلاق عملية مكننة لتطوير مؤسّسة الضمان الاجتماعي (المادة 9).

ويتكون الصندوق من الأموال التي ستنتقل إليه من صندوق تعويض نهاية الخدمة، ومن تدفق الاشتراكات المفروضة على أصحاب العمل والعمال. وتشكل هذه الأموال محفظة استثمارية تعود على الصندوق بإيرادات مالية تدخل في حساب الصندوق. أما بالنسبة للمشتركين فليس لديهم حسابات خاصة فعلية في الصندوق بل يجري افتراض وجود حساب يُتيح للمستفيد تقدير قيمة المعاش التقاعدي الذي سيحصل عليه.

ويتألف الحساب الافتراضي من رصيد تعويض نهاية الخدمة المحول إلى نظام التقاعد، ومن الاشتراكات المفروضة والتي سيجري تحديدها لاحقا بموجب مرسوم، بالإضافة إلى زيادة سنوية تتماشى مع زيادة متوسط مداخيل المشتركين.

شفافية الإشراف عليه
وردًا على سؤال حول شفافية الإشراف على أموال الصندوق من قبل الضمان، يؤكد بو ناصيف أنه وبشكل عام يُصدر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تقارير دورية يتم رفعها إلى مجلس الادارة حول الوضع المالي وتدقيق الحسابات، أيضًا من الناحية القانونية تقوم اللجنة الفنية بمراقبة النفقات والايرادات. بالإضافة إلى التقرير السنوي الذي يقدمه المدير العام للضمان. وهذه المعلومات يتم نشرها، أو يسهل الوصول إليها من خلال قانون حق الوصول إلى المعلومات.

أما بما يتعلق بالمعاش التقاعدي فيقول بو ناصيف: "تحدد السياسة المالية التي سيضعها مجلس الإدارة المُزمع إنشاؤه مبادئ الشفافية المالية، ومن هنا أهمية أن يكون هذا المجلس مؤلف من أشخاص لديهم خبرات في وضع السياسات وإقرار المعايير الدولية للشفافية المالية، وعلى هذا الأساس يجري تنفيذ هذه السياسات والمعايير وفق المسالك والاجراءات الادارية في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي".

ومن الأمور المهمة أيضًا حسم القانون الجديد طبيعة النظام التقاعدي في القطاع الخاص، عبر الدمج الانتقائي بين النظام الترسملي (الاشتراكات) والنظام التوزيعي (مساهمة الدولة والحد الأدنى المضمون للمعاش) (الاسباب الموجبة لتعديل القانون). ووفقًا لبو ناصيف فإن الجمع بين النظامين الترسملي والتوزيعي ليس نظاماً فريداً بل موجوداً في دول عدّة وإن كانت قليلة.

على مدى نصف قرن، كان النقابيون والخبراء المستقلّون يطالبون بإنشاء صندوق مالي منفصل عن صندوق الضمان الصحّي لإدارة أموال معاشات التقاعد، ولا سيما أن التجربة حتى الآن التي جمعت صناديق المرض والأمومة والتعويضات العائلية وتعويضات نهاية الخدمة في مؤسّسة واحدة وتحت إدارة واحدة، سمحت بوضع اليد على أموال المضمونين لتمويل الحكومة (توظيفها في سندات الخزينة) وتمويل العجوزات في صندوق المرض والأمومة لتغطية تهرّب الحكومة من تسديد مستحقات الصندوق المترتبة عليها وتغطية تخفيض الاشتراكات المترتبة على أصحاب العمل والشركات وتمكينهم من التهرّب من تسديد هذه الاشتراكات.

عقبات أمام التنفيذ
القانون الذي احتاج 60 عامًا لإقراره لا يزال غير نافذ، بانتظار إقرار مجموعة من المراسيم ليصبح تطبيقه ممكنًا، وبالنسبة إلى بو ناصيف هناك 3 مراسيم أساسية يشكّل إقرارها شرطًا أساسيًا لانطلاق عمل صندوق معاش التقاعد وهي:

المراسيم المتعلقة بإنشاء لجنة الاستثمار وجهازها التنفيذي
المرسوم التطبيقي
مرسوم تحديد الاشتراكات

يضيف بو ناصيف أن التحدّي الأساسي أمام الحكومة الجديدة اليوم هو في اقرار المرسوم التطبيقي، إذ يحدّد كيفية انتقال الأموال من صندوق تعويض نهاية الخدمة إلى صندوق التقاعد ويطرح معه إشكالية مبالغ التسوية.

هذه المراسيم الثلاثة هي المراسيم الأكثر تعقيدا وحساسية بين المراسيم الواجب إقرارها ويبلغ عددها حوالي 13 مرسومًا. والتي أقر منها مرسومًا واحدًا فقط، هو مرسوم تحديد الهيئات الأكثر تمثيلا لمجلس إدارة الضمان، فيما ينتظر مرسوم تحديد مواصفات وخبرات أعضاء المجلس الموافقة عليه من مجلس الخدمة المدنية ليسلك مساره إلى النور. وما زالت مراسيم عديدة غير معدة على الاطلاق كالمرسوم الخاص بالعمال في الأعمال المرهقة بالإضافة إلى المراسيم المتعلقة بدرجات الدخل ولائحة الاطباء الاختصاصيين، ومراسيم تعيين أعضاء مجلس الإدارة ومقدار تعويضاتهم.

وفي اتصال مع رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر أكّد أن الإتحاد تواصل مع وزير العمل الجديد محمد حيدر، وأن الأخير وعد المباشرة بإصدار المراسيم وعلى رأسها مرسوم تعيين مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ولكن هذه الوعود لا تعني أن القانون سيخرج إلى حيز التنفيذ قريبًا. ويشير الأسمر إلى أن إقرار المراسيم التطبيقية قد يستغرق أكثر من سنة ليصبح القانون نافذًا.

إيجابيات...سلبيات ومخاوف
أقرّ مجلس النواب اللبناني قانون التقاعد والحماية الاجتماعية الذي طال انتظاره نظرًا لغياب نظام تقاعدي عادل في لبنان، حيث يعتمد معظم المتقاعدين على تعويض نهاية الخدمة من الضمان الاجتماعي، الذي أثبت عدم استدامته بعد الأزمة المالية.

ووفق البيانات الصادرة عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في العام 2018، عشية انهيار سعر صرف الليرة الثابت، كان متوسط قيمة التعويض لا يتجاوز 15 ألف دولار، علماً أن أكثرية المضمونين كانت تعويضاتهم تقلّ عن 10 آلاف دولار، ولم يكن هذا المبلغ المقطوع يغطّي كلفة عملية جراحية أو حالة استشفائية واحدة قد يضطر المتقاعد لإجرائها. بعد العام 2019، انهارت قيمة تعويضات نهاية الخدمة كلّياً مع انهيار العملة بنسبة 98%، ولم يعد متوسط قيمة التعويض يساوي أكثر من 10% مما كانت عليه في العام 2018.

عليه، ومن ايجابيات القانون الجديد بحسب الخبير الإقتصادي منير يونس هو أنه استبدل نظام تعويض نهاية الخدمة بنظام تقاعدي مستدام، حيث أن القانون ينشئ نظامًا للمعاش التقاعدي الشهري بدلًا من تعويض نهاية الخدمة الذي يُدفع دفعة واحدة، مما يوفر أمانًا ماليًا طويل الأمد للمتقاعدين. كما أنه يضمن دخلًا ثابتًا للمتقاعد بدلًا من اضطراره إلى إدارة مبلغ واحد قد لا يكفي لفترة طويلة، خصوصاً في ظل التضخم.

كما عمد القانون إلى توسيع قاعدة المستفيدين بحيث يشمل كل العاملين في القطاع الخاص، وليس فقط الموظفين الرسميين، مما يوسع الحماية الاجتماعية، ويمكن أن يُدمج لاحقًا فئات مثل المهن الحرة والعمال المستقلين، مما يخلق شبكة أمان اجتماعي أوسع.

مقابل هذه الإيجابيات بحسب يونس يوجد العديد من المخاوف والتحديات تتعلق بالقانون وبإدارة صندوق التقاعد فيه، منها: 

التمويل غير الواضح: فأكبر تحدٍ هو كيفية تمويل الصندوق التقاعدي، خاصة أن الدولة تمر بأزمة مالية خانقة والمصارف غير قادرة على تأمين الأموال اللازمة. وأي تمويل من خلال الضرائب أو الاقتطاعات من رواتب الموظفين قد يكون غير عادل في ظل غياب الضمانات.

ضعف الثقة في المؤسسات المالية: بسبب انهيار النظام المصرفي، يخشى اللبنانيون من أن تصبح أموال الصندوق التقاعدي عرضة للضياع أو سوء الإدارة، كما حصل مع ودائع المصارف.

مخاطر سوء الإدارة والفساد: في ظل الفساد المستشري، هناك مخاوف من أن يتم التلاعب بصندوق التقاعد أو استخدامه لتمويل عجز الدولة بدلًا من الاستثمار الفعلي في ضمان استدامته. حيث لم يتم وضع آليات رقابة صارمة تمنع تدخل السياسيين أو المصارف في أموال الصندوق.

قيمة المعاشات قد تتأثر بالتضخم: إذا لم تكن هناك آلية لتعديل المعاشات وفق التضخم، فقد تصبح المعاشات غير كافية للعيش بكرامة بعد سنوات قليلة. فأزمة الليرة اللبنانية وغياب سياسات نقدية واضحة يجعل استدامة أي نظام مالي معتمد على الليرة أمرًا مشكوكًا فيه.

توصيات لتعزيز الشفافية
يوصي الخبير الاقتصادي منير يونس بالعديد من الإجراءات لضمان مبدأ الشفافية في إدارة أموال الصندوق التقاعدي منها اعتماد القواعد العالمية لإدارة أموال اشتراكات التقاعد، ويقول: "من الضروري اعتماد القوانين اللبنانية والقواعد العالمية المتعلقة بالشفافية وضمان الوصول إلى المعلومات، ولكن الأهم استثمار أموال المتقاعدين بطريقة آمنة تضمن استدامة النظام التقاعدي ولا تؤدي إلى حرمان العاملين من حقوقهم كما حصل في التجارب السابقة".

ويضيف يونس أنه يجب تأمين مصادر تمويل مستدامة بعيدًا عن المساس بأموال المودعين أو اللجوء إلى طباعة الليرة، وضمان استقلالية الصندوق التقاعدي عن التدخل السياسي والمصرفي، وووضع آلية شفافة لإدارة أموال الصندوق تضمن استدامة المعاشات. وبدون هذه الشروط، هناك خطر بأن يصبح القانون مجرد إجراء شكلي دون تطبيق فعلي أو استدامة حقيقية.

 

المصدر: المدن

الكاتب: أسعد سمور

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا